الغاز الروسي إلى أوروبا.. هل تتشبع أسواق القارة العجوز وتنخفض الأسعار؟ (مقال)

الغاز الروسي إلى أوروبا.. هل تتشبع أسواق القارة العجوز وتنخفض الأسعار؟ (مقال)
الغاز الروسي إلى أوروبا.. هل تتشبع أسواق القارة العجوز وتنخفض الأسعار؟ (مقال)

اقرأ في هذا المقال

  • الاتحاد الأوروبي يطمح إلى إنهاء جميع واردات الوقود الأحفوري من روسيا
  • صادرات النفط الروسية تواجه عقوبات الاتحاد الأوروبي بإعادة التوجيه والتحايل وتعديل الأسعار
  • في أوائل عام 2025 انخفضت عائدات النفط والغاز الروسية بنسبة 14.4%
  • روسيا أعادت توجيه صادرات النفط والغاز إلى آسيا وحافظت على الإنتاج المحلي

تشهد صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا، التي كانت تُمثّل ركيزة النفوذ الاقتصادي والجيوسياسي لموسكو، تراجعًا مستمرًا.

في عام 2024، صدّرت شركة غازبروم الروسية (Gazprom) ما يقارب 50 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا وتركيا مجتمعتَيْن؛ وهو رقم سينخفض ​​إلى 40 مليار متر مكعب في عام 2025.

وتُعزى 15 مليار متر مكعب من هذا الانخفاض إلى توقف نقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا، التي لطالما كانت ممرًا رئيسًا للغاز الروسي.

ويُمثّل هذا التوقف نهايةً لنمط الاعتماد على خطوط الأنابيب الذي دام 30 عامًا، وتفاقم بسبب تقلبات الطلب الموسمية وشتاء بارد دفع أسعار الغاز الأوروبية مؤقتًا إلى ما يزيد على 500 دولار أميركي لكل ألف متر مكعب في أوائل عام 2025.

الغاز المنقول عبر أوكرانيا

تمثّل خسارة 10 مليارات متر مكعب من الغاز الروسي عبر أوكرانيا في عام 2025 ما نسبته 2% فقط من إجمالي استهلاك الغاز الأوروبي، وهي فجوة سرعان ما عُوّضت من خلال زيادة تدفقات الغاز المسال وقدرات التخزين تحت الأرض.

وقد أدى التعديل الذي أعقب الربع الأول إلى استقرار أسواق الغاز، ما يشير إلى تحول جوهري؛ إذ لم تعد أوروبا معرضة هيكليًا لانقطاعات قصيرة الأجل في الإمدادات الروسية.

وسط هذه المقاربة، تصعّد المفوضية الأوروبية سياستها الخاصة بالتخلي عن هذا الوقود؛ إذ تتم دراسة حظر قانوني كامل على واردات الغاز الروسي بدءًا من 1 يناير/كانون الثاني 2028، بما في ذلك حظر العقود قصيرة الأجل والفورية حتى قبل ذلك.

وتُعدّ الخطة جزءًا من طموح الاتحاد الأوروبي الأوسع لإنهاء جميع واردات الوقود الأحفوري من روسيا؛ النفط والغاز بحلول نهاية عام 2027، واليورانيوم بحلول عام 2030.

من ناحيتها، فرضت المفوضية الأوروبية خطط استغناء وطنية عن الغاز الروسي، مع مواعيد نهائية وخطوات قابلة للتنفيذ، على الرغم من التداخلات القانونية مع عقود التوريد طويلة الأجل الحالية.

وحدة معالجة الغاز رقم 3 في حقل تشاياندينسكوي للنفط والغاز بجمهورية ساخا الروسية
وحدة معالجة الغاز رقم 3 في حقل تشاياندينسكوي للنفط والغاز بجمهورية ساخا الروسية – الصورة من بلومبرغ

وتُعد سلوفاكيا مثالًا على ذلك، فبموجب اتفاقية "التسلّم أو الدفع" مع شركة غازبروم، حذّرت شركة الطاقة الحكومية "إس بي بي" (SPP) من أن الإيقاف القسري لتوريد الغاز الروسي قد يُؤدي إلى مطالباتٍ غراماتٍ تتجاوز من 15 إلى 16 مليار يورو (17.26- 18.42 مليار دولار) عن الكميات غير المُتسلّمة والمُلزَمة تعاقديًا.

