في خطوة أثارت جدلًا واسعًا وغضبًا بين الأوساط الثقافية، خرج عدد من كبار الكُتّاب والمثقفين بتصريحات حادة تنتقد اتجاه وزارة الثقافة إلى إغلاق عدد من بيوت الثقافة والمكتبات العامة، في إطار ما وصفه وزير الثقافة أحمد هنو بـ "مراجعة شاملة لأوضاعها".
وهو ما اعتبره مثقفون سياسة تقليص لا تطوير، وضربًا لدور التنوير في عمق المجتمع المصري، لا سيما في القرى والمناطق المهمشة.
الكاتب أحمد الخميسي وجّه انتقادات لاذعة للوزارة، واعتبر أن نية إغلاق بعض بيوت الثقافة كانت مقررة حتى قبل مراجعة أوضاعها، وقال: "كنا نود أن نسمع من الوزير عن افتتاح مراكز ثقافية جديدة لا عن إخماد نور القائم منها"، مذكّرًا بحالات الإغلاق السابقة مثل قصر ثقافة المنصورة، وبقاء مبانٍ مثل مركز الغردقة مغلقًا منذ ربع قرن رغم تكلفته الباهظة.
وأكد الخميسي أن "الأناقة والدماثة لا تكفيان في منصب الوزير"، مشددًا على أن المطلوب في هذه اللحظة الحرجة هو بناء دور العرض لا هدمها، والتوسع في التنوير لا الانسحاب منه.
وختم بالقول: "ما لم ننتصر في معركة الوعي، سنظل نجرّ أنفسنا بصعوبة نحو الأمل. طور ولا تغلق، افتح ولا تطفئ، ابني ولا تهدم".
الكاتب والروائي يوسف القعيد شدد على حاجة مصر لانتشار أكبر لقصور الثقافة، خاصة خارج المدن الكبرى، وقال: "لا أوافق على غلق أي قصر ثقافة إلا إذا كانت هناك أسباب لم تُعلن"، مشيرًا إلى أن العقوبة يجب أن تطال المقصرين في الإدارة لا المؤسسات نفسها.
القعيد طالب بتوسيع الانتشار الثقافي لتصل قصور الثقافة إلى القرى والنجوع والأحياء الشعبية، مؤكدًا أن "الناس هناك في أمسّ الحاجة إلى الثقافة".
كما أبدى تأييده لفكرة المسارح المتنقلة، لكنه أشار إلى أنها لا يمكن أن تكون بديلًا للمسارح الثابتة، بل مكملًا لها.
من جانبه، وصف الناقد الأكاديمي د. شوكت المصري قرارات الإغلاق بأنها "جريمة في حق الوعي"، وفضح غياب الرؤية الثقافية المتخصصة داخل الوزارة. وأوضح أن اللجنة التي شكلتها الوزارة لمراجعة المواقع لا تضم أي مثقفين أو خبراء، ما يثير الشكوك حول خلفيات القرار.
وأضاف المصري أن بعض بيوت الثقافة لا تتجاوز تكلفة إيجارها 600 جنيه شهريًا، لكنها تخدم ملايين المواطنين، معتبرًا أن العزوف الجماهيري ليس مبررًا للإغلاق، بل نتيجة لسياسات ثقافية عقيمة.
وانتقد التبريرات الاقتصادية للقرار، مؤكدًا أن إدارة المشهد الثقافي تشهد خللًا منذ عام 2000، وأن استمرار الخطأ هو في حد ذاته خطيئة تستوجب المحاسبة.
الناقدة والكاتبة الكبيرة د. كريمة الحفناوي أكدت أن بيوت الثقافة تلعب دورًا جوهريًا في الارتقاء بالوعي ومجابهة التطرف، وأن الأنشطة التي تقدمها جذبت على مدار عقود الأطفال والشباب والنساء، وساهمت في تنمية المهارات ونشر الفنون.
وانتقدت السياسات الحالية التي "تحوّل الخدمة إلى سلعة"، بدلًا من دعم الهوية الثقافية، وأضافت: "نترك تراثنا يُنهب من قبل من يزوّرون التاريخ، ونُغلق في المقابل منابرنا التنويرية".
ودعت إلى تصحيح الأوضاع من خلال اختيار كوادر مؤهلة وتدريب العاملين وتوزيعهم بالشكل المناسب.
واختتمت الحفناوي بدعوة لإجراء "حوار مفتوح يجمع أدباء وفناني المحافظات كافة مع صناع القرار".