
واحدٌ وعشرون عامًا مرّت منذ أن اعترفت المنظمة الدولية للتوحيد القياسي المعروفة اختصارا بـ”إيزو” بحرف تيفيناغ، الذي نهض من عمق الذاكرة الأمازيغية ليتحول إلى رمز معترف به عالميًا، فيما شكل هذا الاعتراف انتصارا حضاريا للغة وثقافة “إيمازيغن” التي دخلت معترك الرقمنة بكل ثقة وعزيمة.
في هذا السياق نظم المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أمس الثلاثاء، ندوة للاحتفاء بهذه الذكرى التي ليست مجرد موعد سنوي للاحتفال، بل محطة للاعتراف بمسار النضال الأمازيغي من أجل تحقيق العدالة اللغوية والثقافية، واستحضار المكتسبات التي حققتها اللغة الأمازيغية التي استعادت صوتها ومكانتها على الخريطة اللغوية الوطنية والعالمية، وأضحت فاعلة في الدينامية العلمية والثقافية والتكنولوجية الراهنة، خاصة في سياق التحول الرقمي وثورة الذكاء الاصطناعي.
وفي هذا الصدد قال أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إنه “بعد أن وافق صاحب الجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله وأيده، على المشروع الذي أعده باحثو وباحثات المعهد بمعية مهندسي هذه المؤسسة، تم اعتماد حرف تيفيناغ كحرف رسمي لكتابة اللغة الأمازيغية”، مضيفًا أن “العمل تواصل بعد ذلك بخصوص تهيئة تيفيناغ، إذ تم الشروع في تنميطه واستعماله في الحاسوب والإنترنت؛ كما تمت صياغة عشرات من أنماط خطوط تيفيناغ، وبعد هذه الإنجازات الجبارة تيسرت عملية الإدماج في مناهج وبرامج تدريس اللغة الأمازيغية”.
وزاد بوكوس: “لقد انتصرنا جميعًا في مواجهة رهانات وتحديات هذه المرحلة”، قبل أن يؤكد أن “الأمازيغية اليوم أمام رهانات وتحديات جديدة، خاصة في سياق رقمنة اللغات، الذي يُعدّ رهانًا أساسيًا في سبيل الحفاظ على التراث اللغوي والثقافي الأمازيغيين، إذ إن الأمازيغية، بحرفها الأصلي تيفيناغ، تجد نفسها أمام تحدٍّ كبير، ألا وهو الإدماج الفعلي في عالم الرقمنة، بل في الفضاء الرقمي بشكل عام”.
وتابع عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بأن “هذا الإدماج لا يحدث تلقائيًا، بل يستلزم توفر مجموعة من الشروط اللغوية والتقنية والمؤسساتية كذلك، التي بدونها ستظل الأمازيغية على هامش الديناميات التكنولوجية العالمية”، وأردف: “نعتقد في المعهد أنه إذا ما أُنجز هذا الورش برؤية مستقبلية وبمقاربة فعالة فإنه سيضمن للغة الأمازيغية الاستمرار والحيوية في العصر الرقمي، ما سيسهم في تعزيز التنوع الثقافي واللغوي العالميين”، مشددًا على أن “الحضور الفعال للأمازيغية في التكنولوجيا الرقمية هو في جوهره استثمار في مستقبلنا جميعًا”.
وقدم لحبيب بلحمر، أستاذ التعليم العالي في مجال المعلوميات والرياضيات بكلية العلوم بن مسيك بالدار البيضاء، خلال هذا اللقاء، عرضًا مستفيضًا حول تقاطعات الذكاء الاصطناعي والمعالجة اللغوية، معتبرا في تفاعله مع أسئلة الحاضرين أنه “يجب أن نستحضر دائمًا أننا لا نتوفر على قواعد، بل على بيانات نحاول استغلالها لاستخلاص المعرفة والقواعد، وهذه البيانات هي تجارب إنسانية وطبيعية وحياتية، وهي تجارب مئات الآلاف من الأشخاص”.
وأضاف الخبير المعلوماتي ذاته أن “الذكاء الاصطناعي أحدث تحولًا كبيرًا في العالم، فعلى سبيل المثال تفوق هذا النوع من الذكاء حتى على أكفأ الأطباء الممارسين، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل هذه المهنة”، مشددا على أن “الذكاء الاصطناعي سيُحدث تحولات مهنية عميقة في العديد من المهن، ذلك أنه قادر على المعالجة والبحث في بيانات عامة وتحديد الأنسب منها من أجل إنجاز مهمة معينة”.