ويتفاقم العبء القانوني والمالي بسبب الترابط طويل الأمد في البنية التحتية؛ إذ ما تزال سلوفاكيا مرتبطة فعليًا بطرق نقل الغاز الروسي، وخيارات محدودة لإعادة التوجيه دون استثماراتٍ ضخمة.

بدورها، أعربت النمسا والمجر وسلوفاكيا وإسبانيا وبلجيكا وفرنسا عن آراء مُخالفةٍ بشأن الحظر المُقترح من قِبَل الاتحاد الأوروبي.

وأصرّت وزيرة الدولة النمساوية، إليزابيث زيتنر، علنًا في بروكسل، على أن "جميع الخيارات" يجب أن تبقى مطروحةً بعد الحرب، بما في ذلك الغاز الروسي.

وفي عام 2024، استورد الاتحاد الأوروبي ما قيمته 15.6 مليار يورو (17.96 مليار دولار) من الغاز الروسي، وهو ما يمثّل ما يقرب من 19% من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز، ما يشير إلى أن البصمة الاقتصادية ما تزال جوهرية حتى في ظل الانخفاضات الحادة منذ عام 2022.

مشروع يامال للغاز المسال

على الرغم من العقوبات وانخفاض الشفافية، أفاد مشروع يامال للغاز المسال -وهو مشروع ضخم في القطب الشمالي تقوده شركة نوفاتك (Novatek) (50.1 %)، وتوتال (20%)، ومؤسسة البترول الوطنية الصينية (20%)، و"صندوق طريق الحرير" (9.9%)- بأن الإنتاج تجاوز 21 مليون طن في عام 2024.

ويتماشى هذا مع مستويات عام 2022، ما يدل على المرونة في ظل العقوبات.

ويجري، حاليًا، إعادة توجيه الغاز المسال في القطب الشمالي بصفة متزايدة نحو آسيا والأسواق الفورية العالمية، مع عدم استبعاد إعادة التصدير الظلية إلى أوروبا.

وبالنظر إلى المستقبل، فإن التحول الإستراتيجي لروسيا يتجه نحو آسيا؛ لكن فقدان السوق الأوروبية ما يزال يمثّل ضربة مالية وجيوسياسية.

وأكد خبير الطاقة، إيغور يوشكوف، أن "الغاز الروسي قد يُسهم في تشبع السوق الأوروبية وخفض الأسعار، لكن السياسة أهم من الاقتصاد".

وأوضح أن السيناريوهات الوحيدة لإعادة الارتباط تتضمن إما وقف إطلاق النار في أوكرانيا وإما تغيير النخب السياسية الأوروبية، وكلاهما لا يبدو وشيكًا.

مشروع يامال الروسي للغاز المسال
مشروع يامال الروسي للغاز المسال - الصورة من LNG Prime

النفط الروسي.. العقوبات والتحايل والتخفيف المالي الهش

تواجه صادرات النفط الروسية التي تُعدّ أكثر قابلية للاستبدال من الغاز المنقول بالأنابيب، عقوبات الاتحاد الأوروبي من خلال مزيج من إعادة التوجيه والتحايل وتعديل الأسعار.

وفي أوائل عام 2025، انخفضت عائدات النفط والغاز بنسبة 14.4%، وفقًا لوزارة المالية الروسية، بسبب انخفاض الأسعار العالمية وإيرادات الضرائب لمرة واحدة لعام 2024.

وقد أظهر ذلك حاجة ملحة إلى تعافي الأسعار، ومن المفارقات أن ارتفاع قيمة الروبل نتيجة ارتفاع أسعار النفط قد يضر بالصادرات غير المرتبطة بالطاقة، ما يُعقّد عملية التوازن الاقتصادي الأوسع نطاقًا في روسيا.

وتُعد مساعي الاتحاد الأوروبي لخفض سقف سعر النفط الروسي من 60 دولارًا إلى 45 دولارًا للبرميل -التي أعلنتها رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بدعم من مسؤولة السياسة الخارجية كايا كالاس- مشحونة سياسيًا، ولكنها فارغة إستراتيجيًا دون دعم الولايات المتحدة.

