
صالح أبو مسلم
صالح أبو مسلم
خلال السنوات الثلاث الأخيرة، شهدت العلاقات الجزائرية- الفرنسية توترا وتصعيدا بين حكومتي البلدين، ويرجع ذلك إلى تأثير القيادات اليمينية، واليمينية المتطرفة التي وصلت إلى البرلمان والحكومة، وتسببت بتوجهاتها وأيديولوجياتها إلى المساس بالعلاقات الدبلوماسية، وكثير من الاتفاقات المبرمة بين البلدين، الأمر الذي أغضب السلطات الجزائرية ردا على تجاوزات الحكومة الفرنسية، فمن الموضوعات التي تسببت في التصعيد بين البلدين ورقة الهجرة والمهاجرين التي تستخدمها فرنسا من حين لآخر، ومنها تضييق وزارة الداخلية الفرنسية على الجالية الجزائرية بفرنسا، ونيتهم الأخيرة بالقيام بترحيل عدد كبير من أبناء الجالية الجزائرية لدواعٍ أمنية، مقابل رفض الجزائر لاستلامهم، ليطال التصعيد العلاقات الاقتصادية والأمنية، ناهيك عن محاولة الحكومة الفرنسية فرض شروطها على الجزائر، ومنها دعوة الحكومة الفرنسية إلى مراجعة اتفاقية عام 1968 المتعلقة بإقامة الجزائريين من أجل المساس ببنودها، والتسبب في توتر العلاقات بين البلدين، وأمام ورقة الهجرة التي تضغط بها فرنسا على الجزائر، فإن الجزائر تملك هي الأخرى أوراقا قوية للضغط بها على فرنسا كالتهديد بقطع الغاز الجزائري، وبسحب الجزائر للمزايا التي كانت تمنحها للشركات الاستثمارية العاملة بالجزائر.
لقد وصل هذا التصعيد بين البلدين إلى طرد كل من الجزائر وفرنسا لعدد من دبلوماسي البلدين، إضافة إلى قيام السلطات الفرنسية بفرض حصول الدبلوماسيين الجزائريين على تأشيرة لدحول فرنسا، مخالفة بذلك بنود البروتوكولات الدولية المتعلقة بهذا الشأن، الأمر الذي أدى إلى زيادة التوتر بين البلدين، مع رفض الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" تلبية دعوة الرئيس الفرنسي "ماكرون" لزيارة فرنسا لأكثر من مرة.
وعن أعمق الأسباب التي أدت إلى هذا التصعيد، وكما يرى الخبراء والمحللون هو فداحة الإرث الاستعماري الثقيل، وجرائم فرنسا المرتكبة في الجزائر، وبعدم تقديم فرنسا الاعتذار الرسمي للجزائر بسبب جرائم الاستعمار، وبعدم موافقة فرنسا على تقديم الدعم المطلوب لتنظيف الصحراء الجزائرية من الآثار الكارثية لبقايا التجارب النووية الفرنسية على أرض الجزائر حتى العام 1966، وأيضا بعدم تقديم فرنسا التعويضات المناسبة لضحايا أبناء الجزائر من جراء وآثار التجارب النووية الكارثية، وأيضا عدم استرجاع فرنسا لجماجم الثوار الجزائريين الموجودة بالمتاحف الفرنسية، ويرى الخبراء والمحللون أيضا أن من تلك الأسباب المؤدية إلى توتر العلاقات بين البلدين هو شعور الجزائر بالإهانة من جراء قرار اعتراف فرنسا بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، ومن مغبة وتأثير الخطابات شديدة اللهجة الصادرة من القيادات الفرنسية المتطرفة تجاه الجزائر وعلى رأسهم وزير الداخلية الفرنسي "برونو ريتايو"، أما السبب الأكبر فيكمن في رفض الجزائر التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل، الأمر الذي أدى إلى قيام أمريكا والدول الغربية بشن الحملات الهجومية على الجزائر، واستخدام فرنسا لعلاقتها مع الجزائر للضغط عليها بكل تلك الأوراق لإجبارها على التطبيع، وبعدم معاداة الجاليات الجزائرية في الخارج لما يسمى بالسامية، الأمر الذي ترفضه الجزائر وشعبها جملة وتفصيلا.
ومع كل تلك الخلافات المتفاقمة يرى عقلاء البلدين أن الدولتين وبحكم العلاقات التاريخية الممتدة لا يمكنهما الاستغناء عن بعضهما البعض، ليصبح الحل الدبلوماسي والحوار الإيجابي هو الطريق الوحيد لحل الأزمة، بدلا من التصعيد الذي لن يكون فيه مصلحة البلدين.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.