أخبار عاجلة

لالة حليمة السُّفيانية

لالة حليمة السُّفيانية
لالة حليمة السُّفيانية
لالة حليمة السُّفيانية
أسامة الصغيرالخميس 26 يونيو 2025 - 19:57

توطئة: نظرا للاكتظاظ العام في المُؤسَّسات الثانوية بمدينة سوق الأربعاء، تظافرت الجهودُ لإحداث ثانويةٍ أخرى تُعزِّز البنيةَ التعليمية التربوية، وتم اختيارُ مكانٍ حيوي مُهم، بحيث يُمكن أن يجمع روافدَ أحياء: أولاد بن اسبع، اكريز، وأجزاء من أولاد حماد، حي هند الاجتماعي. وهو امتدادٌ سُكّاني وجغرافي يُشكّل نصفَ سُكان المدينة. لكن الأمرَ المُفارِق، هو تغريبُ هذا المشروع التربوي عن مجالِه وامتدادِه وهويَّتِه التاريخية، بسبب إطلاق اسم ” السيدة الحُرة ” على هذه الثانوية قَيْدَ الإنجاز.

للعلم، فالسيدةُ الحُرّة شخصيةٌ مغربية تاريخية كبيرة تنحدر من أُسرةٍ أندلسية بشمال المغرب، تزوجتْ حاكمَ مدينة تطوان أحمد المنظري، ثم بعدَه تزوجت السلطان المغربي أبو علي العباس الوطّاسي، وحكمتْ مدينةَ شفشاون، ولعبتْ دورا بارزا في مهمّة الجهاد البحري في شمال المغرب لصَدِّ الهجومات الإيبيرية، وكان ذلك أيضا بالتزامُن مع الدور الجهادي الكبير الذي قامت به قبائلُ منطقة الغرب السفيانية بقيادةِ العلاّمة والمُجاهد سيدي عيسى بن لحسن المصباحي مُؤسِّس ومُلْهم مدينة سوق الأربعاء في منطقةِ الدعادع التي كانت زاويتَه ومربطَ جيشِه الجهادي، إلى أن تُوفي سنةَ 1574 شهيداً يومَ أربعاءٍ في معركةٍ ضِدَّ البُرتغاليين بين طنجة وتطوان، ونُقِل جثمانُه ليُدْفَنَ بزاويَتِه حسب وصيَّتِه، فصارتْ المنطقة تُسمّى منذُ ذلك الحين أربعاءَ سيدي عيسى، ثم سيدي عيسى نسبةً إليه، وهو ما يُبرِّر الدعوة التي سبق وأطلقَتُها في أكثر من فرصة ومُناسبة لتغيير اسم المدينة باسترجاع هويَّتِها المسلوبة المُرتبِطة بمُؤسِّسِها العلاّمة والمُجاهد سيدي عيسى انسجاماً مع النسيج العمراني المجالي والتاريخي على غرار مُدن: سيدي يحيى، سيدي سليمان، سيدي قاسم. لهذا يَحِقُّ أن نتساءل استنكاريا، ما هي الروابطُ المجاليةُ والتاريخية بين السيدة الحُرَّة ومنطقة الغرب، لأن هذا التساؤل يقع في صميم التدبير الترابي الاستشرافي الذي ينخرط فيه المغرب ضمن الجهوية المُتقدمة والمُندمجة، والجهويةُ لا تعني شيئا آخر غير تكييفِ وتدبير الخُصوصيات والمُقَدّرات المجالية وتثمين المُقوّمات التُّراثية المادية واللامادية ضِمن نسيجٍ عُمراني وتُرابي مُندمج يحفظ الاختلافَ الجهوي والخصوصيةَ المحلية ضمن الاتلاف الوطني العام. من هذا المُنطَلَق، أٌقترح الحفرَ في جينالوجيا تاريخ منطقة الغرب بحثاً عن اسمٍ بديل لهذه المُؤسَّسة. لقد حصلَ التشكُّلُ القَبَلي الأول للعرب بمنطقةِ الغرب خلال العهد المُوحِّدي مع تغريبةِ بني هلال الأولى من شبه الجزيرة العربية إلى المغرب في القرن الحادي عشر ميلادي، كانت أَثْبِجُ بطْناً َمن بُطُون بني هلال ومنها انحدرَتْ قبيلةُ سُفيان التي تُشكِّل المُكَوِّن الاجتماعي العربي الأول بمنطقة الغرب ابتداءً من سنة 1050م. لاحقا التحق بنو مالك بقبائل سفيان في سهل الغرب خلال العهد المريني، ونَزَلُوا جِوارَهُم واختلَطُوا بهم ليَكْتَمل هذا النسيجُ الذي سيلعبُ أدواراً مصيريةً في كل تاريخ المغرب. مِن هذه السُّلالة السفيانية نَعْثُرُ على السيدة ” لالة حليمة السفيانية “، التي تَزَوَّجُها السلطانُ العلوي الأشهر مولاي إسماعيل لمُصاهَرة سفيان واسترضائِهم، فكانت هذه المرأةُ الغرباويةُ هي والدةُ الأمير العلوي مولاي زيدان الصغير القائم بالشؤون الخارجية خلال حُكم السلطان المولى إسماعيل. اخْتَصَّها السلطانُ لتكون مسؤولةً عن رُتَبِ الجيش وأَرْزاقِه والإشرافِ على هدايا الشُّرفاء في الزوايا والمواسم على امتداد الدولة المغربية العلوية، وعَطايا العُلماء في الأعياد والمُناسبات الدينية والاجتماعية، وكانت زوجتَه المُفضَّلة وسيدةَ القصر السُّلطاني، وهي التي شَيَّدت القُبّةَ البديعة المُذَهَّبة لضريح المولى إدريس الأشهر/ إدريس الثاني بفاس، وبَنَتْ جامِعَها المُضاف، فكان لها شرفُ تشكيل الحَرم الإدريسي.

