خلدت أسرة المقاومة ومعها ساكنة سيدي إفني، في أجواء من الفخر والاعتزاز، اليوم الاثنين، الذكرى السادسة والخمسين لاسترجاع سيدي إفني إلى حظيرة الوطن.
وأكد مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في كلمة له، خلال مهرجان خطابي بمقر عمالة إقليم سيدي إفني، أن ذكرى استرجاع سيدي إفني تعد محطة تاريخية وازنة وصفحة مشرقة في مسلسل الكفاح البطولي الذي خاضه الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجاهد من أجل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية المقدسة.
واستحضر الكثيري، في مستهل كلمته، ملاحم وبطولات مدينة سيدي إفني، مشيرا إلى أن هذه الملاحم تعود، حسب المؤرخين، إلى منتصف القرن التاسع عشر عقب أحداث حرب تطوان وتوقيع معاهدة “واد راس” المجحفة سنة 1860 التي فرضت على المغرب وقتها والتي حاول الإسبان آنذاك استغلال بنودها بل وتحريف منطوقها من أجل إيجاد موطئ قدم على الساحل الأطلسي للصحراء المغربية؛ غير أن كل محاولاتهم باءت بالفشل، ولم يستتب لهم الأمر بالمنطقة إلا عنوة وفي ظروف دقيقة تكالبت فيها القوى الاستعمارية على الدولة المغربية في أوائل القرن العشرين.
وأبرز أن القوات العسكرية الإسبانية “لم تتردد في نهج خطة استعمارية خبيثة لفصل هذا الجزء من الوطن وإلحاقه بالدولة الإسبانية بغية مراقبة المعبر التجاري العالمي المار قبالة السواحل المغربية، من خلال قواعدها في جزر الكناري ومقابلها في سيدي إفني (..)، علاوة على أطماع اقتصادية كثيرة ومتعددة”.
وأضاف أنه بعد مقاومة عنيفة لقوات الاستعمار الإسباني في عدد من المواجهات والمعارك الطاحنة في الثلث الأول من القرن العشرين، وضع الباعمرانيون السلاح حقنا للدماء وحفاظا على الأرواح والممتلكات بموجب اتفاقية “أمزدوغ” الموقعة بين الطرفين في 6 أبريل 1934 وبذلك صار الوجود الإسباني بالمنطقة واقعا.
لكن الباعمرانيين ظلوا أوفياء لوطنهم وملكهم، ولم يكن وضعهم للسلاح جانبا سوى موقفا استراتيجيا في انتظار اللحظة المناسبة، وهو ما عبروا عنه، قولا وفعلا، بعد نفي المغفور له السلطان سيدي محمد بن يوسف؛ وذلك من خلال رفع الأعلام والرايات الوطنية فوق المنازل والشاحنات والسيارات، تأكيدا منهم على رفضهم القاطع للقرار الجائر الذي اتخذته السلطات الاستعمارية الفرنسية بنفي السلطان الشرعي وأسرته الكريمة إلى خارج أرض الوطن يوم 20 غشت 1953.
وأضاف الكثيري، من جهة أخرى، أن هذه الربوع المجاهدة انخرطت إلى جانب بقية الأقاليم الجنوبية للمملكة في الملحمة الخالدة لثورة الملك والشعب، كما اضطلعت أيضا بأدوار رائدة وطلائعية في معركة التحرير، حيث شكلت مناطق سيدي إفني وآيت باعمران قلاعا لتكوين وتأطير رجال المقاومة والتحرير من لدن رموز وأبطال أفذاذ نذروا حياتهم من أجل رفعة الوطن وعزته وصون حريته وسيادته والذود عن وحدته وكرامة أهله.
كما استحضر الحضور القوي لقبائل آيت باعمران في صنع أمجاد انتفاضة 23 نونبر 1957 الخالدة ضد الوجود الاستعماري الإسباني وخاض أبناؤها غمار معارك ضارية دارت رحاها بالمنطقة والتي حقق فيها المجاهدون الباعمرانيون وإخوانهم الوافدون من ربوع المملكة نصرا مبينا مؤزرا.
وذكر أيضا بأبرز المواجهات والمعارك التي كبد خلالها المجاهدون قوات الاستعمار خسائر فادحة في الأرواح والعتاد على الرغم من محدودية العدد وبساطة العتاد؛ ومنها معارك “تبلكوكت”، “بيزري”، “بورصاص”، “تيغزة”، “امللو”، “بيجارفن”، “سيدي محمد بن داوود”، “ألالن”،”تموشا” ومعركة “سيدي إفني”، والتي مكنت المغرب من استرجاع إقليم طرفاية في سنة 1958، ثم استرجاع مدينة سيدي إفني في 30 يونيو 1969.
وأبرز أن استرجاع مدينتي طرفاية وسيدي إفني كان أول الغيث في حملة التحرير والوحدة الترابية، التي جعلت من قضية استرجاع الأقاليم الجنوبية المحتلة أولى الأولويات وأوجب الواجبات، سالكا في ذلك كل السبل القانونية والوسائل النضالية لدى المحافل الدولية والمنابر الإعلامية للترافع أمام المنتظم الدولي لإعادة الحق المسلوب إلى أصحابه والشرعية التاريخية للكيان المغربي الموحد.
وأضاف أنه بعد 56 سنة من استرجاع مدينة سيدي إفني، تتواصل مسيرات البناء والتشييد والتنمية الشاملة والمستدامة والدامجة وإرساء أسس دولة الحق والقانون والمؤسسات في العهد الجديد والزاهر للملك محمد السادس، لتحقيق أهداف التقدم والازدهار لأقاليمنا الصحراوية لتصبح أقطابا تنموية جهوية، وقاطرة للتنمية الشاملة والمتكاملة بكل أبعادها بأوراش العمل والمشاريع الاستثمارية التي تكرس النموذج التنموي الجديد في كافة المجالات، ومن شأنها تعزيز ورش الجهوية الموسعة والمتقدمة في أفق جعل الأقاليم الصحراوية نموذجا ناجحا للجهوية المتقدمة.
من جهته، أكد محمد ضرهم، عامل إقليم سيدي إفني، أن تخليد ذكرى استرجاع مدينة سيدي إفني إلى حظيرة الوطن في ملحمة بطولية خالدة، هو احتفاء بإحدى أهم ملاحم الكفاح الوطني المجيد دفاعا عن حوزة الوطن، مضيفا أن هذه الذكرى تعد محطة تاريخية مضيئة ومتجددة أكد فيها أبناء قبائل آيت باعمران سمو روحهم الوطنية ورسوخ قيم الوفاء للثوابت الوطنية لديهم.
وأكدت باقي المداخلات أن ذكرى استرجاع سيدي إفني تعد إنجازا تاريخيا يعكس إصرار أبناء هذه الربوع المجاهدة على الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة ومقدساتها وثوابتها.
وفي أعقاب هذا اللقاء، جرى تكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بالإقليم، تقديرا لما قدموه من تضحيات جسام في سبيل تحرير البلاد من الاستعمار. كما تم تقديم إعانات مالية لعدد من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وأرامل المتوفين منهم، والبالغ عددها 45 إعانة بغلاف مالي إجمالي قدره 100 ألف درهم همت الإسعاف الاجتماعي وواجب العزاء.