متعقبينَ السلسلة الكاملة لـ”الجينوم النباتي” المشكِّل لشجرة الأركان المغربية، باعتماد أحدث تقنيات تسلسل الحمض النووي، قاد باحثون وأساتذة جامعيون مغاربة، شاركوا ضمن دراسة علمية حديثة نشرتها المجلة العلمية “نيتش،” (Nature) ، إنجازا علميا غير مسبوق؛ في إحدى المحاولات العلمية الجادّة والرصينة لـ”فك الشيفرة الجينية الكاملة وتوفير جينوم مرجعي” لشجرة الأركان.
بعد نحو ثلاث سنوات من البحث، جاء تمكُّن فريق بحث دولي يضم أساتذة جامعيين وباحثين أجانب ومغاربة – أبرزهم محمد هِجري، مدير المركز الإفريقي للجينوم بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية بنجرير، وأحمد قدوري عن قسم البيولوجيا بكلية العلوم والتقنيات -جامعة القاضي عياض، مراكش – من فك الشيفرة الجينية الكاملة لشجرة الأركان (Sideroxylon spinosum)، بشكل كامل ودقيق؛ أو ما يُعرف علميا “من التيلومير إلى التيلومير”.
الدراسة التي نُشرت منتصف غشت 2025، طالعت جريدة هسبريس نسختها الكاملة، أكدت أبرزُ نتائجها “إعداد خريطة جينية كاملة لشجرة الأركان، مع تحديد عدد ‘الكروموسومات’، في سابقة علمية من شأنها أن تعمّق الفهم حول “العوامل الوراثية” التي تمنح زيت الأركان خصائصَه المميزة.
وتوصل الباحثون إلى أن “شجرة الأركان تتوفر على 11 كروموسوما، ويقوم حوالي 28 ألفا و720 جينا بتشفير البروتينات”، خالصين ضمن أبرز النتائج إلى أن “حوالي 60 في المائة من الجينوم يتكون من تسلسلات متكررة”.
العيّنات والتسلسل
حسب مضامين الدراسة، فإن المنهجية اعتمدت “جمع عينات أوراق من “Sideroxylon spinosum” (الاسم المرادف: Argania spinosa) من عينة نباتية على الحدود الشمالية لمحمية المحيط الحيوي التابعة لليونسكو “الأركاناريا”، بمحاذاة الطريق الوطنية رقم 207 شرق مدينة الصويرة، عند الإحداثيات 31°32′47.9″ شمالا و9°21′56.6″ غربا”.
وقال الباحثون شارحين: “اعتمدنا استراتيجية تسلسُل هجينة تجمع بين تقنية التسلسل الطويل للقراءة (PacBio) وبيانات التوافق الكروماتيني (Hi-C)”، مضيفين أنه “تم استخلاص الحمض النووي الجينومي من الأوراق باستخدام بروتوكول معدَّل CTAB (الطرق التكميلية)”.
وحسبهم، تبرز الأهمية في “تفسير قدرة هذا النوع النباتي على التكيف مع التغيرات المناخية”، عادِّينَ ذلك “مرجعا عالي الجودة في تطور علم الجينوم النباتي”.
وعلى الرغم من أنه يُعد إنجازا علميا رائدا لأول مرة، فإن هذه الدراسة تعتبر استكمالا لمسيرة أبحاث سابقة أجراها فريق من المعهد الوطني للبحث الزراعي بالرباط وأكادير حول “جينوم الأركان”.
خصائص وراثية وتهديدات بيئية
حسب ملخص الدراسة، خلص الباحثون إلى أن “الأركان ينتمي إلى فصيلة الـSapotaceae (من رتبة Ericales) التي تضم خمس قبائل نباتية وحوالي 1250 نوعا”.
وتشتمل هذه الفصيلة على أنواع ذات قيمة اقتصادية مهمة بفضل زيوتها؛ مثل: شجرة الأركان (Sideroxylon spinosum L.، الاسم المرادف: Argania spinosa (L.) Skeels)، وشجرة الشيا (Vitellaria paradoxa)، وشجرة الفاكهة المعجزة (Synsepalum dulcificum).
كما وجدوا أن “بذور الأركان تتميز باحتوائها على زيت غذائي وتجميلي فريد، يُمثل مصدرا اقتصاديا حيويا لآلاف الأسر المغربية، خصوصا النساء اللواتي يضطلعن بدور مركزي على طول سلسلة الإنتاج”، ضمن الخلاصات نفسها.
وحسب النتائج التي طالعتها هسبريس، فإن “الأركان نوع ثنائي الصيغة الصبغية، ويُقدَّر العدد الصبغي الأحادي له ما بين 10 و12. ولمْ يخضع هذا النوع لبرامج انتقاء أو استزراع مكثف، بل ظل ينمو في موطنه الطبيعي حيث استُعمل بشكل مستدام عبر قرون؛ غير أن الرعي الجائر للماعز وتزايد الضغط على الأراضي الزراعية والطلب المتنامي على زيت الأركان، كلها عوامل ساهمت في استغلال مفرط يُهدد بقاءه”، نبّه الفريق العلمي منجز الدراسة.
ولفت الانتباه إلى آثار “عوامل: الحرارة المرتفعة، فترات الجفاف المطوّلة في السنوات الأخيرة، وطول الموسم الجاف التي تزيد من حدة التحديات التي تواجه منطقة “الأركاناريا” (Arganeraie)، المصنفة تراثا للمحيط الحيوي من طرف “يونسكو” منذ عام 1998.
الحاجة إلى “موارد جينومية”
بفعل الأهمية الاقتصادية للأركان، شدد الباحثون في دراستهم على أن “الحاجة تزايدت إلى موارد جينومية دقيقة وموثوقة. وقد تم في وقت سابق إعداد المسودة الأولى لجينوم الأركان التي تضمنت 75.327 قطعة جينية (scaffolds)، تلتها خريطة مرجعية تضم 62.590 جينا. كما جرى نشر الجينوم الكامل ‘للميتوكوندريا والبلاستيدات الخضراء’ في السنوات الأخيرة”.
إلى جانب ذلك، “تم تطوير مؤشرات جزيئية مثل SSR وAFLP لدراسة التنوع الوراثي”، وأظهرت النتائج وجود تنوع عالٍ بين التجمعات السكانية، مقابل تنوع ضعيف داخل كل تجمع على حدة. ومع ذلك، فإن الحصول على جينوم عالي الجودة “يظل ضروريا لفهم أكثر عمقا لتطور الأركان، وفيزيولوجيته، وجينومات تجمّعاته السكانية، فضلا عن دعم برامج الانتقاء الوراثي الموجّه بالمؤشرات”.
ومن المعروف أن شجرة الأركان، التي تنمو طبيعيا في مناطق معيَّنة جنوب غرب المغرب، ثروة وطنية ذات قيمة اقتصادية وبيئية عالية؛ إذ يُستعمل زيتها في التغذية والتجميل، ويشكل مصدرا أساسيا للدخل بالنسبة لآلاف الأسر، خاصة للنساء العاملات في إطار التعاونيات. كما تضطلع بدور حيوي حاسم بيئيا في مقاومة التصحر والحفاظ على التوازنات الإيكولوجية.