أخبار عاجلة

ما علاقة تأجيل زيارة المبعوث الأمريكي إلى مصر بانتقادات القاهرة لإسرائيل؟

ما علاقة تأجيل زيارة المبعوث الأمريكي إلى مصر بانتقادات القاهرة لإسرائيل؟
ما علاقة تأجيل زيارة المبعوث الأمريكي إلى مصر بانتقادات القاهرة لإسرائيل؟

أعلنت مصادر دبلوماسية في القاهرة وواشنطن عن تأجيل زيارة كان يُفترض أن يقوم بها مايك هوكابي إلى مصر في الأيام الماضية. 

تجدر الإشارة إلى أن هوكابي سياسي أمريكي محافظ عُيّن في منصبه مؤخرًا، ويُعرف بمواقفه الداعمة لإسرائيل، وكان من المقرر أن يلتقي وزير الخارجية بدر عبد العاطي لبحث ملفات غزة والعلاقات الثنائية. 

جاء قرار التأجيل في لحظة حساسة تتصاعد فيها الانتقادات المصرية للاحتلال، ما جعل المراقبين يربطون مباشرة بين الموقفين. وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.

الزيارة المؤجلة لم تكن بروتوكولية عابرة، بل كانت ستشكل أول تحرك علني من مبعوث أمريكي رفيع المستوى إلى القاهرة منذ بدء جولة التصعيد الأخيرة في غزة. 

ولذلك، فإن قرار التأجيل فتح الباب واسعًا أمام التأويلات حول طبيعة العلاقة الحالية بين القاهرة وواشنطن. 

مصر، التي لعبت دور الوسيط التقليدي في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وجدت نفسها في موقع جديد: فهي تدين العنف الإسرائيلي علنًا وتطالب بوقف الهجمات، بينما تتلقى إشارات دبلوماسية أمريكية تميل بوضوح لصالح تل أبيب.

ونقلت التايمز عن أحد الدبلوماسيين المطلعين وصفه المشهد بقوله إن "إرسال هوكابي الآن كان سيبدو كاستفزاز"، فهو محسوب على جناح سياسي أمريكي يتبنى رواية سلطات الاحتلال بالكامل.

 وفي ظل صور الدمار والضحايا في غزة، كان ظهوره في القاهرة سيُقرأ كرمز لعدم اكتراث واشنطن بموقف مصر أو بالرأي العام العربي. لذلك فضلت الإدارة الأمريكية تأجيل الزيارة بدلًا من مواجهة مشهد محرج قد يزيد التوتر القائم بالفعل.

ولعبت تصريحات القاهرة الأخيرة دورًا محوريًا في هذا السياق. فقد انتقدت الخارجية المصرية مرارًا الغارات الإسرائيلية على مناطق مكتظة بالسكان في غزة، واعتبرت أن استهداف المدنيين يُقوّض أي مسار سياسي ويهدد بتوسيع دائرة الصراع. هذه اللهجة العلنية غير المألوفة نسبيًا من جانب مصر تجاه إسرائيل تعكس حجم القلق في المؤسسة الرسمية المصرية، ليس فقط من الناحية الإنسانية، بل أيضًا من تداعيات الحرب على الوضع الإقليمي. لذلك، بدا من الصعب أن تحتضن القاهرة مبعوثًا أمريكيًا مقربًا من إسرائيل بينما هي ترفع سقف خطابها ضد الاحتلال.

وتاريخيًا، تجنبت القاهرة المواجهة العلنية مع واشنطن في قضايا مماثلة، لكنها هذه المرة فضلت إبراز استقلاليتها. 

بعض المحللين يعتبرون أن هذا التحول يعكس إدراك مصر بأن صورتها كوسيط تقليدي لم تعد كافية، وأن الشارع العربي بات يضغط باتجاه مواقف أكثر وضوحًا. 

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن أي إصرار على فرض زيارات أو لقاءات في توقيت غير مناسب قد يُضعف الدور المصري بدل أن يقوّيه، وهو ما تحاول واشنطن تجنبه عبر تأجيل زيارة هوكابي.

وأشارت التايمز إلى أن العلاقة بين القاهرة وواشنطن في هذه المرحلة تبدو وكأنها تسير على خيط مشدود. من جهة، تحتاج الولايات المتحدة إلى مصر كقناة تواصل مع الفصائل الفلسطينية وكضامن إقليمي للتهدئة.