ليست الغايةُ هنا إقامةَ مُفاضلةٍ، بقدر ما هي لَفْتُ الانتباه إلى تَثمين التراث والمُقَوِّمات التاريخية والمجالية، ونفضُ الغبار عن المجد المجالي الذي بَصَمَتْهُ شخصياتٌ من تاريخ المغرب بمنقطةِ الغرب ضِمن الاكتمال التاريخي والمجالي الوطني العام. وبصفةٍ عامة، فإن رفع شعاراتٍ أو مشاريع تنموية يجب أن يُراعي الوعيَ بالخصوصيات المجالية حتى لا تكون التنميةُ مَبتورةً عن عُمْقِها البشري، تفادياً لِهَدْرِ المجهودات الهائلة والكُلْفة المالية والزمنية. وإذا كان الوعيُ النقدي الحَصيف قد جعل عاهلَ البلاد يقف وقفةَ تأمُّلٍ ومُراجَعةٍ، داعياً إلى إعدادِ وصياغةِ مشروعٍ تنموي جديد، وفق رؤيةٍ مجالية جهوية مُتقدِّمة، فإن ذلك يقتضي استجابةً من لَدُنِ كافةِ المُتَدَخِّلِين لعدم تكرار ومُراكمةِ هَنّات وقُصُور البرامج التنموية المَبتُورة.

