يُشكِّل الغاز في سلطنة عمان ركيزة أساسية لاقتصاد البلاد؛ إذ يسهم بنسبة معتبرة في الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 19%، ويغذي قطاعات حيوية من الصناعة إلى توليد الكهرباء، فضلًا عن الصادرات، التي رسخت مكانة مسقط على خريطة الطاقة العالمية.
وتكشف أحدث البيانات والتقارير عن صورة مركبة تجمع بين إدارة وطنية محكمة، واستثمارات توسعية طموحة، في مقابل بعض التحديات المرتبطة بتذبذب الصادرات الإقليمية والدولية.
في هذا السياق، تبرز شركة الغاز المتكاملة بوصفها الجهة الوطنية المسؤولة عن إدارة جميع المخصصات والأصول والالتزامات المتعلقة بشراء الغاز وبيعه ونقله؛ ما يجعلها محورًا رئيسًا في معادلة الطاقة العمانية.
ووفقًا لتصريحات رسمية طالعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، فقد وصلت كميات الغاز التي تديرها الشركة يوميًا إلى 120 مليون متر مكعب، بينها 7 ملايين متر مكعب مستوردة عبر مشروع "دولفين"، وهو ما يوضح حجم التشابك الإقليمي والإستراتيجي للقطاع.
إدارة الغاز في سلطنة عمان
تُشرف شركة الغاز المتكاملة على شبكة خطوط وطنية تُعدّ الأطول في الشرق الأوسط بطول يتجاوز 4200 كيلومتر، وتغطي احتياجات واسعة تمتد من الصناعة إلى الكهرباء واستخراج النفط.
ويُخصّص نحو 48 مليون متر مكعب يوميًا -أي ما يعادل 40% من إجمالي الكميات- إلى الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال بغرض التصدير، بينما يوجَّه 25 مليون متر مكعب إلى توليد الطاقة الكهربائية، ونحو 11 مليون متر مكعب إلى عمليات إنتاج النفط الخام، مع توجيه المتبقي لتلبية الطلب الصناعي المحلي.
ويمثل هذا التوزيع الدقيق انعكاسًا للإستراتيجية الوطنية لتخصيص الغاز، التي أقرّتها اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الوزراء، واضعةً معايير ترتبط بالمساهمة في الناتج المحلي، ونسب التعمين، والتحول نحو الطاقة النظيفة.

ويقدَّر حجم قطاع الغاز في سلطنة عمان بأكثر من 8 مليارات دولار أميركي سنويًا، مع مساهمة تصل إلى 19% من الناتج المحلي الإجمالي.
كما أن العقود المبرمة مع الشركات تشترط نسب توطين للعمالة "تعمين"، وصلت في المتوسط إلى 40%، ما يعكس البعد التنموي للقطاع.
محطات إسالة الغاز في سلطنة عمان
على صعيد التوسعات في البنى التحتية، تشهد محطات إسالة الغاز في سلطنة عمان طفرة لافتة، تتجسد خصوصًا في مجمع قلهات للغاز الطبيعي المسال بولاية صور.
وتعمل الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال -المملوكة للحكومة بنسبة 51%- على تعزيز موقعها الإقليمي من خلال إضافة وحدة رابعة بطاقة 3.8 مليون طن سنويًا، من المقرر تشغيلها بحلول 2029، لترتفع الطاقة الإنتاجية للمجمع إلى 15.2 مليون طن سنويًا.
وقد بلغ إجمالي صادرات الغاز المسال العمانية 12.06 مليون طن في 2024، بزيادة 4.6% عن 2023، واستقرت عند 3.12 مليون طن في الربع الأول من 2025.
ويعكس ذلك موقعًا تنافسيًا قويًا لسلطنة عمان في سوق الغاز المسال العالمية، ولا سيما مع تنوع عملائها بين اليابان وكوريا الجنوبية والصين والهند وأوروبا.
