يستعد المغرب لمواكبة نمو قطاع المالية التشاركية من خلال “استعدادات جاريةٍ للتعاون بين بنك المغرب المركزي مع البنك الإسلامي للتنمية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية، لدراسة العوائق التي تواجه التمويل الإسلامي في المغرب، ومن ثمّة تجاوزها”، وفق ما كشفه عبد اللطيف الجواهري خلال ندوة صحافية ملحَقة بأشغال افتتاح المنتدى الـ23 للاستقرار المالي الإسلامي، الذي استقبلته الرباط، بداية يوليوز الجاري. بتنظيم مشترك بين بنك المغرب وبين مجلس الخدمات المالية الإسلامية.
وقال الجواهري، متفاعلا مع أسئلة الإعلاميين، إن “التمويل التشاركي يَسير في نمو متسارع وارتفاع متزايد رغم أنه ما زال يمثل 2 في المائة من النسيج البنكي الوطني وأصوله”، لافتا إلى “إمكانيات واعدةٍ يختزنها في اتجاه توفير صكوك تشاركية من الدولة والقطاع الخاص.. فضلا عن سوق الودائع المصرفية وليس فقط الاكتفاء بالقروض”.
وزاد والي بنك المغرب بهذا الخصوص: “توقعاتنا حول تطور ونمو البنوك التشاركية في المغرب كانت أكثر مما حدَث بالفعل على أرض الواقع”، مشيرا إلى أن “هذا لا ينفي من ناحية الأرقام التحسن البطيء لهذا القطاع؛ ما يبرز أهمية وراهنية الدراسة التي سنقوم بها في هذا المجال ستظهر العوائق التي تعترضه”.
ووصف المسؤول المغربي “تجربة البنوك التشاركية في المملكة بأنها “تجربة فتية وفي مراحلها الأولى”؛ غير أنه تنبّأ لها بـ”مستقبل نمو واعد(..) إذ بدأت منظومة البنوك التشاركية تستدرك التأخر الذي حصل في قطاع التمويل الإسلامي/التشاركي، خاصة بعد سنة 2020 وتداعيات كورونا حينها”.
واسترجع الجواهري كرونولوجيا “بدايات” المنظومة التشاركية في المغرب، مضيفا أنها “آخذةٌ في التطور تدريجيا منذ 2017.. ونتابع ذلك عن كثب بلجنة خاصة”، إذ “دَخَلَ المغرب في مجال البنوك التشاركية منذ إقراره في القانون البنكي لسنة 2014 وبدأ بمنح التراخيص في 2017”.
وجوابا عن سؤال لجريدة هسبريس الإلكترونية، خلال الندوة ذاتها، حول “مدى دعم البنوك التشاركية المغربية لمشاريع ودينامية استثمارات كأس العالم لكرة القدم 2030″، قال المسؤول المالي البارز: “نعم، بكل تأكيد؛ فالبنوك التشاركية يمكنها تعبئة تمويلات للمشاريع التنموية وتأهيل وتشييد البنيات التحتية التي يعرفها المغرب استعدادا لتنظيم كأس العالم 2030، منبها إلى أن “الاختبار والإشكال الوحيد الذي قد تواجهه هذه البنوك هو ندرة السيولة المالية”.
وتابع الجواهري مؤكدا أن “المقاولات التي تشتغل في إطار مشاريع البنيات التحتية لتنظيم المغرب لمونديال 2030، أمامها حرية الاختيار سواءٌ في الولوج إلى البنوك التشاركية أو البنوك العادية”؛ ما يؤهلها لضمان إنجاح الاستعدادات الجارية والإسهام الفاعل في الديناميات الاستثمارية.
العنصر البشري
في موضوع آخر يتعلق بـ”مستجدات مشروع قانون خاص بتأطير الأصول المشفرة والعملات الرقمية، أجاب والي بنك المغرب الصحافيين بأن “البنك انتهى من إعداده وأحاله طالبا من وزارة المالية الإسراع في دراسته وإبداء ملاحظات الحكومة”، مفيدا بأن “البنك المركزي بصدد إعداد تفاصيل النصوص التطبيقية التي ستكون مرافِقة لمسار تنزيله”.
وفي إشارة دالة، أكد الجواهري أن “الإشكال ليس في تقنين الأصول المشفرة بالمغرب ومواكبة التغيرات الدولية الجارية في هذا الصدد.. بل إن البنك يواجه تحديات أساسية متمثلة في توفر العنصر البشري المؤهَّل في مجال التقنيات الحديثة، والمتخصصة أيضا”.
وزاد في نبرة تنبيه: “هناك فجوة تتسع في هذا المجال بسبب نقص المهندسين، حيث غادر 20 مهندسا البنك المركزي في السنتين الأخيرتين، وربما تستقطبهم دول أخرى وتغريهم بامتيازات(…)”، مشددا على “دور حاسم يلعبه العنصر البشري المؤهَّل في تطبيق التقنيات الجديدة ومواجهة المخاطر المالية ومخاطر الرقمنة المرتبطة بها”.
وأشار كذلك، ضمن حديثه، إلى أن “الصراع الجيو-السياسي العالمي بين الدول والقوى الكبرى يؤثر على التقدم في مجال العملات الرقمية، ويُظهر في كل مرة مستجدات ومخاطر ناشئة تقتضي الحذر والتتبع (…)”.
التطوير التكنولوجي
تحدّث خلال الندوة الصحافية غياث شابسيغ، أمين عام مجلس الخدمات المالية الإسلامية، الذي أعلن أن “التغيير الجاري في النظام المالي العالمي يحمل في طياته فرصا هائلة تطوير للأدوات المالية التشاركية”، خاصة أن الأنظمة المالية الإسلامية “تعرف انضمام دول جديدة ليست بالضرورة ذات غالبية سكانية مسلمة”.
وأكد أمين عام مجلس الخدمات المالية الإسلامية (المعروف اختصارا بـIFSB) أن “المنظمة تعمل ضمن اختصاص النظام النقدي العالمي وتتعامل مع مؤسسات مختلفة؛ منها صندوق النقد الدولي (مثلا)”، ملمحا إلى أن ثمّة “فرصا للتغيير في النظام المالي التقليدي بسبب تعقيداته، بينما التمويل الإسلامي يعتبر أقرب للطبيعة البشرية وأقل تعقيدا”.
“هناك فرصة كبيرة لتحسين التمويل الإسلامي وإعطائه دفعة قوية باستخدام التكنولوجيات الحديثة والرقمنة المتسارعة”، شدد غياث شابسيغ، شارحا للإعلاميين أن “الأدوات التمويلية في النظام التقليدي تتطور لتُشبه بعض جوانب التمويل الإسلامي”.
وزاد المتحدث عينه: “تأثير هذه التغييرات على النظام المالي العالمي غير واضح حاليا. والصراع السياسي سيلعب دورا في تحديد الشكل النهائي للنظام المالي”.
وبينما لفت أمين عام مجلس الخدمات المالية الإسلامية إلى أن “التغيير في المصرفيّة الإسلامية يعتبر فرصة كبيرة، فإن الأدوات التمويلية الإسلامية قد تقدم أفضليّة وميزة في ظروف السوق الحالية”، حسب تقديره.