صورة مميزة:
كشفت صحيفة “فاينانشال تايمز” هذا الشهر أن مجموعة من المستثمرين الإسرائيليين، وإحدى أكبر مجموعات استشارات الأعمال في العالم، ومركز أبحاث يرأسه رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، كانوا يعملون سرًا على خطط لاستغلال أنقاض غزة كعقارات رئيسية.
يبدو أن هذا التحالف السري كان يسعى إلى سبل عملية لتحقيق “رؤية” الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لغزة كـ”ريفييرا الشرق الأوسط”: تحويل هذا الجيب الساحلي الصغير إلى ملعب للأثرياء وفرصة استثمارية مغرية، بعد تطهيره عرقيًا من سكانه الفلسطينيين.
في الوقت نفسه، أعلنت الحكومة البريطانية منظمة “فلسطين أكشن” منظمة إرهابية – وهي المرة الأولى في تاريخ البلاد، التي تُحظر فيها جماعة حملة عمل مباشر بموجب تشريع مكافحة الإرهاب البريطاني الصارم أصلًا.
ومن الجدير بالذكر أن حكومة كير ستارمر اتخذت هذا القرار بعد ضغوط من شركة “إلبيت سيستمز”، وهي شركة إسرائيلية لتصنيع الأسلحة كانت مصانعها في المملكة المتحدة هدفًا لتعطيل “فلسطين أكشن”. تُزود “إلبيت” إسرائيل بطائرات مسيرة قاتلة وأسلحة أخرى كانت أساسية في الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة.
ظهرت هذه الاكتشافات في الوقت الذي نشرت فيه المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، تقريرًا بعنوان “من اقتصاديات الاحتلال إلى اقتصاديات الإبادة الجماعية”، يُسلّط الضوء على التورط الهائل للشركات الكبرى في جرائم إسرائيل في غزة والأرباح التي تجنيها منها.
في مقابلة مع الصحفي الأمريكي كريس هيدجز، خلصت السيدة ألبانيز، الخبيرة في القانون الدولي، إلى أن “الإبادة الجماعية في غزة لم تتوقف لأنها مربحة. إنها مربحة لكثيرين جدًا”.
وتُعدد السيدة ألبانيز عشرات الشركات الغربية الكبرى المتورطة بكثافة في قمع إسرائيل للشعب الفلسطيني.
وهذا ليس تطورًا جديدًا، كما تُشير. فلسنوات – بل عقود – دأبت هذه الشركات على استغلال الفرص التجارية التي يُتيحها احتلال إسرائيل العنيف للأراضي الفلسطينية.
ولم يُهدد الانتقال من الاحتلال الإسرائيلي لغزة إلى الإبادة الجماعية الحالية الأرباح؛ بل زادها. أو كما تقول السيدة ألبانيز: “ازدادت الأرباح مع تحول اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد إبادة جماعية”.
على مدار الواحد والعشرين شهرًا الماضية من المجازر في غزة، أصبح المقرر الخاص شوكةً في خاصرة إسرائيل ورعاتها الغربيين.
ومن اللافت للنظر أنه وصف تصريحاتها – رغم أنها متجذرة في القانون الدولي – بأنها “حرب اقتصادية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل”. ويبدو أن السيدة ألبانيز ونظام الأمم المتحدة لحقوق الإنسان العالمي الذي يدعمها يشكلان تهديدًا للأرباح الغربية.
نافذة على المستقبل:
تعمل إسرائيل كحاضنة أعمال عالمية بحكم الواقع – ولكن ليس فقط من خلال رعاية الشركات الناشئة.
بل إنها تتيح للشركات متعددة الجنسيات فرصة اختبار وتطوير أسلحة وآلات وتقنيات وعمليات جمع بيانات وأتمتة جديدة في الأراضي المحتلة. ترتبط هذه التطورات بالقمع الجماعي والسيطرة والمراقبة والسجن والتطهير العرقي – والآن الإبادة الجماعية.
في عالمٍ يشهد تناقصًا في الموارد وتفاقمًا في فوضى المناخ، من المرجح أن تجد تقنيات الاستعباد المبتكرة هذه تطبيقات محلية بالإضافة إلى استخداماتها الخارجية. غزة هي مختبر الأعمال، ونافذة على مستقبلنا.
في تقريرها المكون من 60 صفحة، كتبت السيدة ألبانيز أن بحثها “يكشف كيف أصبح الاحتلال الدائم ساحة اختبار مثالية لمصنعي الأسلحة وعمالقة التكنولوجيا… بينما يحقق المستثمرون والمؤسسات الخاصة والعامة أرباحًا طائلة”.
وأوضحت شركة الأسلحة الإسرائيلية رافائيل هذه النقطة بنشرها فيديو ترويجيًا لطائرتها المسيرة من طراز سبايك فاير فلاي، تُظهرها وهي تُحدد موقع فلسطيني وتُطارده وتُقتله فيما تُسميه “حرب المدن” في غزة.