انتهت دراسة علمية حديثة إلى أن “الاختبارات العملية”، سواء تعلّق الأمر بتدبير الأزمات أو حماية البيئة أو التخطيط للتنمية المحلية المندمجة مع التشاط المينائي، تكشف أن تبعية الفاعل الترابي المطلقة للسلطات المينائية في ممارسة اختصاصات الشرطة الإدارية بالموانئ، “لم تعد واقعية”، كما أن “الاستقلالية التامة للفاعل الترابي في هذا المجال قد تصطدم بالطبيعة السيادية والتقنية للمرفق المينائي”.
وأفادت الدراسة الصادرة بالعدد الجديد من مجلة الباحث للدراسات والأبحاث العلمية، تحت عنوان “قانون الموانئ المغربي والفاعل الترابي: جدلية التبعية والاستقلال في ميزان الشرطة الإدارية”، بأن ممارسة اختصصات هذه الأخيرة لا تتم بمعزل عن فاعلين آخرين، “وفي مقدمتهم الفاعل الترابي”.
وفي هذا الصدد، أوضح معد الدراسة سعيد البار، وهو باحث بسلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية بجامعة الحسن الثاني عين الشق بالدار البيضاء، أن الفاعل الترابي “يجد نفسه في تفاعل مستمر، وأحياناً معقد مع السلطات المكلفة بتدبير الموانئ”.
وانكبت الدراسة بالأساس على تحليل الإطار القانوني للموانئ المغربية، مع “التركيز على العلاقة الجدلية التي تربط ممارسة اختصاصات الشرطة الإدارية المينائية بالفاعل الترابي (الوالي العامل، رؤساء الجماعات الترابية)، لا سيما القانون رقم 15.02 المتعلق بالموانئ، وكذا ظهير 1951، الذي أوكل بالأساس مهام الشرطة المينانية لوزير الاشغال العمومية، وزير التجهيز في التشكيل الحكومي الأخير”.
المصدر نفسه استحضر أن الوالي أو العامل، باعتباره ممثلا للسلطة المركزية، يمارس “مهام الشرطة الإدارية للحفاظ على النظام العام في مجموع تراب العمالة أو الإقليم”، و”تشمل هذه الصلاحيات كل ما يتعلق بالأمن العام، والصحة العامة والسكينة العامة”.
وفي هذا الصدد، أوضحت الدراسة التي أشرف عليها الأستاذ الباحث جمال الدين بنعيسى أن “أي تهديد للنظام العام ينشأ من الميناء أو يؤثر عليه، يمكن أن يستدعي تدخل الوالي أو العامل”، معتبرا أن “هذا التدخل قد يبدو أحياناً كتعبير عن ‘تبعية’ السلطات المحلية، بما فيها المينائية بشكل غير مباشر لقرارات ممثل الدولة”.
ونبّه الباحث إلى أن “”الاختبار” الحقيقي لهذه العلاقة يظهر في حالات الأزمات الكبرى مثل التهديدات الإرهابية، الكوارث الطبيعية التي تؤثر على الميناء ومحيطه، أو الاضطرابات الاجتماعية الواسعة”، موضحا أنه “في هذه الحالات، يبرز دور الوالي كمنسق أعلى لمختلف المصالح، بما فيها تلك العاملة في الميناء، مما قد يحد من استقلالية القرار لدى السلطة المينائية”.
على صعيد آخر، لفتت الدراسة إلى أن “القانون التنظيمي للجماعات الترابية يمنح لرئيس المجلس الجماعي صلاحيات هامة في مجال الشرطة الإدارية المحلية”؛ إذ تشمل “مجالات كالنظافة والصحة العموميتين، وتنظيم السير والجولان في الطرق العمومية الجماعية، والمحافظة على سلامة المرور، واتخاذ التدابير اللازمة لتفادي أو مكافحة انتشار الأمراض”.
وهنا، وفق المصدر ذاته، “ظهرت اختبارات أخرى للعلاقة”، ضمنها، “التدبير البيئي”، حيث تطفو التساؤلات حول “ماذا لو تسبب نشاط مينائي في تلوث يمتد إلى الشواطئ أو المناطق السكنية التابعة للجماعة؟ هل يملك رئيس الجماعة صلاحية اتخاذ إجراءات ضد مصدر التلوث داخل الميناء أم إن الأمر سيظل حصراً على السلطات المينائية أو المركزية؟”.
كما نبّه، ضمن الاختبارات، إلى “إشكالية التأثيرات على السكينة العامة من الضوضاء الصادرة عن الأنشطة المينائية، أو حركة الشاحنات الكثيفة عبر الطرق الجماعية المؤدية للميناء”، مفيدا بأن هذه “كلها قضايا تمس مباشرة اختصاصات رئيس الجماعة في الحفاظ على السكينة العامة”.
ولأجل التخفيف من حدة التبعية والاستقلال في العلاقة بين الفاعل الترابي والسلطات المينانية في مجال الشرطة الإدارية، اقترح الباحث الاعتماد على “إنشاء لجان تنسيق دائمة أو مؤقتة تضم ممثلين عن السلطة المينائية والفاعلين الترابيين والمصالح الأمنية لمعالجة القضايا المشتركة”.
كما أوصى في هذا الجانب بأن يتم “إبرام اتفاقيات بين السلطات المينائية والجماعات الترابية لتحديد مجالات التعاون وتقاسم المسؤوليات”، مع “إشراك الفاعلين الترابيين في مراحل إعداد المخططات التنموية للموانئ”.