أخبار عاجلة

دور الذكاء الاصطناعي في تحسين إنتاج الطاقات المتجددة (مقال)

دور الذكاء الاصطناعي في تحسين إنتاج الطاقات المتجددة (مقال)
دور الذكاء الاصطناعي في تحسين إنتاج الطاقات المتجددة (مقال)

بينما تطوّرت تقنيات الذكاء الاصطناعي بدرجة كبيرة، شهد العالم خلال السنوات الأخيرة تحولًا كبيرًا نحو الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية.

والسبب في ذلك هو التحديات البيئية والاقتصادية المرتبطة بالوقود الأحفوري، ومع تزايد الطلب على مصادر الطاقة النظيفة، أصبحت الحاجة إلى تحسين كفاءة إنتاجها أمرًا بالغ الأهمية.

وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي الذي أصبح أداة مهمة في تعزيز كفاءة أنظمة الطاقة المتجددة، من خلال تحليل البيانات الضخمة، وتحسين عمليات التشغيل، وتوقع الأداء، بل حتى إدارة الشبكات الذكية.

في هذا المقال، سنستعرض بالتفصيل كيف يُسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين إنتاج الطاقات المتجددة عبر عدة محاور رئيسة.

أولًا: تحسين كفاءة الألواح الشمسية باستعمال الذكاء الاصطناعي

التنبّؤ بالإشعاع الشمسي وتحسين زوايا الألواح

تعتمد كفاءة الألواح الشمسية على عوامل مثل زاوية الميل، وكمية الإشعاع الشمسي، والظروف الجوية.

وباستعمال خوارزميات التعلم الآلي، يمكن تحليل بيانات الطقس التاريخية والتنبؤ بكمية الإشعاع الشمسي المتوقعة، مما يساعد في ضبط زوايا الألواح تلقائيًا لزيادة امتصاص الطاقة.

الكشف عن الأعطال والصيانة التنبّؤية

غالبًا ما تواجه الألواح الشمسية بعض الأضرار؛ مثل التشقق، أو التلوث، أو انخفاض الكفاءة بسبب التلف.

وباستعمال الذكاء الاصطناعي والرؤية الحاسوبية، يمكن مراقبة الألواح عبر كاميرات ذكية أو أجهزة استشعار لاكتشاف العيوب مبكرًا، مما يقلّل من تكاليف الصيانة ويزيد من عمر النظام.

تحسين تصميم المزارع الشمسية

يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل التضاريس، واتجاه الرياح، وكمية الإشعاع في منطقة معينة لتحديد أفضل مواقع تركيب الألواح الشمسية، مما يزيد من إنتاجية الطاقة ويقلّل من الهدر.

الذكاء الاصطناعي

ثانيًا: تعزيز كفاءة طاقة الرياح باستعمال الذكاء الاصطناعي

التنبّؤ بسرعة الرياح وتوجيه التوربينات

تعتمد توربينات الرياح على سرعة الرياح واتجاهها لتوليد الطاقة بكفاءة. باستعمال نماذج الذكاء الاصطناعي القائمة على التعلّم العميق، يمكن تحليل بيانات الأرصاد الجوية والتنبؤ بسرعات الرياح بدقة، مما يساعد في تعديل زوايا شفرات التوربينات لتحقيق أقصى استفادة من طاقة الرياح.

الصيانة التنبؤية للتوربينات

توربينات الرياح معرّضة لأعطال ميكانيكية بسبب العوامل الجوية والاستعمال المستمر.

ومن خلال تحليل البيانات من أجهزة الاستشعار المدمجة، يمكن للذكاء الاصطناعي اكتشاف علامات التآكل أو الأعطال المحتملة قبل حدوثها، مما يقلّل من فترات التوقف غير المخطط لها.

تحسين مواقع محطات الرياح

يستعمل الذكاء الاصطناعي خوارزميات محاكاة الطقس والبيانات الجغرافية، لتحديد أفضل المواقع لإنشاء محطات إنتاج الطاقة بفعل الرياح، مما يضمن أعلى إنتاجية ممكنة مع تقليل التأثير في البيئة.

ثالثًا: إدارة شبكات الطاقة الحديثة بالذكاء الاصطناعي

تحسين توزيع الطاقة وتخزينها

أحد أكبر التحديات في الطاقة المتجددة هو تقلّب الإنتاج (مثل عدم وجود شمس أو رياح).

هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي في إدارة شبكات الطاقة الحديثة، إذ يمكنه تحليل أنماط الاستهلاك وتوجيه الطاقة الفائضة إلى البطاريات أو الشبكة عند الحاجة، مما يحسّن استقرار النظام.

