أخبار عاجلة

المسطرة الجنائية الجديدة تتأرجح بين تطلعات العدالة و"هواجس السياسة"

المسطرة الجنائية الجديدة تتأرجح بين تطلعات العدالة و"هواجس السياسة"
المسطرة الجنائية الجديدة تتأرجح بين تطلعات العدالة و"هواجس السياسة"

بعد اجتيازه “عنق الزجاجة” في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، خلال الأسبوع الجاري، يُنتظَر أن يعرَض مشروع القانون رقم 03.23 بتغيير القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية على الجلسة العامة التشريعية للتصويت، يوم الثلاثاء القادم، قبل إحالة النص “المثير لسجالاتٍ لم تنتهِ” على الغرفة الثانية (مجلس المستشارين)، ليبدأ مسار نقاشات مستمرة حول واحدٍ من أبرز النصوص التشريعية في النصف الثاني من الولاية التشريعية الحالية.

ويراهِن عدد من الفاعلين العارفين بالمجال القانوني على محطة “المستشارين” وتنوّع التمثيلية فيه، بين ممثلي المنتخبين الجماعيين والهيئات النقابية، وغيرها من الأطياف السياسية، لتحقيق غاية “تدارك هفوات” النسخة التي صادق عليها النواب، وإحقاق غاية تجويد النصوص التشريعية لتلائم متطلبات الواقع ومصالح المواطنين.

وكان مشروع القانون المذكور شهد نقاشات مطوَّلة وتقدّم فرق الأغلبية والمعارضة بما يزيد عن ألف تعديل؛ وهي التعديلات التي عرفت نسبة كبيرة من الرفض من قبل الحكومة، ممثلة في وزير العدل، ولاسيما تلك التي دفع بها نواب ونائبات المعارضة النيابية.

ومن أبرز مستجدات مشروع قانون المسطرة الجنائية “الجديد”، بعد الدراسة والمصادقة عليه في لجنة العدل بالغرفة البرلمانية الأولى، “وضعُ ضوابط قانونية ناظمة للسياسة الجنائية انسجامًا مع المستجدات التي شهدتها منظومة العدالة ببلادنا، خاصة حدث استقلالية النيابة العامة، إذ تم وضع تعريف للسياسة الجنائية يتماشى مع التعريفات المعتمدة دوليا كجزء من السياسات العمومية، تشمل قواعد وتدابير تتخذها الدولة في مجال مكافحة الجريمة والوقاية منها”.

تطلعات منتظرة

قال شعيب لمسهل، محامٍ رئيس “المركز المغربي للوعي القانوني”، إنه “يُتوقع من مشروع قانون المسطرة الجنائية المغربي الجديد بعد إحالته على الجلسة العامة في مجلس النواب تحقيق عدة تطلعات تهدف إلى تحديث المنظومة القضائية وتعزيز حماية الحقوق والحريات، وذلك في إطار مواكبة التطورات القانونية والدستورية”.

من أبرز هذه التطلعات، حسب تصريح لمسهل لجريدة هسبريس الإلكترونية، “تعزيزُ ضمانات المحاكمة العادلة، المحدَّدة أساسا في الالتزام بمعايير حقوق الإنسان”، خاصا بالذكر “الضمانات المتعلقة بالدفاع والحق في محاكمة نزيهة وتقوية دور المحامي وتمكينه من المشاركة الفعالة منذ مرحلة البحث التمهيدي بما في ذلك حضور الاستنطاق والتحقيق التمهيدي والتفصيلي، والحق في الاطلاع على الملف وسحب النسخ منه دون قيود”.

رئيس المركز المغربي للوعي القانوني شدد على “تقوية وحماية المشتبه فيهم والضحايا والحد من الاعتقال التعسفي والتنصيص بشكل أكثر دقة على الإجراءات الخاصة بالتوقيف”، مع إشارته إلى “تقليل مدة الاعتقال الاحتياطي، وكذا تعزيز آليات حماية الضحايا والشهود من الترهيب أو الانتقام، خاصة في قضايا العنف أو الفساد”.

كما لفت المتحدث الانتباه إلى أهمية التنصيص على “رقمنة الإجراءات والتوصيل على المحاكمة عن بعد، وتنظيم طريقة العمل بها، مع إدخال التقنيات الحديثة مثل تقديم الشكاوى إلكترونيًا أو تبسيط الإجراءات لزيادة الشفافية”، فضلا عن “سرعة البت في القضايا بتقليل التأخير في الإجراءات عبر تبسيط المساطر وتحديد آجال صارمة للتحقيقات والمحاكمات”.