استطرادٌ لا بد منه: سبق وطرحتُ قائمةً مُطوَّلةً من الأعلام والأسماء والأحداث، التي شَكّلَت الرصيدَ الرمزي لمنطقةِ الغرب في مراحل تاريخية مختلفة بهدف إطلاقِها على الأماكن والشوارع والفضاءات العامة بجماعةِ سوق الأربعاء بعد رسالةٍ توجيهية من وزارة الداخلية في هذا الشأن، وذلك ضمن ” هيأة المُساواة وتكافُؤ الفُرص ومُقاربة النوع الاجتماعي “، التي تَطَوَّعتُ فيها بدافع المُواطَنة خلال ولايةِ المجلس الجماعي السابق، ثم تَكرّر نفسُ الأمر بانضمامي إلى الهيأة نفسِها بعد إعادة تشكيلِ أعضائها حسب مُقتضَيات القانون خلال بدايةِ المجلس الجماعي الحالي، لكن الاقتراحَ والجُهدَ والانتسابَ والاقترابَ خلال العُهْدَتَيْن كان صيحةً في واد. إن واقعَ المُمارَسة ومحاولة الإسهام وإسداء النُّصْحِ، سواء ارتباطاً بهذه المُقترَحات أو غيرها الكثير من محاولاتِ العمل بالتسديد والمُقاربة انصياعاً لإكراهاتِ الواقع الانتخابي المحلي ومُعطياتِه القُطْبية القاتِلة، يبقى عديمَ الجدوى تماماً، خصوصاً أمام انزواءِ ونُكُوصِ ذَوِي الأقاويل والإرادات الجديدة والنُّخَب كُلما كانت هناك محاولةٌ لتجميعِهمِ وتفعيلِ أدوارِهم التي لا غنى عنها إطلاقاً في صناعةِ أيِّ بديلٍ محلي مُحْتَمَلٍ خارج القُطبية الثنائية، وهو ما سَعَيْتُ إليه من داخل وخارج المدينة في ترتيباتٍ ومُحاولاتٍ مُتواصلة إعداداً لطرحِ مشروعٍ بديل، في محطَّتَيْ 2015 ثم 2021 قبل الخُضوع للأمر القُطْبي الواقع بعد تَلاشِي وذَوَبان الإرادات والمواقف والأماني سيراً على عادةِ المُتَكَلِّمين والغاضِبين، بحيث كلما اقترب موعدُ حسم 6 سنوات من الشأن المحلي، فإنهم يَرْفَعُون أيديهم عن الفعل المُباشر ولا يعود يَعنيهم الشأنُ الانتخابي انصياعاً لحساباتٍ وحساسياتٍ وتبريراتٍ مختلفة، لِيُعاوِدُوا البُكاءَ والتمَنّي والنقدَ والتحَسُّرَ من جديد في طقسٍ مازُوشي جماعي تكراري، كأن الموتى سَيَنْهَضون من أجل الإنابة عن الأحياء المُتَحَسِّرين على المدينة !!!. الأَنْكى الآن أمام هذا النُّكوص الجماعي وارتداد البدائل والنُّخب الجديدة، أن القُطبية تتحول إلى أُحاديةٍ عشائرية تُوَزِّع فائَضَها الانتخابي على ذَوِي القُرْبَى في مشهدٍ واقعي أغرب من الخيال ينتمي لعهدِ مُلوك الطَّوائِف أو الأوليغارشية الإقطاعية الجاثِمة، لا للمغرب المعاصر !!. لقد أَثْبَتَتِ المحاولةُ المُتكَرِّرة أن التَّجْرِبَتَيْن معاً ضِمن قُطْبَيْ المُعادلة، إنما هُما وجهانِ لأزمةٍ ذهنيةِ وانتخابَويةٍ واحدة تتناوب منذ 24 عاما وما تزال حَوامِلُها الموضوعيةُ والاجتماعيةُ تُنْذِرُ بالاستمرار، بحيث إنها تختلف في الدرجة لا في النوع، لتبقى مدينةُ سيدي عيسى وحليمة السفيانية في انتظار غُودُو تُراوِح في مرارةِ وإكراهِ الترجيح المُستمر بين السيء أو الأسوأ لأن الغرب ” غْرِيبْتُو غْرِيبَة “.

الحاصل: إن حليمة السفيانية تنحدر من بيتِ علمٍ ونسبٍ شريفٍ يصل إلى آل البيت، وسفيان قبيلةٌ مَلَكَتْ مفاتيحَ بُيُوتاتٍ في جامع القرويين جيلا عن جيل، فكان لها أشرافٌ وسادةٌ كُثُرٌ في العِلم والتصوُّف والرِّياسة، لذلك فإن ارتباطَ اسمِ هذه الشخصية التاريخية بمُؤسَّسةٍ تعليمية في الغرب مَعْقِلِ سفيان سيَربط حياتَنا اليومية بالهوية والذاكرة الجمعية ويُعَزِّزُ عُمق الانتماء التاريخي المجالي، ويُضْفي بعضَ المعنى على الفضاء العام.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق طلاب الثانوية العامة يعبرون عن فرحتهم من سهولة امتحانات اليوم الأول بالأقصر
التالى حضرت احتفالية.. محامي نوال الدجوي يرد على تحدي الخصوم: "الدجوي في كامل قواها العقلية