التنبؤ بالطلب على الطاقة

من خلال تحليل البيانات التاريخية لأنماط الاستهلاك، يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بذروة الطلب على الطاقة وتوجيه مصادر الطاقة المتجددة بصورة أكثر كفاءة، مما يقلل الاعتماد على المصادر التقليدية.

منع انهيار الشبكة

يمكن أن تؤدي التقلبات المفاجئة في إنتاج الطاقة المتجددة إلى انهيار الشبكة.

وباستعمال أنظمة الذكاء الاصطناعي يمكن مراقبة الجهد والتيار وتعديل التدفق الكهربائي تلقائيًا للحفاظ على استقرار الشبكة.

تحديات الطاقة المتجددة

رابعًا: تحسين كفاءة الطاقة الكهرومائية بالذكاء الاصطناعي

التنبؤ بتدفق المياه وإدارة السدود

تعتمد محطات الطاقة الكهرومائية على كمية المياه المتدفقة.

وباستعمال الذكاء الاصطناعي، يمكن تحليل بيانات هطول الأمطار والذوبان الجليدي للتنبؤ بكمية المياه المتاحة، مما يساعد في إدارة السدود بكفاءة أعلى.

تقليل الفاقد من الطاقة

يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين عمليات التوربينات المائية عن طريق ضبط سرعتها وفقًا لتدفق المياه، مما يُقلل من الهدر ويزيد من إنتاج الكهرباء.

خامسًا: تطبيقات الذكاء الاصطناعي في طاقة المد والجزر والطاقة الحرارية الأرضية

تحسين أنظمة طاقة المد والجزر

تُستعمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل أنماط المد والجزر وتحديد أفضل الأوقات لتوليد الطاقة، مما يزيد من كفاءة المحطات.

استكشاف مصادر الطاقة الحرارية الأرضية

يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل "البيانات الجيولوجية" لتحديد أفضل المواقع لحفر الآبار الحرارية، مما يُقلل من التكاليف ويزيد من فرص نجاح المشروعات.

الطاقة الحرارية الأرضية

تحديات تواجه تحسين إنتاج الطاقة المتجددة

يواجه استعمال الذكاء الاصطناعي في تحسين إنتاج الطاقة المتجددة تحديات بارزة تؤثر في فاعلية هذه التقنية:

أولًا: تحديات تتعلق بجودة البيانات وتوافرها ومدى دقتها وكميتها لتدريب النماذج

تعتمد هذه النماذج على بيانات مثل الطاقة الشمسية والرياح، ولكن عدم توحيد تنسيقات البيانات ونقص أجهزة الاستشعار في المواقع النائية يعوقان جمع البيانات اللازمة.

بالإضافة إلى ذلك، تتأثر البيانات بالتباين الناتج عن أخطاء القياس والتداخلات الجوية مثل الغيوم والعواصف الرملية.

ثانيًا: تحديات تتعلق بالتنبؤ والتقلبات المناخية

هناك صعوبة توقع إنتاج الطاقة بسبب الطبيعة المتغيرة لعوامل الطقس.

قد تؤثر الأحداث الشاذة، مثل العواصف، على دقة التنبؤ، مما يتطلّب تحديثًا مستمرًا للنماذج لمواكبة التغيرات المناخية.

أما بالنسبة إلى التكامل مع الشبكات الذكية وأنظمة التخزين، فإن إدارة تدفقات الطاقة من وإلى مصادر الطاقة المتجددة تتطلب توازنًا دقيقًا بين الحمل والطلب.

وهذا يحتاج إلى زمن استجابة منخفض لضمان استقرار الشبكة، مما يزيد من تعقيد العمليات.

بالإضافة إلى ذلك، تواجه تكاليف الحوسبة والبنية التحتية تحديات كبيرة.

فالنماذج المتقدمة تتطلب موارد حوسبة كبيرة وتخزينًا هائلًا للبيانات، ويصبح توصيل البنية التحتية في المواقع البعيدة تحديًا إضافيًا، خصوصًا مع الاعتبارات البيئية المرتبطة بتشغيل مراكز البيانات.

وتتعلّق الشفافية وقابلية التفسير بتعقيد النماذج القائمة على التعلم العميق، التي كثيرًا ما تعامل بصفتها صناديق سوداء، مما يصعب فهم قرارات النظام.

لذا، هناك حاجة ملحة إلى نماذج يمكن تفسيرها بسهولة لضمان الثقة والاعتماد.

أما عن الأمان السيبراني والحماية فقد أصبحت محطات الطاقة المتجددة أهدافًا للهجمات الإلكترونية الجديدة، مما يتطلّب تطوير أساليب الكشف المبكر وضمان سرية البيانات.

تتطلّب التحديات التنظيمية والسياساتية وضع معايير دولية لتقييم جودة نماذج الذكاء الاصطناعي، إذ إن التشريعات قد تتأخر عن مواكبة التطور السريع، مما يعوق نشر الحلول الجديدة.

