في مثل هذا اليوم من عام 461 ميلادي، تنيح القديس انبا سمعان العمودى الكبير. يُشار إلى أن هناك ثلاث شخصيات تاريخية تحمل اسم “سمعان العمودي”. الأولى هي سمعان العمودي الكبير، وهو المعني بالحديث هنا. الثانية سمعان العمودي الصغير، الذي عاش في أواخر القرن الخامس، وقد أشار إليه الأب يوحنا الدمشقي في عظته الثالثة حول الأيقونات. أما الشخصية الثالثة، فقد عاشت في منطقة كيليكيا وتوفيت نتيجة صاعقة، وقد ذُكر في الفصل السابع والخمسين من كتاب “المروج الروحية” للمؤلف صفرونيوس.

نبذه عن القديس انبا سمعان العمودى
كانت حياة هذا القديس انبا سمعان العمودى وشخصيته الفريدة محط إعجاب كبير، تجسدت فيها العجائب والروحانية، وأكدت صحة مكانته وأثره الإيماني بوضوح. كما أشار الشماس يوسف حبيب وأخوه مليكة في مقدمة كتابهما إلى أن هذا القديس كان قدوة ملهمة ليس فقط لسكان الإمبراطورية الرومانية، بل كذلك للبرابرة وغير المؤمنين. وحظي باحترام واسع النطاق من الفرس، الميديين، والأثيوبيين، كما أنه كان محط اهتمام خاص من الأباطرة الرومان الذين طلبوا صلواته واستشاروه في القضايا المهمة.

حياة القديس انبا سمعان العمودى
وُلد هذا القديس انبا سمعان العمودى عام 390 ميلادي في قرية الصيص الواقعة بالقرب من مدينة نيفربوليس على حدود شمال سوريا، لأب يُدعى يوحنا وأم تُدعى مرثا. ارتبطت ولادته بأحداث عجيبة، منها أن القديس مار يوحنا السابق الصابغ قد ظهر لوالدته في حلم قبل أن تحبل به، وبشّرها بولادته وكشف لها عن مسار حياته وما سيقوم به. كان والده يعمل كراعٍ للغنم، وكان له العديد من الإخوة الذين توفوا جميعهم باستثناء أخ أكبر منه يُدعى سمسن.
يتميز بالزهد والإيثار منذ صغره؛ إذ كثيرًا ما كان يحرم نفسه من الطعام ليمنحه لإخوته المحتاجين. كما كان له شغف عظيم بالصلاة والتعبّد، حيث اعتاد الذهاب إلى الكنيسة مبكرًا والبقاء فيها لفترات طويلة. بل إنه في بعض الأحيان كان يقضي الليالي كاملة راكعًا أو ساجدًا للصلاة بكل خشوع وتفانٍ.

الدعوة للانطلاق نحو البرية
عندما سمع القديس انبا سمعان العمودى عن الدعوة للانطلاق نحو البرية من أجل الله، ترك كل شيء دون تردد وتوجه إلى البرية حيث أمضى أسبوعًا كاملًا صائمًا ومصلّيًا بدموع. بعد ذلك، ذهب إلى الأب هليودوروس، رئيس دير يقع في تلك المنطقة ويُعرف باسم يوزيبونا، حيث قضى تحت إرشاده عشر سنوات.
كان أحد أبناء عمه راهبًا في ذات الدير ولم يغادره منذ دخوله على مدار خمس وثلاثين سنة، مما دفعه إلى الرغبة في الاقتداء به. كان يتنازل عن نصيبه من الطعام للفقراء ويصوم قرابة ستة أيام من كل أسبوع.
وقد ظهرت عليه نعمة الله بوضوح، لدرجة أن رئيس الدير رشحه للأسقف بعد ثلاثة أيام. عندما ناقشه الأسقف وتأمل فيه، أعجب به وقرر ترسيمه راهبًا. وخلال ذلك، يُقال إن ملاكًا ظهر أثناء الصلاة يقف بجوار القديس سمعان ليخبر الأسقف بأن هذا الرجل سيكون إناءً مختارًا يحمل عطايا الله الغنية.

نياحة القديس انبا سمعان العمودى
عاش القديس سمعان حوالي سبعين عامًا، وخلال حياته سمح الله له أن يعاني كثيرًا، حيث ازدادت معاناته الصحية وشعر بدنو أجله. انتقل القديس سمعان العمودي إلى الراحة الأبدية في عام 461 م. وعندما أحس بقرب رحيله، تكثفت صلواته وركع مستغرقًا فيها. بقي تلميذه يراقبه ولم يدرك أنه قد انتقل بينما ظل راكعًا لمدة ثلاثة أيام.
عند سماع بطريرك أنطاكية بخبر انتقاله، جاء بنفسه برفقة ستة أساقفة، ومجموعة من قادة الجيش، وستة آلاف جندي لإقامة احتفال مهيب. وخلال موكب النقل، حدثت العديد من المعجزات التي أضفت مزيدًا من الهيبة والقدسية على هذه المناسبة.