في لقاء سياسي وتنظيمي احتضنه المقر المركزي لحزب الأصالة والمعاصرة بالرباط، أطلقت اللجنة الأمازيغية للحزب، أمس السبت، مبادرة “أناري تيفيناغ” (لنكتب تيفيناغ)، في خطوة تهدف إلى تسريع وتيرة التنزيل الفعلي للطابع الرسمي للأمازيغية، وسط دعوات واضحة لإعادة النظر في مضامين القانون التنظيمي رقم 26.16.
اللقاء عرف حضور فعاليات أمازيغية من مختلف جهات المملكة وممثلي عن أساتذة اللغة الأمازيغية، وشكّل محطة لتشخيص واقع الأمازيغية، إلى جانب تقديم رؤية لتتجاوز الانتظار إلى الفعل السياسي والتشريعي الفعال.
وفي كلمته الافتتاحية ذكّر رشيد بوهدوز، رئيس لجنة الأمازيغية بالحزب، بأن “الأمازيغية كانت ولا تزال إحدى الركائز التأسيسية لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي وُلد من رحم مسلسل الإنصاف والمصالحة، لطي صفحة الماضي، الذي كانت فيه الهوية الأمازيغية من أكثر الضحايا تهميشًا، وكان من الطبيعي أن تكون الأمازيغية في صلب انشغالاته واهتماماته”.
واستحضرا المتحدث ما سماه “المفارقة الصارخة بين عهد سابق كان يُعتقل فيه النشطاء بسبب رفع لافتة مكتوبة بتيفيناغ، وعهد اليوم الذي يناقش فيه هذا الملف بحرية ومسؤولية داخل مقر الحزب”، واعتبر أن “هذا التحول دليل على أن الكثير تحقق”.
ورغم تثمينه لما تحقق من مكتسبات، أعرب بوهدوز عن عدم رضاه عن الوتيرة الحالية، واصفاً إياها بالبطيئة وغير المنسجمة مع الرعاية الملكية السامية لهذا الورش، ولا مع انتظارات المواطنات والمواطنين.
وحاول رئيس لجنة الأمازيغية بـ”البام”، في كلمته، تحديد “مكامن الخلل التي تعيق تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية”، معتبرا أن “القانون التنظيمي 26.16 يعاني من أعطاب بنيوية، وأن صياغته الأولى لم تكن نتيجة لتشاور حقيقي مع الفاعلين الأمازيغيين”، كما ذكّر بموقف الحزب المتحفظ منذ سنة 2015، والذي عبر عنه آنذاك الأمين العام الأسبق إلياس العماري، حين حذر من أن القانون “يخيب الآمال ولا يرقى لمستوى اللحظة الدستورية”.
وطالب بوهدوز بمراجعة شاملة لهذا القانون، بما يضمن إقرار المساواة الفعلية بين اللغتين الرسميتين بشكل فوري، كما نص على ذلك الدستور، بدل الاستمرار في اعتماد مقاربة “التأجيل المقنن”، التي وصفها بأنها رهان خاسر يؤدي إلى إفراغ الترسيم من مضمونه.
وفي رؤيته المستقبلية، دعا بوهدوز إلى تفعيل اللجنة الوزارية المكلفة بتتبع وتقييم ورش الأمازيغية، وإحداث آلية رقابية وطنية فعالة ذات طابع زجري لضمان التفعيل الحقيقي لمقتضيات الطابع الرسمي للأمازيغية، ومنع حالات الإفلات من المسؤولية. كما نبّه إلى خطورة استمرار بعض الممارسات الفردية التي تُعارض التوجهات الرسمية للدولة، وحذر من وجود “بؤر مقاومة صامتة داخل الإدارة تعرقل تنزيل هذا الورش الاستراتيجي”، دعيا إلى “وضع إطار قانوني صريح يُجرّم كل أشكال معاداة الأمازيغية والتمييز والكراهية على أساس اللغة أو الهوية، بما يضمن حماية فعلية للمواطنين وصيانة للهوية الوطنية في تنوعها”.