وأفادت التقارير بأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عارض هذه الخطوة، خوفًا من آثارها التضخمية، مُعطيًا الأولوية لمصدري الطاقة الأميركيين.

ودون التنسيق عبر الأطلسي، يظل تطبيق مثل هذه السقوف السعرية غير فعّال.

من جهة ثانية، يسمح "أسطول الظل" -وهو شبكة لا مركزية من ناقلات النفط تعمل خارج أنظمة التأمين والمراقبة الغربية- لموسكو ببيع النفط بما يتجاوز سقف أسعار مجموعة الـ7، خصوصًا للمشترين في الهند والصين وتركيا.

ويرى محللون، بمن فيهم إيغور يوشكوف، أن سقوف الأسعار أصبحت أداة إعلامية أكثر منها قيدًا وظيفيًا.

ناقلة النفط إيفنتين التي تحمل علم بنما قبالة سواحل ألمانيا
ناقلة النفط إيفنتين التي تحمل علم بنما قبالة سواحل ألمانيا - الصورة من الغارديان

إنتاج النفط الروسي

ما يزال إنتاج النفط الروسي صامدًا، فقد تجاوز إنتاج شركة "آر إن-أوفاتنفطيغاز" (RN-Uvatneftegaz)، التابعة لشركة "روسنفط" (Rosneft)، 100 مليون طن من الإنتاج التراكمي في مركزها الشرقي، الذي يُمثل أكثر من 50% من إنتاج مشروع "أوفات".

وبالنظر إلى وجود أكثر من 1026 بئرًا نشطة، و3.5 مليون متر من الصخور المحفورة، والبنية الأساسية المكتفية ذاتيًا بما في ذلك محطة توربينات الغاز بقدرة 83 ميغاواط، يجسّد حقل "أوفات" قدرة روسيا على تعزيز إنتاج النفط الداخلي معزولًا عن طرق التجارة الغربية.

رغم ذلك، ما تزال هناك قيود هيكلية؛ إذ يشير محللون مثل دميتري فيشنفسكي وتامارا سافونوفا إلى أن زيادات الإنتاج مقيّدة بقيود تقنية، واتفاقيات تحالف أوبك+، ومحدودية الاستثمار الأجنبي بسبب العقوبات.

وفي غياب أسواق جديدة رئيسة أو صدمات أسعار، فإن فرص نمو النفط الروسي محدودة، في حين يستمر الاعتماد المالي على الهيدروكربونات.

وقد أدت التوترات الأخيرة بين إيران وإسرائيل إلى ارتفاع سعر خام برنت لفترة وجيزة إلى 78 دولارًا أميركيًا، وخام الأورال إلى أكثر من 65 دولارًا أميركيًا، ما أدى إلى تخفيف مالي قصير الأجل.

ويمكن أن تنمو الإيرادات الفيدرالية الروسية بمقدار 2-3 تريليون روبل (26-39 مليار دولار) مع كل زيادة قدرها 10 دولارات للبرميل في سعر خام الأورال.

وفي الوقت نفسه، تُعدّ هذه الآثار عابرة؛ ففي غياب اضطرابات كبيرة في الإمدادات -مثل إغلاق مضيق هرمز الذي يحمل 30% من الغاز المسال العالمي وحصة كبيرة من النفط- تشير الأساسيات إلى تطبيع الأسعار في نطاق 65-75 دولارًا أميركيًا للبرميل بحلول أواخر عام 2025.

بالإضافة إلى ذلك، فإن العرض المحلي في الاتحاد الأوروبي واقتصادات النفط الصخري في الولايات المتحدة ستحدّد الأسعار المستقبلية.

أسعار النفط الروسي

وبحلول عام 2027، ستبلغ تكاليف توصيل الغاز المسال الأميركي إلى أوروبا وآسيا في المتوسط ​​300 دولار أميركي لكل 1000 متر مكعب، في حين ستبلغ تكلفة حفر النفط الجديد في الولايات المتحدة 73 دولارًا أميركيًا للبرميل؛ وهو معيار يحدد مدى ارتفاع أسعار النفط العالمية بصورة مستدامة.

