أخبار عاجلة
مسلسل القضاء الحلقة 50 مترجمة كاملة شاهد HD -
مشاهدة مسلسل اسر الحلقة 90 شاهد كاملة -
مسلسل 220 يوم الحلقة 11 شاهد كاملة -

المساواة والمناصفة في المغرب

المساواة والمناصفة في المغرب
المساواة والمناصفة في المغرب

لم يعد يفصلنا عن موعد إجراء الانتخابات في نسختها المقبلة إلا حوالي سنة ونيف مما نَعُدّ، بمقياس الزمن الفيزيائي، لكن بالمقياس السياسي تعتبر الانتخابات على الأبواب. منذ خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله وحفظه بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد، صار موضوع الانتخابات ضمن أولويات وزارة الداخلية والأحزاب السياسية كبيرها وصغيرها.

لا شك أن الانتخابات ليست مجرد عملية دورية مؤسساتية في الحياة السياسية للدولة والمجتمع، كما أنها ليست مجرد مناسبة يتم خلالها تجديد المؤسسات التمثيلية، وإنما هي مناسبة أكيدة لتجديد النخب السياسية وتجديد التعاقدات المجتمعية، كما هي مناسبة لتجديد الارتباط الشعبي بمختلف مكوناته وفئاته مع المجتمع السياسي والتفاعل معه. وهي كذلك مناسبة للأحزاب السياسية لتجديد نخبها وتجديد تعاقداتها مع مجموع شرائح الأعضاء والمنخرطين والمتعاطفين. إنها فرصة دورية لتجديد الدماء في جسد كيان الديموقراطية لإثبات فعاليتها وصلاحيتها كخيار نوعي تختاره الشعوب لفرز ممثليها وتدبير شؤونها وسياساتها العمومية. لهذا فإن التقدم في درجات تفعيل هذا الاختيار، بما يقتضيه من الجدية والفعالية والالتزام والوضوح والشفافية والمصداقية يجعل الثقة في مجمل التعاقدات المجتمعية في حالة تطور وارتقاء في اتجاه مزيد من الثبات والتأصيل.

الانتخابات إذن، تلك هي جملة من فضائلها، لكن أيضا يمكن اعتبارها مناسبة حقيقية لتفعيل مستجدات دستورية ونقلها من حالة الوجود النصي المرجعي إلى حالة الوجود الفعلي، ليس فقط ضمن موضوعات النقاش العمومي الدستوري والسياسي والنخبوي، وإنما أيضا ضمن آليات التحول المجتمعي وشرطيات التقدم والتطور في اتجاه ترسيخ قيم المواطنة الحقة. ومن بين هذه المستجدات التي تضمنها النص الدستوري لسنة 2011 في نسخة محينة مبدأي المساواة والمناصفة بين النساء والرجال.

لا شك أن المساواة والمناصفة لا ينحصر موضوعهما وتجلياتهما ضمن الشأن الدستوري والسياسي وإنما يتجاوز ذلك ليصير واحدا من أهم شرطيات النهوض بحقوق المرأة كرافعة أساسية من بين رافعات نهوض الأمة المغربية عامة.

الأكيد في هذا الشأن أن وضع المرأة المغربية لا ينهض من دون تحوّلٍ حقيقي في منظومة حقوق المواطنة، في أبعادها الفردية والجماعية، وضمن الثوابت الوطنية باعتبارها مرجعيات موجِّهة وضامنة للتوازن المنشود بين الحقّ والواجب. فمشروع المساواة والمناصفة في المغرب، كما في غيره من المجتمعات، هو مشروعٌ جماعي ترعاه الدولة وينخرط فيه المجتمع السياسي والمجتمع المدني، وهو في الآن ذاته مشروعٌ فردي يباشره المواطن في سلوكه وقناعاته وممارساته اليومية. ومن ثم، فإن مساءلة ما تحقق منذ مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة (الاتفاقية تم التوقيع عليها سنة 1979 وصادق عليها المغرب في 20 يونيو 1993)، وفي ضوء المرجعية الحقوقية العالمية والمرجعية الدستورية والتشريعية الوطنية، هي مساءلةٌ لمسارٍ مركب يتداخل فيه ما هو دستوري وسياسي بما هو ثقافي واجتماعي، ما يرتبط بتدخلات ومساهمة الدولة وما يرتبط بتدخلات ومساهمات المجتمع، ما يرتبط أيضا بما هو استراتيجي بما هو مرحلي، أخذا بعين الاعتبار السياق الوطني والدولي وما تحقق ميدانيا من تراكم في المكتسبات، إن على مستوى المرجعيات المؤطرة، أو على مستوى السلوك الفردي والجماعي.