يُذكر أن محطة قلهات أُنشئت عام 1997 بتمويل أولي بلغ ملياري دولار، وبدأت التصدير عام 2000 عبر 3 خطوط بطاقة إجمالية 10.4 مليون طن، ارتفعت لاحقًا إلى 11.4 مليون طن بفضل تحديثات تشغيلية، ومع إطلاق الخط الرابع، يرسّخ المجمع دوره بصفته مركزًا إقليميًا مهمًا لأمن الطاقة.

صادرات الغاز في سلطنة عمان
رغم هذه الطفرة الاستثمارية؛ فقد شهدت صادرات الغاز في سلطنة عمان بعض التحديات خلال النصف الأول من 2025؛ إذ تراجعت بنسبة 6.4% على أساس سنوي إلى 5.71 مليون طن، مقارنة بـ6.10 مليون طن خلال المدة نفسها من 2024.
وجاء الانخفاض أوضح في الربع الثاني، الذي هبطت شحناته إلى 2.63 مليون طن، أي أقل بـ11% عن العام الماضي، و14.5% عن الربع الأول من 2025.
وتُعزى هذه التراجعات إلى انخفاض الشحنات الشهرية؛ ففي أبريل/نيسان 2025 بلغت الصادرات 0.85 مليون طن، مقابل 1.05 مليون طن في أبريل 2024، كما سجّلت في مايو/أيار 0.83 مليون طن، وهو أدنى مستوى منذ بداية العام، مقابل 0.92 مليون طن قبل عام، في حين وصلت صادرات يونيو/حزيران إلى 0.94 مليون طن مقارنة بـ0.97 مليون طن في يونيو 2024.
تغيرات في قائمة المستوردين
على مستوى الأسواق، استحوذت آسيا بالكامل على صادرات الغاز في سلطنة عمان خلال النصف الأول من 2025.
وتصدرت اليابان القائمة رغم انخفاض وارداتها بنسبة 17% إلى 1.40 مليون طن، وجاءت الهند ثانية مع ارتفاع كبير في وارداتها بنسبة 63% إلى 1.19 مليون طن، كما حلّت كوريا الجنوبية ثالثة بهبوط حاد بنسبة 53% إلى 1.14 مليون طن، نتيجة انتهاء عقد توريد طويل الأجل استمر 25 عامًا حتى نهاية 2024.
في المقابل، ارتفعت واردات تايوان أكثر من 4 مرات لتصل إلى 0.75 مليون طن، بينما ظهرت الكويت مجددًا ضمن المستوردين بواقع 0.40 مليون طن في الربع الثاني فقط.
أما الصين فقد شهدت انخفاضًا حادًا في وارداتها بنسبة 64% إلى 0.27 مليون طن، بحسب تقرير "مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية في النصف الأول من 2025"، الصادر عن وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن).
وتضاف هذه التغيرات إلى صفقات جديدة وقّعتها سلطنة عمان، أبرزها اتفاق طويل الأجل مع مجموعة "مركوريا" السويسرية لاستيراد 0.8 مليون طن سنويًا لمدة 10 سنوات بدءًا من أبريل/نيسان 2025، بالإضافة إلى 5 صفقات كبرى أُبرمت في 2024 مع ألمانيا واليابان وتركيا وفرنسا.
ومن هذه التطورات، يظهر أن الغاز في سلطنة عمان يقف عند نقطة توازن دقيقة بين إدارة وطنية محكمة عبر شركة الغاز المتكاملة، وخطط توسعية ضخمة تقودها الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال، في مقابل ضغوط الطلب والتعاقدات الدولية المتغيرة.
ومع دخول وحدة قلهات الرابعة حيّز التشغيل خلال السنوات المقبلة، يُتوقع أن تعزز مسقط مكانتها في سوق الغاز العالمية، رغم التحديات الدورية التي تفرضها تقلبات الأسواق.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر: