يواصل حزب فوكس اليميني المتطرف في إسبانيا الإقحام المتكرر للمملكة المغربية في النقاشات والخلافات السياسية الداخلية؛ إذ عمد إلى استغلال احتفال المسلمين في هذا البلد الأوروبي بعيد الأضحى من أجل توجيه إشارات سياسية ضد المغرب والجالية المسلمة في إسبانيا، في خطوة تعكس النمط الممنهج لهذا التنظيم السياسي المعادي للرباط في توظيف ورقة المغرب لتبرير ضعف تأثيره داخل الساحة السياسية الإسبانية.
وطالب الحزب، من خلال مبادرة له، الحكومات والبرلمانات المحلية بحظر الاحتفال بعيد الأضحى الإسلامي في الأماكن العامة، معتبرا أن هذا العيد لا يمثل الثقافة الإسبانية ويتعارض مع تقاليدها؛ إذ قالت ليانوس ماسّو، عضو الحزب رئيسة برلمان فالنسيا، إن “السماح بهذه الاحتفالات يشكل تهديدًا للهوية الثقافية لإسبانيا ويجعلها أقرب إلى أن تصبح امتدادًا للمغرب”، متهمة الحزب الحاكم في مدريد بالتواطؤ في هذا التغيير.
وأضافت أن “إسبانيا ليست المغرب، ولا نريد أن يتحول بلدُنا تدريجيًا إلى امتداد للرباط بسبب إهمال الحزب الشعبي والحزب الاشتراكي. نحن هنا للدفاع عما يخصنا: أعيادنا، وعاداتنا، وسيادتنا الثقافية، ولن نسمح بأن تُفرض احتفالات لا تنتمي إلى تاريخنا باسم تعايش زائف”، حسب تعبيرها، فيما أعلن الحزب إطلاق حملة توقيعات لحماية التقاليد الإسبانية.
في هذا الصدد، قال جواد القسمي، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، إن “إقحام حزب فوكس المغرب في هذا المقترح يمكن تفسيره بكون هذا الحزب يسعى إلى تجييش الرأي العام، من خلال استغلال ورقة المغرب، الجار الجنوبي لإسبانيا وصاحب الثقافة والهوية الإسلامية البارزة، الذي يسهل استخدامه وتوظيفه في خطاب حزب فوكس القومي المتشدد. فالحزب دائمًا يحاول أن يُظهر نفسه على أنه المدافع عن الهوية الإسبانية أمام أي مدٍّ مغربي مزعوم”.
وأضاف المصرّح لهسبريس أن “هذا الحزب السياسي يحاول النيل من العلاقات الودية بين البلدين، وإحراج الحكومة الإسبانية وتصويرها بمظهر المتهاون أمام المغرب في الحفاظ على الهوية الإسبانية”، مشيرا إلى أن “هذا التنظيم السياسي الإسباني اختار عيد الأضحى لتوجيه رسائله السياسية تجاه المغرب، بالنظر إلى رمزية وقدسية هذه المناسبة لدى المسلمين جميعا، ونظرًا لسهولة استغلالها وتوظيفها على أنها غريبة عن المجتمع الإسباني وتتعارض مع تقاليده، بل وتهدد هويته الثقافية والدينية”.
وتابع الباحث بأن “الحزب، من خلال استهدافه لهذه الشعيرة، يوجه رسائل مباشرة إلى المجتمعات المسلمة في إسبانيا بأن ممارساتهم غير مرحب بها”، مبرزا أن “هذه الخطوة تشكل أزمة حقيقية وعميقة في فهم وقبول التعددية الثقافية والدينية داخل أوساط سياسية يمينية متطرفة، ليس في إسبانيا وحدها، بل في أوروبا بشكل عام، وهي نظرة إقصائية ضيقة ترى الاختلاف تهديدًا بدل رؤيته إثراءً وإغناءً للمجتمعات، وهي كذلك تتجاهل الواقع المتمثل في وجود المجتمعات المسلمة كجزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي الإسباني”.
وأكد أن “حزب فوكس يحاول بهذه السياسة وبهذا الاستهداف خطب ود شريحة من الناخبين القوميين اليمينيين الذين يخافون من كل ما له علاقة بالمهاجرين والهجرة، ويعتبرون ذلك تأثيرًا على الهوية الإسبانية، ويصوّر نفسه بمثابة المدافع عن هذه الهوية، وخلق عدو خارجي كتكتيك سياسي معروف، بالإضافة إلى أن قضايا الهوية والدين والوطنية يمكن أن تحشد الدعم الشعبي أكثر من القضايا الاقتصادية والسياسية”.
من جانبها، اعتبرت شريفة لموير، باحثة في الشؤون السياسية والدولية، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “خرجة حزب فوكس المتطرفة ليست بالجديدة، لأن مواقفه المعادية للمغرب معهودة فيه؛ إذ سبق له مرارًا أن قام بخرجات ضد المغرب وحاول توظيفه في خطابه المعارض لحكومة بيدرو سانشيز”.
وأضافت المتحدثة أن “إثارة حزب فوكس لهذا الموضوع يعكس أزمة فهم وشذوذ هذا الحزب اليميني المتطرف عن التوجه الإسباني العام في استيعاب التعددية الثقافية، خاصة وأنه كانت هناك مبادرات ومقترحات حكومية من أجل منح عطلة يومي عيد الفطر وعيد الأضحى، وهذا أكيد يعكس روح التعايش واحترام التعددية التي تعرفها المملكة الإسبانية”.
وشددت لموير على أن “مواقف حزب فوكس، التي يحاول دائمًا من خلالها الزج بالمغرب، تبقى خارج السياق، خاصة بالنسبة للحكومة الإسبانية التي ترد دائمًا على تصريحات قادة هذا الحزب وتشيد بالعلاقات المغربية الإسبانية التي يحاول التشويش على الدينامية التي تشهدها”، مبرزة أن “هذه المحاولات لا تتعدى كونها استراتيجية سياسية تدخل في إطار محاولات هذا الحزب اليميني المتطرف لتعزيز قاعدة ناخبيه بمواقف معادية للإسلام والمسلمين داخل إسبانيا”.