عبرت جبهة البوليساريو الانفصالية عن رفضها ما ورد في البيان المشترك الصادر عن المملكة المتحدة والمغرب، الذي تضمن إشادة بمبادرة الحكم الذاتي كحل جاد وذي مصداقية لقضية الصحراء المغربية، معتبرة أن “هذا الموقف يتناقض مع مبدأ تقرير المصير، الذي لطالما شكل أحد المرتكزات الأساسية ضمن قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالنزاع”، حسب تعبيرها.
واعتبر الانفصاليون من تندوف الجزائرية، في بيان، أن “تركيز بعض الدول على مقترح دون غيره من المبادرات المطروحة لا يخدم المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة”، وأضافوا أن “الحل المنشود ينبغي أن يكون توافقيا ويقوم على أساس احترام قرارات الشرعية الدولية”.
وفي ختام بيانها؛ جددت جبهة البوليساريو الانفصالية تمسكها بمواصلة الانخراط في العملية السياسية التي تشرف عليها الأمم المتحدة، مع تأكيدها أن أي تسوية دائمة لا يمكن أن تتحقق، حسب أطروحتها الرائجة منذ سبعينيات القرن الماضي، “دون استشارة السكان المعنيين وتمكينهم من التعبير عن إرادتهم بحرية”.
وفي هذا الصدد قال عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكاووتش”، إن زيارة وزير الخارجية والكومنولث والتنمية البريطاني، ديفيد لامي، إلى المملكة المغربية شكّلت تحوّلا نوعيا في تعاطي لندن مع النزاع الإقليمي حول الصحراء، من خلال إعلان دعمها الواضح والصريح لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي وصفتها بالحل الواقعي، الجدي، وذي المصداقية؛ وهو ما يعكس بحسبه “براغماتية السياسة الخارجية البريطانية وتماهيها مع التوجه الدولي الجديد لحل النزاع المفتعل”.
وأضاف الكاين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذا التحول في موقف المملكة المتحدة يتقاطع مع مواقف قوى دولية وازنة كواشنطن وباريس وبرلين ومدريد، ويؤكد عودة التوازن إلى المقاربة الدولية للنزاع من خلال احترام مبدأ الوحدة الترابية للدول، كما نص عليه القانون الدولي، وتحديدا القرار الأممي 1514، بدل الاقتصار على مبدأ تقرير المصير الذي طالما استُخدم خارج سياقه من قبل الجزائر والبوليساريو.
وأوضح المتحدث ذاته أن هذا الموقف البريطاني الجديد يتجاوز مجرد المساندة السياسية، ليترجم إلى التزام عملي واستثماري، من خلال استعداد هيئة تمويل الصادرات البريطانية لتمويل مشاريع تنموية كبرى بالأقاليم الجنوبية، بما يعكس قناعة لندن باستقرار هذه المناطق وانخراطها الفعلي في دينامية التنمية المستدامة التي تقودها المملكة المغربية.
وأكد نائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية أن هذا التوجه السياسي الجديد أربك تنظيم البوليساريو والجهات الداعمة له، وعلى رأسها الجزائر، التي تجد نفسها اليوم في عزلة دبلوماسية غير مسبوقة، في وقت باتت الأمم المتحدة ومعظم العواصم المؤثرة تركز على ضرورة التوصل إلى حل سياسي واقعي وقابل للتطبيق، مع الإشادة بالمنجزات التنموية والحقوقية التي تحققت في الصحراء المغربية.
وبخصوص لجوء البوليساريو إلى الترويج لخطاب الانخراط في المسار الأممي للسلام أشار الكاين إلى أنه مجرد محاولة مكشوفة لتجنب التداعيات القانونية والسياسية المرتبطة بعلاقاتها مع تنظيمات متطرفة، من ضمنها حزب الله اللبناني، وتفادي التصنيفات الإرهابية التي باتت تلوح في الأفق مع اتساع دائرة المطالب الدولية بتجفيف منابع الإرهاب والانفصال بالمنطقة.