ومن بين الرهانات المنتظرة حسب المصرح “التنصيص على مواكبة الجرائم الحديثة مثل مكافحة الجرائم الإلكترونية والفساد، مع تضمين المسطرةِ نصوصا أكثر فعالية للتعامل مع الجرائم المستجدة، مثل الجرائم السيبرانية والجرائم المالية المعقدة”.

كما دعا لمسهل إلى “تقليص صلاحيات النيابة العامة في بعض الجوانب، لضمان توازن أكبر بين سلطات التحقيق والدفاع”، وفق تقديره.

وإجمالاً علّق المتحدث بالقول: “يُنتظر أن يساهم المشروع في تقريب المنظومة الجنائية المغربية من المعايير الدولية، مع التركيز على حقوق الأفراد وكفاءة العدالة”، خاتما باستدراك دال: “إلّا أن البعد السياسي والجو الذي ساد فيه النقاش في لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب تمحور بالأساس حول التنصيص على الامتياز القضائي للبرلمانيين بخصوص المتابعات التي قد تطالهم، وهو الأمر الذي يحملُ أبعادًا قد تُعتبر حصانة للفساد السياسي بغطاء قانوني”.

“تحديث الركائز”

يرى المختار أعمرة، خبير قانوني أستاذ القانون الجنائي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، أن “تحقيق العدالة وضمانها كأساسٍ لتكريس دولة الحق والقانون يرتكز على التحديث الذي تعرفه أهم ركائز التشريع الجنائي، وتنزيل الجزاء والعقاب بوصفه يمثل قاطرة العدالة، بدءا من مرحلة التحقيق التي كانت إلى وقت قريب محل تشكيك من أغلب هيئات الدفاع، حتى كادت تكون لازمة تبدأ بها أيّ مرافعة جنائية أو حتى جنحية”.

وتابع أعمرة، ضمن تصريح لهسبريس، أن “ذلك ما يجعل من إقرار التسجيل الشامل لمراحل الاعتقال والاستماع إلى المتهم، وكذا كافة الإجراءات الموازية، أمرا غاية في الأهمية، خصوصا عندما تكون شخصية المتهم تحترف التلاعب والتماهي مع الاحتيال على المحققين، بشكلٍ قد يجعل من آلية الاعتقال الاحتياطي، كما يعتقد البعض أنها لا يجب أن تكون مفتوحة على كل الحالات، مع ضرورة تقييدها ظاهريا تحت غطاء تحقيق نوع من الاحترام الواجب لقرينة [الأصل في الإنسان البراءة]”.

أما واقعياً، ولمواجهة الاكتظاظ الرهيب داخل المؤسسات السجنية التي ضاقت بنزلائها، يضيف أستاذ القانون الجنائي: “دون اعتبار لمشاعر الضحية وحقه في الإحساس بالأمان، على الأقل خلال الفترة اللاحقة للاعتداء عليه – إذ صِرنا نشاهد تبجّح الجناة بأنهم طلقاء أمام ضحاياهم– أرى أن آلية الاعتقال لا يمكن تقييدها بشكل يقترب من التنازل عنها، لأن الحل لا يمكن أن يكون بعيدا عن حقيقة تدني مستوى احترام القانون والمجتمع بسبب الفقر والأمية”، خالصا إلى أن “الجاني هو السبب حتى ولو حذفنا آلية الاعتقال نهائيًا”.

واستدرك المتحدث للجريدة مشددا على “ضرورة تحسيس الضحية بحماية المشرّع الجنائي”، عبر “تدابير الحراسة النظرية والمتابعة في حالة اعتقال احتياطي كضرورة لامتصاص غضب وألم الضحية أو ذويه خلال الأيام الأولى من الاعتداء”، مردفاً: “هذا لا يمنع أبدا بعد هدوء النفس إقرار الصلح أو اللجوء إلى عقوبات بديلة تتماشى مع درجة خطورة الفعل”.

وممّا يُحسب لهذا التعديل المسطري، وفقاً للمختص في الشؤون الجنائية، “إقرارُه ضرورةَ الاستعانة بالذكاء الاصطناعي والوسائل الإلكترونية لضبط بعض الجرائم المتكررة، وعلى رأسها تبييض الأموال والاتجار بالبشر”.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق بسبب التصعيد التجاري.. أرباح الشركات الأمريكية في خطر
التالى مستثمر أمريكي يكشف عن 7 قواعد أساسية لإتقان فن المبيعات