وأخيرًا، يُعد نقص الخبرات والمهارات من العوامل المحورية، إذ تفتقر الكثير من الفرق الهندسية إلى الخبرات اللازمة في تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ لذا يتطلّب الأمر تشجيع الأبحاث المشتركة وتدريب المهنيين.

وللتغلّب على هذه التحديات، يجب اتباع حلول شاملة تشمل تعزيز البنية التحتية للبيانات، وتطوير نماذج شفافة، وتقوية الأمان السيبراني، وتحديث الأطر التنظيمية، بالإضافة إلى الاستثمار في بناء القدرات البشرية والفنية.

تطبيقات الذكاء الاصطناعي

إستراتيجيات مواجهة التحديات

لمواجهة التحديات التي تواجه استعمال الذكاء الاصطناعي في تحسين إنتاج الطاقة المتجددة، يجب اتباع إستراتيجيات متعددة وشاملة.

ولتعزيز جودة البيانات وتوافرها، ينبغي إنشاء بنى تحتية قوية لجمع البيانات تتضمّن توحيد تنسيقات البيانات وتوفير أجهزة استشعار متطورة في جميع مواقع الطاقة، بما في ذلك المحطات الصغيرة والنائية. يمكن أيضًا استعمال تقنيات مثل التعلم الآلي لتحسين معالجة البيانات وتنقيتها من الناتجة عن الظروف الجوية والتداخلات.

ولتحسين التنبؤ بالتقلبات المناخية، يجب تطوير نماذج أكثر دقة تتعامل مع الطبيعة غير الخطية لعوامل الطقس. يمكن استعمال البيانات التاريخية والتنبؤات المناخية لتدريب النماذج، بالإضافة إلى دمج تقنيات التعلم العميق القادرة على التعلم من البيانات الجديدة باستمرار.

وحول تكاليف الحوسبة والبنية التحتية يمكن استكشاف استعمال الحوسبة السحابية بوصفها حلًا لتقليل التكاليف المرتبطة بالموارد المحلية. كما يجب التركيز على تطوير مراكز بيانات أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة.

ويجب العمل على تطوير نماذج تعليمية قابلة للتفسير، مما يسهل على المهندسين ومقدمي الخدمة فهم كيفية اتخاذ القرارات. يمكن ذلك من خلال استعمال نماذج أقل تعقيدًا أو أدوات تحليلية توضح كيفية تأثير المدخلات على المخرجات.

وحول الأمان السيبراني والحماية، ينبغي تعزيز إستراتيجيات الأمان وتطوير بروتوكولات الكشف المبكر عن التهديدات. من المهم أيضًا تدريب العاملين على كيفية التعامل مع المخاطر السيبرانية وحماية البيانات الحساسة.

أما بالنسبة إلى التحديات التنظيمية فيجب العمل على وضع معايير دولية تتعلّق بجودة وموثوقية نماذج الذكاء الاصطناعي في قطاع الطاقة. يتطلّب ذلك التعاون بين الحكومات والشركات لوضع تشريعات مرنة تدعم الابتكار.

وأخيرًا، لمواجهة نقص الخبرات والمهارات، ينبغي تعزيز برامج التعليم والتدريب في مجال الذكاء الاصطناعي وهندسة الطاقة المتجددة. يمكن تشجيع الشراكات بين الجامعات والصناعات لتبادل المعرفة والخبرات، مما يُسهم في بناء قاعدة قوية من المتخصصين.

ومن خلال اتباع هذه الإستراتيجيات، يمكن التغلب على التحديات وتعزيز فاعلية الذكاء الاصطناعي في تحسين إنتاج الطاقة المتجددة.

ويُعدّ الذكاء الاصطناعي عامل تغيير جذري في قطاع الطاقة المتجددة؛ إذ يُسهم في زيادة الكفاءة، وتقليل التكاليف، وتحسين إدارة الموارد. ومع التطورات التكنولوجية المستمرة، من المتوقع أن يصبح الذكاء الاصطناعي أداة لا غنى عنها في تحقيق التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة والمستدامة.

باستمرار الابتكارات في هذا المجال، يمكن للبشرية أن تتطلّع إلى مستقبل أكثر استقرارًا من الناحية البيئية والاقتصادية، بفضل التكامل بين الذكاء الاصطناعي والطاقات المتجددة.

* الدكتورة هبة محمد إمام - خبيرة دولية واستشارية بيئية مصرية

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق حزب العمال الكردستاني يلقي السلاح
التالى عاجل- حماس تعتزم الإفراج عن عيدان ألكسندر خلال ساعات وترامب يوجه الشكر لمصر وقطر