وفي هذا السياق وجد المتحدث أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي قُدمت سنة 2007، تمثل اليوم الأرضية الأنسب لتسوية النزاع بشكل نهائي، وتضمن لسكان الصحراء المغربية تدبير شؤونهم في إطار السيادة الوطنية، مع احترام تطلعاتهم التنموية والثقافية، مشددا على أن “تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية يعتبر هذه التطورات فرصة تاريخية لإغلاق هذا الملف المفتعل، وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الساحل وشمال إفريقيا”.
من جانبها أشادت مينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، بالموقف البريطاني المعلن مؤخرا تجاه قضية الصحراء المغربية، الذي اعتبر مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 إطارا جديا وواقعيا وذا مصداقية لتسوية النزاع المفتعل، مؤكدة أن هذا الموقف يمثل منعطفا تاريخيا في التعاطي الدولي مع هذا الملف، ويعكس وعيا متزايدا بضرورة إنهاء معاناة الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف ولمّ شملهم بأهاليهم في الأقاليم الجنوبية.
واعتبرت لغزال، ضمن تصريحات لهسبريس، أن دعم المملكة المتحدة المغرب داخل مختلف الفضاءات السياسية والقانونية الدولية ليس منة، بل هو تتويج لجهود المملكة في إرساء دعائم الأمن والاستقرار، وتعبير عن إيمان متزايد بمقاربة المغرب القائمة على حسن النية والانخراط المسؤول في المسار الأممي، مقابل تعنت أطراف إقليمية تسعى إلى تكريس الجمود وتحويل النزاع إلى صراع طويل الأمد، بما يعيق الدينامية التنموية بالمملكة ويضع إستراتيجياتها الوطنية رهينة لمواقف متجاوزة.
وأشارت المتحدثة إلى أن الجزائر اعتادت التعبير عن انزعاجها من أي مواقف دولية داعمة للمغرب، بل وتلجأ إلى خطوات تصعيدية كاستدعاء السفراء، وتقليص التمثيل الدبلوماسي، وإلغاء اتفاقيات تعاون، كما حدث مع إسبانيا وفرنسا، مشيرة إلى أن “هذا السلوك يعكس ارتباكا سياسيا واضحا أمام قرارات سيادية لدول وازنة ترى أن مستقبل الصحراء لا يمكن تصوره خارج السيادة المغربية”.
كما نبهت لغزال إلى لجوء جبهة البوليساريو إلى تأويل مضلل لمضمون البيان المشترك المغربي البريطاني، من خلال الإيحاء بعدم اعتراف لندن بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، مؤكدة أن “دعم الحكم الذاتي، والرغبة في ضخ استثمارات بقيمة 5 مليارات جنيه إسترليني في المنطقة، لا يمكن تفسيره إلا كإقرار عملي بشرعية المقترح المغربي، واطمئنان تام للبيئة القانونية والحقوقية بالأقاليم الجنوبية، بخلاف ما يجري في مخيمات تندوف من انتهاكات موثقة ضد حقوق الإنسان”.
واستنكرت المسؤولة الحقوقية محاولات البوليساريو تكرار خطابها التقليدي القائم على اختزال القانون الدولي في مبدأ تقرير المصير المؤدي للانفصال، متجاهلة المبدأ الأسمى المتعلق بسيادة الدول وسلامة أراضيها، كما هو منصوص عليه في قرارات الأمم المتحدة، مبرزة أن “استمرار الجبهة في استحضار سياقات الحرب الباردة وأدبيات تصفية الاستعمار بات متجاوزًا ولا يلقى آذانًا صاغية داخل المؤسسات الدولية”.
وختمت الدكتورة مينة لغزال تصريحها بالتأكيد على أن الموقف البريطاني الأخير يعكس فشل الجبهة والدبلوماسية الجزائرية في كسب تأييد دولي لأطروحتها، ويكرس قناعة المجتمع الدولي بمصداقية المقترح المغربي، وبكون المملكة شريكا موثوقا في إحلال السلام، ليس فقط في محيطها الإقليمي، بل على الصعيد الدولي، بالنظر إلى التزامها الدائم بتسوية النزاعات عبر الوسائل السلمية وفي احترام تام للشرعية الدولية.