في تصعيد هو الأوسع منذ بداية العام، نفّذت القوات الجوية الأمريكية سلسلة من الضربات العنيفة والمركزة على مواقع عسكرية تابعة لجماعة الحوثي في صنعاء وصعدة ومناطق أخرى في اليمن، هذه الهجمات جاءت كرد فعل على هجمات حوثية متكررة استهدفت خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر، واعتبرتها واشنطن تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي وللأمن الإقليمي.
تفاصيل الهجمات: أهداف دقيقة وخسائر موجعة
وفي وقت سابق من اليوم، استهدفت القوات الأمريكية مخازن أسلحة الحوثيين في صعدة، كما استهدفت معسكر براش الواقع في مديرية سنحان المتواجد شرق العاصمة اليمنية، حيث يعد مأوى للمخازن وأسلحة نوعية.
والأسبوع الماضي، استهدفت الضربات الأمريكية 13 موقعًا عسكريًا حوثيًا، من بينها مخازن أسلحة، ومنصات إطلاق صواريخ، ومواقع قيادة ميدانية، إلى جانب البنية التحتية لميناء رأس عيسى، الذي يُعد شريانًا اقتصاديًا مهمًا للحوثيين. وأسفرت هذه الضربات عن مقتل ما لا يقل عن 74 شخصًا وإصابة أكثر من 170، معظمهم من المسلحين، وفقًا لبيانات وزارة الصحة التابعة للحوثيين.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية حجم الدمار في المنشآت المستهدفة، حيث تبيّن تفجير مخازن الذخيرة بالكامل، وانهيار مبانٍ محصنة كانت تُستخدم كمراكز قيادة وإدارة عمليات.
ردود الفعل الدولية: قلق دولي متزايد وتحذيرات من انزلاق
وفي وقت سابق، عبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، عن "قلقه العميق إزاء تصاعد الأعمال العسكرية"، داعيًا إلى ضبط النفس واحترام القانون الدولي الإنساني، خصوصًا فيما يتعلق بحماية المدنيين. كما أصدرت منظمات إغاثية تحذيرات من تفاقم الأوضاع الإنسانية في الحديدة، التي تضم عددًا كبيرًا من النازحين.
آراء الخبراء والمحللين: تغير في قواعد الاشتباك
ويرى العميد الركن محمد عبد الله الكميم، مستشار وزير الدفاع اليمني، أن "الضربات الأمريكية لم تكن عشوائية، بل استندت إلى معلومات استخباراتية دقيقة. فقد استهدفت معاقل حوثية ذات طابع استراتيجي مثل الكهوف الجبلية التي تُستخدم كمخازن للأسلحة وملاجئ للقيادات العسكرية". وأوضح أن "الرسالة الأمريكية كانت واضحة: لا مجال لمزيد من التهديدات على خطوط التجارة الدولية".
أما المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات فأكد أن "الولايات المتحدة باتت تعتمد على سياسة الردع بالقوة، من خلال ضربات نوعية تمنع الحوثيين من تنفيذ عمليات بحرية جديدة"، مشيرًا إلى أن هناك "تصعيدًا محسوبًا يهدف إلى تقليص قدرة الجماعة على التأثير خارج الحدود اليمنية".
اليمن على مفترق طرق بين التصعيد والانفراج
الضربات الأمريكية الأخيرة تعيد ترتيب أولويات الأطراف المتصارعة في اليمن، وتكشف عن تحول نوعي في تعاطي واشنطن مع الملف اليمني، إذ يبدو أن مرحلة "الصبر الاستراتيجي" قد انتهت، وحلت محلها سياسة "الضربات الموجهة".
لكن رغم فعالية الضربات على الصعيد التكتيكي، تبقى المخاوف قائمة من اتساع رقعة الصراع، وجر البلاد إلى مواجهة إقليمية مفتوحة، خاصة مع تهديد الحوثيين بالرد على أي استهداف أمريكي.
الواقع الميداني يشير إلى أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مسار الأزمة اليمنية، بين خيارين لا ثالث لهما: حل سياسي يعيد للبلاد استقرارها، أو تصعيد عسكري قد يُغرق المنطقة في موجة جديدة من الفوضى والدماء.