 ومن جهة أخرى، لا تستطيع القاهرة أن تُظهر نفسها وكأنها مجرد تابع للسياسات الأمريكية في ظل استمرار الحرب على غزة. 

هنا يتضح أن تأجيل الزيارة لم يكن مسألة جدول أعمال أو ضغوط داخلية أمريكية، بل قرار محسوب لتجنب أزمة دبلوماسية علنية.

اللافت أن مصر لم تُبدِ أي تعليق رسمي على التأجيل، لكنها أيضًا لم تُبدِ حماسًا لإعادة جدولة الزيارة سريعًا. هذا الصمت المدروس يعكس إدراكًا مصريًا بأن قبول الزيارة في هذا التوقيت قد يضر بصورتها الإقليمية، بينما رفضها الصريح قد يفتح باب المواجهة مع واشنطن.

 ولذلك، يبدو أن القاهرة تركت الأمر معلقًا لتُبقي الباب مفتوحًا أمام التنسيق مع واشنطن من دون تقديم تنازلات سياسية أو رمزية.

ومثل الملف الفلسطيني بُعدًا أساسيًا في حسابات مصر الداخلية والخارجية. فالقاهرة لا تستطيع تحمل تداعيات إنسانية أو سياسية لأي تصعيد جديد في غزة، كما لا يمكنها تجاهل الضغوط الشعبية والإعلامية. لذلك، فإن أي تحرك أمريكي يُفترض أن يراعي هذه المعادلة.

 إرسال هوكابي، المعروف بارتباطاته الوثيقة باليمين الإسرائيلي، في لحظة يتعرض فيها الاحتلال لانتقادات علنية من مصر، بدا خطوة غير منسجمة مع الواقع. وهذا ما يفسر قرار التأجيل باعتباره خطوة لخفض التوتر وليس مجرد تعديل إداري.

ومن زاوية أخرى، يثير هذا المشهد تساؤلات حول قدرة واشنطن على إدارة ملفات المنطقة بفاعلية. فإذا كانت زيارة مبعوث رفيع المستوى تحتاج إلى هذا القدر من الحسابات الدقيقة، فماذا عن إدارة المفاوضات أو طرح مبادرات سلام جديدة؟ البعض يرى أن هذه الحادثة تكشف محدودية النفوذ الأمريكي حين يتعارض مع الحقائق الميدانية ومع مواقف الحلفاء التقليديين. فمصر، رغم اعتمادها الكبير على المساعدات الأمريكية، ترفض في هذه المرحلة أن تُصوَّر كطرف يغطي سياسات الاحتلال.

وفي السياق الأوسع، يضع تأجيل الزيارة إشارة استفهام حول مستقبل الدور المصري. هل ستواصل القاهرة لعب دور الوسيط التقليدي مع قبول الضغوط الأمريكية؟ أم أنها ستسعى لتثبيت موقع جديد أكثر استقلالية في ظل تبدل موازين القوى الإقليمية؟ المؤشرات الحالية توحي بأن مصر تميل إلى الخيار الثاني، على الأقل في الخطاب العلني، وهو ما قد يُجبر واشنطن على تعديل أسلوب تعاملها مع القاهرة إذا أرادت الحفاظ على مستوى التنسيق نفسه.

وكشف تأجيل زيارة مايك هوكابي إلى القاهرة عن أكثر من مجرد تغيير في جدول دبلوماسي. هي تعبير عن لحظة اختبار للعلاقات الأمريكية المصرية، وعن مدى قدرة القاهرة على الموازنة بين التزاماتها الدولية وضغوطها الإقليمية والداخلية. 

كما كشف التأجيل عن صعوبة مهمة واشنطن في التوفيق بين دعمها الصريح لإسرائيل وبين رغبتها في الحفاظ على قنوات التعاون مع العواصم العربية الكبرى. وفي قلب هذه المعادلة، تظل غزة هي العامل الحاسم الذي يُعيد تشكيل أولويات الجميع.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق مصطفى بكري يكشف أجندة جلسة مجلس النواب يوم الأربعاء المقبل
التالى ما علاقة تأجيل زيارة المبعوث الأمريكي إلى مصر بانتقادات القاهرة لإسرائيل؟