رغم تسجيل انخفاض طفيف في نسبة البطالة على الصعيد الوطني، تُظهر المعطيات الأخيرة للمندوبية السامية للتخطيط استمرار هشاشة سوق الشغل بالنسبة للنساء، مع تفاقم معدلات البطالة في صفوفهن، مما يسلّط الضوء من جديد على محدودية نجاعة السياسات العمومية في إدماج المرأة المغربية اقتصاديا.
في مذكرتها حول وضعية سوق الشغل خلال الفصل الثاني من سنة 2025، أفادت المندوبية السامية للتخطيط بأن معدل البطالة على الصعيد الوطني تراجع من 13,1% إلى 12,8% مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية. ورغم أن هذا الانخفاض يبدو مؤشرا إيجابيا للوهلة الأولى، إلا أن التفصيل النوعي يكشف وجها آخر أكثر قتامة، خاصة بالنسبة للنساء.
فقد سجل معدل البطالة في صفوف النساء ارتفاعا بـ2,2 نقطة، لينتقل من 17,7% إلى 19,9%، بينما انخفض في صفوف الرجال من 11,7% إلى 10,8%. هذا التباين الصارخ يؤكد استمرار الفجوة بين الجنسين في الولوج إلى سوق الشغل والاستفادة من فرص العمل.
فجوة بين الجنسين
قالت سميرة موحيا، رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء، إن هذا الانخفاض الطفيف في البطالة لا يعكس تحسنا حقيقيا في أوضاع الشغل بالمغرب، بل يكشف استمرار التحديات البنيوية التي تعيق الإدماج الفعلي للنساء والشباب في سوق العمل. وأوضحت أن “نسبة البطالة ما تزال مرتفعة جدا، خاصة لدى النساء، وهو ما يدل على غياب إرادة سياسية حقيقية لتوفير فرص شغل لائقة تحفظ الكرامة وتستجيب لحاجيات الفئات الهشة”.
وأضافت موحيا، ضمن تصريح لهسبريس، أن الإحصائيات تُخفي واقعا أكثر تعقيدا، خاصة في العالم القروي والقطاع الفلاحي، حيث تشتغل أعداد كبيرة من النساء في ظروف تفتقر لأبسط شروط العمل اللائق، سواء من حيث الأجور أو السلامة أو الحماية الاجتماعية.
وحسب رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النسا، فإن المفارقة الكبرى التي تبرزها الأرقام والتحليلات الميدانية هي أن النساء يعانين ليس فقط من البطالة، بل أيضا من الهشاشة داخل سوق الشغل، حيث تتركز نسب كبيرة منهن في القطاع غير المهيكل، خاصة في الزراعة، والخدمات، والعمل المنزلي، بدون أي حماية قانونية أو اجتماعية.
وأشارت الحقوقية ذاتها إلى ضعف البنية التحتية والخدمات المرافقة، مثل النقل الآمن للعاملات الزراعيات، الذي يُسجَّل فيه سنويا عدد من الحوادث المميتة بسبب وسائل النقل غير الملائمة، ما يسلط الضوء على إهمال الدولة البعد الإنساني والاجتماعي في السياسات القطاعية.
ورغم تعدد البرامج والمبادرات التي أطلقتها الحكومات المتعاقبة من أجل تمكين النساء اقتصاديا، إلا أنها بقيت، حسب موحيا، “حبرا على ورق”، بفعل ضعف التنسيق بين المتدخلين، وغياب الانسجام، وتشتت الجهود، واعتماد مقاربات تقليدية غير قادرة على الاستجابة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية.
وأكدت المتحدثة لهسبريس أن الخطط الحكومية للمساواة، منذ 2012، ظلت رهينة “تصورات إيديولوجية محافظة” تستبطن أدوارا نمطية للمرأة وتكرس التمييز في تقسيم العمل، مما يجعلها عاجزة عن إحداث اختراق حقيقي في معدل نشاط النساء.
موحيا أفادت بأن النموذج التنموي الجديد، الذي حدد هدف رفع معدل النشاط الاقتصادي للنساء إلى 45% بحلول 2035، لم يرفق ذلك بآليات عملية وواضحة لضمان التفعيل، مما يحوّل الهدف الطموح إلى شعار فارغ من دون إجراءات ملموسة.
رغم إدماج بعض المقاربات النوعية، مثل “الميزانية المستجيبة للنوع”، في السياسات العمومية، إلا أن موحيا نبهت إلى غياب التفعيل على المستوى الترابي، حيث لا تعتمد الجماعات المحلية هذه المقاربة في إعداد برامج التنمية، ولا في تدبير الميزانيات، مما يُضعف أثرها على الفئات المستهدفة.