التداعيات الإستراتيجية على أوروبا وروسيا والنظام العالمي

يُمثّل توقف اعتماد أوروبا على روسيا في مجال الطاقة قطيعة حضارية، وليس مجرد انفصال اقتصادي.

ولا يمثّل الحظر المقترح على الغاز الروسي بحلول عام 2028، ومحاولة تمديد سقف أسعار النفط، مجرد تحولات في السياسات؛ إنهما يرمزان إلى تبني الاتحاد الأوروبي للاستقلالية الإستراتيجية والمواجهة الجيوسياسية.

في المقابل، فإن التشرذم الداخلي للاتحاد الأوروبي -حسبما يتضح من رفض النمسا والمجر وسلوفاكيا ودول أخرى اتباع النهج المتشدد للمفوضية- يُقوّض النفوذ الجماعي.

بدورها، فإن المخاطر القانونية الناجمة عن عقود "الأخذ أو الدفع"، وخطر انعدام التنافسية الصناعية، وردود الفعل الانتخابية العنيفة بشأن أسعار الطاقة، تُعيد تشكيل سياسات الاتحاد الأوروبي.

وقد هدّد وزير الخارجية المجري سيارتو بقطع الكهرباء عن أوكرانيا إذا أُجبرت على الامتثال لعقوبات الطاقة.

في الوقت نفسه، لم تُهزم روسيا بعد، وإنما أعادت توجيه صادرات النفط والغاز إلى آسيا، وحافظت على الإنتاج المحلي، ورسخت "تسليح الطاقة" بصفته أداة سياسية دائمة.

ويتيح محور "التنين والدب" -التنسيق الفعلي بين الصين وروسيا- لكلتا الدولتين التغلّب على الضغوط الغربية من خلال إنشاء أنظمة بيئية بديلة للطاقة والمالية.

وتدفع التوترات في الشرق الأوسط الصين إلى تسريع المفاوضات بشأن صفقة لبناء خط أنابيب "باور أوف سيبيريا 2" لاستيراد 50 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنويًا، ومن المرجح اتخاذ القرار بشأن مشروع خط الأنابيب هذا العام.

وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، كانت حرب الطاقة بمثابة مكسب غير متوقع.

ونتيجة لارتفاع صادرات الغاز المسال إلى أوروبا بنسبة 35% بحلول نهاية عام 2026، واستعمال ترمب لحق النقض (الفيتو) ضد فرض المزيد من القيود على الأسعار، تُسخّر واشنطن الطاقة فعليًا لتحقيق مكاسب إستراتيجية واقتصادية.

وقد برزت الولايات المتحدة بوصفها مورد الملاذ الأخير الافتراضي لأوروبا، ولكن بثمن باهظ.

صادرات الغاز المسال الأميركية

على الصعيد الجيوسياسي، يكمن الخطر الحقيقي في الانقسام الممنهج، وفي حال تصاعد الصراعات في الشرق الأوسط -بإغلاق مضيق هرمز أو التسبب في خنق سلاسل التوريد- سيدخل نظام الطاقة مرحلة من الحرب اللوجستية، والتجارة الموازية، والابتزاز بالإمدادات.

وقد تؤدي الانقطاعات المؤقتة إلى ارتفاع حاد في الأسعار -فوق 100 دولار للبرميل من النفط-؛ ما قد يشل الاقتصادات النامية ويثير ذعرًا إستراتيجيًا في أوروبا.

خلاصة القول، إن ابتعاد أوروبا عن الطاقة الروسية ليس نهائيًا بعد، ولكنه سياسي بعمق.

وما لم تنتهِ الحرب في أوكرانيا أو تظهر نخب جديدة في بروكسل والعواصم الرئيسة، ستظل دبلوماسية الغاز معلقة، وتجارة النفط محل نزاع، وأسواق الطاقة مجزأة.

ولا يُعد التخلي عن الهيدروكربونات الروسية مجرد تحدٍّ لسلسلة التوريد، وإنما جبهة نظام جيوسياسي جديد أصبحت فيه الطاقة والسيادة والسلطة غير قابلة للتجزئة.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق قرار من ريبييرو في معسكر الأهلي قبل مواجهة بورتو
التالى أسعار الدولار في مصر اليوم الإثنين