كما قدّم رئيس اللجنة مبادرة “أناري تيفيناغ” كإجابة حزبية عملية عن هذا البطء، مؤكدًا أنها تهدف إلى إدماج الأمازيغية بحرف تيفيناغ في كل مقرات الحزب والجماعات التي يسيرها، عبر شراكات ومواكبة تقنية وبرامج تكوين مستمرة. وأكد أن الحزب لا ينتظر التنزيل من الحكومة، بل اختار أن يكون فاعلًا فيه من موقعه داخل المؤسسات المنتخبة.
وقدّم محمد زاهد، عضو اللجنة، عرضًا تقنيًا مفصلًا حول المبادرة، مبرزًا أنها تستند إلى رؤية متكاملة تعتمد على إبرام شراكات مؤسساتية مع الجماعات التي يسيرها الحزب، وتأسيس خلية وطنية للترجمة والمواكبة، بتنسيق مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إلى جانب تنظيم دورات تكوينية موجهة للمنتخبين والأطر من أجل تعزيز إدماج الأمازيغية في الممارسة اليومية داخل المؤسسات الترابية.
وقد شهد اللقاء مداخلات لمختلف الفاعلين، فقد اعتبر محمد درويش، أحد الفاعلين الأمازيغ البارزين، أن المبادرة تعكس نضجًا سياسيًا حقيقيًا في التعاطي مع الأمازيغية، وقدم عرضا شاملا للسياق التاريخي لاعتماد تيفيناغ رسميًا، مثمنًا توجه الحزب في تحويل التزامات دستورية إلى ممارسات مؤسساتية، والنضال النوعي لأعضائه وللجنة الأمازيغية.
وفي ختام اللقاء أكد بوهدوز أن المنتمين إلى لجنة الأمازيغية بحزب الأصالة والمعاصرة “ليسوا مجرد ناطقين باسم اللجنة، بل أعضاء فاعلين في قلب الحركة الأمازيغية نفسها، وأنهم يحملون مسؤولية إيصال صوتها إلى قيادة الحزب، ويعتبرون أنفسهم جسراً بين النضال المؤسساتي والنضال المجتمعي”، بتعبيره.
كما ثمّن ما عبّرت عنه نجوى ككوس، رئيسة المجلس الوطني، حين أكدت أن “لدى الحزب حركة أمازيغية قوية وفاعلة داخله”، مضيفا أن هذه الشهادة تعكس وعيًا متقدمًا من قيادة الحزب بأهمية هذا المسار.
وفي سياق حديثه عن طبيعة التزام اللجنة داخل الحزب، أبرز بوهدوز أن دور مناضلي الحركة الأمازيغية لا يقتصر على تجميل مواقف الحزب أو الدفاع الأعمى عن منجزاته، بل يتمثل في أن يكونوا “الضمير الحي” الذي يواكب الأداء الحزبي، ويرصد مكامن الخلل، ويُمارس النقد من الداخل بروح بناءة ومسؤولة. وذكّر بتأسيس إطار “أكراو من أجل الأمازيغية” كردّ فعل نضالي على فترة من الفتور في النقاش الداخلي حول القضية الأمازيغية، مثمّنًا التجاوب الإيجابي الذي أبدته قيادة الحزب مع هذا التفاعل. واعتبر أن قابلية الحزب للنقد والانفتاح على الملاحظات تعكس تميّزه عن العديد من التنظيمات السياسية الأخرى.
كما شدد بوهدوز على أن “قيادة حزب الأصالة والمعاصرة للحكومة المقبلة ستكون فرصة تاريخية لفتح ورش تفعيل الأمازيغية بالجدية التي يستحقها، وتحقيق طموحات ورؤى المناضلين من أجل مستقبل اللغة والهوية ليس مجرد مطلب فئوي، بل هو اختبار حقيقي لنضج المشروع الوطني الديمقراطي والتعددي الذي تأسس عليه الحزب”.