لا شك أن الأمة المغربية أحرزت تحوّلاتٍ مهمة في مجال المساواة والمناصفة على مستوياتٍ متعدّدة، غير أنّ رهان العهد الجديد؛ رهان العدالة الاجتماعية ومجتمع الكرامة والمساواة وحقوق المواطنة؛ ما يزال يستلزم مجهودًا مركّبًا.

فصعوبة التحديات مردّها ارتباط المساواة والمناصفة بمنظومةٍ من المعايير الثقافية الراسخة التي استوطنت العقول وتشكّلت بها البنية الثقافية الموجِّهة للفرد والجماعة عبر زمن طويل؛ وهو ما يقتضي عملًا جادًّا، جماعيًّا وطويلَ المدى.

على هذا الأساس واستنادا إلى كون المساواة والمناصفة مشروع أمة، وأفقا لتراكمات وتفاعلات وتأثيرات ترتبط عامة بالسياق الوطني والدولي في ظل الإمكان التاريخي وشرطياته، نقترح جملة مداخل لدعم التحوّل المجتمعي والفردي وتحقيق المساواة والمناصفة على الشكل التالي :

أولا: تحصين حقوق المواطنة الفردية والجماعية بتأمين فعالية النصوص القانونية وفعالية تطبيقها على أرض الواقع؛ بما في ذلك مقتضيات مدوّنة الأسرة؛ من خلال تدقيق الإجراءات التنفيذية، تبسيط المساطر، خفض التكلفة، وتيسير الولوج إلى القضاء بمختلف مستوياته ومجالاته، حيث يتصل الماكرو (حكامة العدالة) بالميكرو (قدرة الأفراد، خصوصًا النساء، على استعمال الحقّ دون عوائق).

ثانيا: دعم الطبقة الوسطى عبر تكثيف البرامج الاجتماعية والارتقاء بفعاليتها ومردوديتها، بما يعزّز استقلالية المرأة، ويرفع قدرتها على المشاركة في الحياة العامة، ويزيد من إنتاجيتها وتأثيرها في تدبير الشأن العمومي. والمرجع في ذلك أن قوّة الطبقة الوسطى تعتبر رافعةٌ أساسية لأي تحوّلٍ ثقافي مستدام داخل الأسرة والمجتمع.

ثالثا: ترسيخ المساواة والمناصفة داخل الأحزاب والنقابات والجمعيات بجعل التنظيمات السياسية والمهنية والمدنية بوابةً عملية لدعم المساواة في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفي مجالات التنظيم والتأطير والقيادة. فحين تُعمَّم معايير المناصفة داخليًّا، تنعكس خارجيّاً في التمثيل وصنع القرار، وتترسّخ ثقافيّاً في سلوك الأفراد. وتعتبر الانتخابات المقبلة مناسبة سانحة للرفع من درجة انخراط المجتمع السياسي في تأمين بعض مسارات تحقيق المساواة والمناصفة. وخاصة أن الانتخابات مناسبة لتوسيع دائرة الترافع على مختلف المستويات من أجل تحقيق التقدم على هذا المستوى.

رابعا: التمكين الاقتصادي للنساء عبر دعم المقاولات النسائية بمختلف أحجامها (الصغرى والمتوسطة والكبرى) واعتماد معيار التمييز الإيجابي، بما يجعل النساء فاعلاتٍ في النسيج الاقتصادي وسوق العمل. لأن التمكين الاقتصادي يُنتج استقلاليةً عملية، ويُغذّي الميكرو-تحوّل داخل الأسرة، ويُسرِّع الماكرو-تحوّل في بنى السوق والمؤسسات، كما في بنى المجتمع والدولة.

