أثار سقوط أربع مقذوفات بمدينة السمارة، يوم الجمعة الماضي، الكثير من الجدل والتكهنات بشأن طبيعة المتفجرات التي استخدمتها ميليشيات “البوليساريو” الانفصالية في هجمتها الإرهابية الأخيرة وحول دقة وقدرة مقذوفاتها التدميرية.
ووفق الخبير العسكري عبد الرحمن مكاوي، فإن الهجمات العدائية التي استهدفت مدينة السمارة عبر سقوط مقذوفات متفجرة في أرض خلاء تندرج ضمن أعمال إرهابية تعكس اعتماد جبهة “البوليساريو” على ترسانة بدائية من بقايا الحرب الباردة.
ولفت مكاوي الانتباه، في تصريح لهسبريس، إلى أن المقذوفات المستعملة تعود إلى منظومة BM-21 غراد السوفياتية، المعروفة باسم “التبروري”، وهي راجمات صواريخ تركب على شاحنات أو منفردة، وتطلق أكثر من 40 صاروخا من عيار 122 ملم دفعة واحدة، بمدى يتراوح بين 5 كيلومترات و45 كيلومترا، مستدلا بتاريخ تصنيع هذه المنظومة التي تعود إلى الستينيات من القرن الماضي، والتي تفتقر إل أنظمة توجيه مثل GPS؛ الشيء الذي يجعلها غير دقيقة، وتشكل خطرا عشوائيا على المناطق المفتوحة.
وسجل الخبير العسكري المغربي أن الاعتماد على هذه الأسلحة القديمة قد يكون دليلا على هشاشة القدرات العسكرية لجبهة “البوليساريو”، التي لا تزال تستخدم النسخة الأصلية من راجمات غراد التي حصلت عليها من الجيش الجزائري ومخلفات ترسانة نظام القذافي، حيث جرى تهريب آلاف القطع منها عبر شبكات في دول الساحل عقب انهيار نظام الجماهيرية.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن “المعطيات الاستخباراتية تؤكد أن عدد الشاحنات والآليات المتوفرة لدى الجبهة محدود للغاية”.
وأبرز مكاوي أن هذا النوع من الأسلحة انتشر في مناطق عديدة من العالم، من الشرق الأوسط إلى أمريكا اللاتينية. وقد خضع لتعديلات في إيران، التي طوّرت نسخا مشابهة مثل “رعد 1” أو”آرش 1″، وأعادت تصديرها إلى مناطق النزاع في اليمن ولبنان وأرمينيا، كما استخدمته روسيا في سوريا وأفغانستان.
وأوضح أن الأخطر يكمن في أن وحدة المقذوفات الصاروخية التي نفذت هذه الهجمات يقودها ضابط برتبة عميد من سلاح المدفعية الجزائري يتمركز في مخيم الرابوني ويتبع للمنطقة العسكرية الثالثة المعروفة بـ”القبعات السوداء”، وهذه الوحدة تتحرك بأوامر مباشرة من القيادة العسكرية الجزائرية.
وزاد: “هذا ما ينفي تماما مزاعم “التحرر” و”القرار المستقل” التي تروج لها جبهة “البوليساريو”، ويؤكد سيطرة الجزائر الكاملة على القرارات الميدانية والهجومية”.
وفي هذا السياق، يرى عبد الرحمن مكاوي أن الهجوم على مدينة السمارة، رغم عدم وقوع خسائر بشرية، يشكل مؤشرا خطيرا على الطابع الإرهابي لتحركات الجبهة ويبرز إصرار الجزائر على استخدام “البوليساريو” كأداة لزعزعة الاستقرار في الصحراء المغربية، في تحدّ واضح للشرعية الدولية ولاتفاق وقف إطلاق النار.
من جانبه، قال رمضان مسعود العربي، رئيس الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان (ASADEH)، إن العملية التي نفذتها جبهة “البوليساريو” ضد مدينة السمارة باستعمال مقذوفات متفجرة تمثل دليلا إضافيا على الطبيعة الإرهابية لهذه الجماعة التي باتت تتحرك خارج منطق الشرعية الدولية.
وأوضح مسعود العربي، الذي سبق له الانخراط في صفوف “البوليساريو” ويملك دراية تقنية ببنيتها التسليحية، أن الجبهة تعتمد على قذائف من نوع “غراد B11 و BM-21السوفياتية”، وتعمل على تعديلها بشكل عشوائي لرفع مداها؛ ما يؤدي إلى تراجع دقتها وفعاليتها التدميرية، في مقابل استخدام نفسي واستعراضي يائس.
وأضاف عضو “الكوركاس”، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذا الهجوم يستهدف ترهيب المدنيين العزل بمدينة السمارة، في محاولة يائسة للتغطية على الهزائم الدبلوماسية والعسكرية والاجتماعية المتلاحقة التي تكبدتها الجبهة خلال السنوات الأخيرة، خاصة في ظل تصاعد الدعوات داخل الكونغرس الأمريكي ومن قبل مسؤولين أوروبيين لتصنيف “البوليساريو” منظمة إرهابية بالنظر إلى ارتباطاتها الوثيقة بالجماعات المسلحة في الساحل وعلاقاتها المشبوهة بإيران.
وأنهى رئيس الجمعية الصحراوية حديثه بالتأكيد على أن استهداف المدنيين العزل بالأقاليم الجنوبية لا يمكن وصفه إلا بـ”الانتحار السياسي لجبهة انفصالية فقدت كل مقومات الوجود السياسي المشروع، وبدأت تتحول تدريجيا إلى تهديد إرهابي واضح للأمن الإقليمي”.