في ضوء هذا الوضع، اقترحت رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء جملة من الإجراءات لتجاوز الإخفاقات القائمة، من بينها وضع سياسات عمومية وبرامج تشغيل مستجيبة للنوع الاجتماعي، تراعي احتياجات النساء والفئات الأكثر هشاشة، وإحداث استراتيجيات قطاعية لتمكين النساء عبر التكوين والتأطير والولوج إلى التمويلات، وكذا تحفيز المقاولة النسائية بدعم خاص، وتوفير آليات تمويلية وتكوينية تميزها عن باقي المبادرات العامة.
ومن بين التوصيات التي قدمتها موحيا أيضا، ضمان الحق في العمل اللائق والأجر المتساوي بما يكرس مبدأ العدالة والمساواة، والربط بين الحياة المهنية والأسرية من خلال سياسات الحماية الاجتماعية وتعزيز البنيات التحتية المساندة (الحضانات، النقل، التأمينات…)، وأيضا تفعيل مقاربة النوع في السياسات الترابية والبرامج التنموية المحلية، مع ضرورة الاعتراف بالعمل غير المأجور داخل البيوت، ومراجعة أنظمة التصنيف المهني لتشمل جميع أشكال العمل النسائي.
تشغيل نسائي معطل
قالت نجية تزروت، رئيسة شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع، إن التباين في أرقام البطالة بين الجنسين “لا يمكن قراءته فقط كمعطى إحصائي، بل كمؤشر صارخ على استمرار اختلالات بنيوية عميقة في الولوج العادل والمنصف إلى سوق الشغل”.
وأضافت تزروت، ضمن تصريح لهسبريس، أن “هذا الواقع يعكس غياب رؤية اقتصادية شاملة تدرج مقاربة النوع الاجتماعي كأولوية في السياسات العمومية، ويكرس التهميش الممنهج لمشاركة النساء في الحياة الاقتصادية، خصوصا في ظل غياب بنى داعمة كالحماية الاجتماعية، والنقل، والرعاية”.
واعتبرت الفاعلة الحقوقية أن الأرقام “تعكس التمييز الهيكلي الذي تعاني منه النساء في سوق الشغل، وتؤكد أن المقاربة الاقتصادية والتنموية لا تزال غير منصفة من منظور النوع الاجتماعي”. مشيرة إلى أن ارتفاع معدل البطالة لدى النساء في مقابل تحسنه لدى الرجال يبرز الحاجة إلى سياسات عمومية دامجة تمكن النساء من الولوج إلى سوق العمل في ظروف عادلة، وتضمن لهن الاستقرار المهني والحماية الاجتماعية”.
وشددت تزروت على أن الأرقام هي دليل على “غياب تحفيزات حقيقية لإدماج النساء، خاصة في ظل ضعف تمكينهن الاقتصادي واستمرار الأدوار النمطية التي تقيّد مشاركتهن الفعلية في الحياة الاقتصادية… وكذلك تعد مؤشرا صارخا على استمرار التمييز المبني على النوع في السياسات العمومية المرتبطة بالشغل. هذا التباين لا يعكس فقط اختلالا رقميا، بل يترجم هيمنة منظومة مجتمعية واقتصادية تقصي النساء وتكرس الأدوار التقليدية التي تقيد مشاركتهن الكاملة”.
وتساءلت الفاعلة الحقوقية: “لماذا تواجه النساء عقبات مركبة: من بينها ضعف الولوج للتكوين المهني، غياب بنيات الحماية الاجتماعية، ضعف النقل، غياب فضاءات استقبال الأطفال، والأهم: ثقافة مجتمعية تحمل النساء مسؤولية الرعاية وتقلص من فرص تمكينهن الاقتصادي؟”.
ونبهت رئيسة شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع إلى أن “هذا الوضع يتطلب إعادة تفكير شاملة في السياسات العمومية، ترتكز على العدالة المجالية والاقتصادية، وتدرج النوع الاجتماعي في التخطيط والميزانيات، وتقطع مع المقاربة التي ترى في المرأة فئة هشة بدل كونها فاعلا اقتصاديا كاملا”.
وختمت تزروت تصريحها بالقول: “نحن كفاعلات في مجال الدفاع عن حقوق النساء نطالب بتحيين السياسات العمومية للتشغيل وفق مقاربة النوع، ووضع إجراءات ملموسة لتحفيز تشغيل النساء، وتوسيع فرص التكوين والتمكين الاقتصادي، ومحاربة الصور النمطية التي تقيد أدوارهن المجتمعية”.