خامسا: دعم اقتصاد المعرفة والاقتصاد الرقمي بتوسيع انخراط النساء في التكنولوجيا ومهن المستقبل، وهو مجالٌ حيوي قادر على تجاوز التقسيمات التقليدية للعمل بين الرجال والنساء. حيث أن تحرير الكفاءات عبر المهارات الرقمية يُعيد تشكيل الثقافة المهنية، ويؤسِّس لعدالة الفرص بمعايير موضوعية قابلة للقياس.

سادسا: تعزيز التأطير القانوني والأخلاقي لصورة النوع الاجتماعي في الإعلام والمنصّات الرقمية بصون كرامة النساء وحمايتهنّ من مختلف أشكال الابتزاز والتسليع، من خلال ضوابط مهنية وقانونية واضحة وآليات تنفيذية خاضعة للمراقبة، لأن الإعلام يمتح من النظام المعرفي والمرجعيات الثقافية الناظمة ويسهم في تشكيلها وتجديدها وتطويرها كما يسهم في صيانتها وتشذيبها؛ وأن ضبط هذا المجال أخلاقيّاً وقانونيّاً يعتبر جزءا من معركة الوعي اليومي المستدام.

سابعا: ترسيخ المساواة والمناصفة في الوسط المدرسي بدعم المشاركة المتكافئة في الأنشطة الفنية والاجتماعية والرياضية والثقافية، وتجفيف المناهج والبرامج القائمة من كل صيغ التمييز والإقصاء على أساس النوع الاجتماعي. إن المدرسة تُصنع فيها العادات الإدراكية الأولى؛ ومن دون إصلاحها يصعب تثبيت التحوّل على المدى الطويل في الدولة والمجتمع.

إن أهم ما يمكن التأكيد عليه هنا هو أن المسار المغربي نحو ترسيخ المساواة والمناصفة كخيار مبدئي ضمن خيار أوسع، هو خيار الحق في المواطنة الكاملة، بدون حواجز ولا تمييز ولا شروط ولا عوائق، يؤطر دستوريا وتنفيذيا وإجرائي؛ هو بالفعل مسار يتقدّم بثبات، يراكم مكتسبات، يخلق فرصا للتحول، لكنه لن يكتمل إلا بتلازم إصلاحاتٍ مؤسساتية ناجعة (تشريعًا، وتنفيذًا، وقضاءً) مع تحوّلٍ ثقافي ومعرفي داخل الأسرة والمدرسة والإعلام ومختلف مؤسسات الفعل السياسي والثقافي والمدني. كما أن الالتزام بالثوابت الوطنية؛ بوصفها مرجعيةً ضامنة للتوازن بين الحقوق والواجبات؛ هو الإطار الذي يَحُول دون الانزلاقات ويمنح المشروع، المساواة والمناصفة، شرعيته المجتمعية.

وهكذا نخلص إلى أن مشروع المساواة والمناصفة مشروع تراكمي جماعي وفردي في آن، ونجاحه رهينٌ بقدرة الدولة والمجتمع السياسي والمدني على هندسة السياسات وتطبيقها، كما هو رهين بقدرة الأفراد على تحويل القيم المرتبطة بمجاله الثقافي والأخلاقي إلى سلوكٍ يومي. عند هذا التقاطع تحديدًا تتجسّد العدالة الاجتماعية ويتحقق مجتمع الكرامة والمساواة وحقوق المواطنة الكاملة: دولةٌ فاعلة، ومجتمعٌ يقظ، ومواطنٌ/مواطنةٌ يمتلكان القناعة والقدرة على ممارسة الحقّ. بهذه الشروط العملية والمرجعية، يغدو التحوّل في سيرورة ترسيخ المساواة والمناصفة واقعا لا شعارا.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق قلبى مكسور بالصور الفنانة رحمة حسن تعلن عن معاناتها الصحية لأول مرة بعد إصابتها بالصلع
التالى الداخلية تكشف ملابسات الفيديو المنتشر لطفل يقود سيارة نقل بالشرقية وتضبطه والده