منذ فجر التاريخ، راود حلم تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب عقول الخيميائيين، متأرجحًا بين أساطير حجر الفلاسفة وطموحات الثروة السريعة، ولقرون، ظل هذا الحلم محض وهم يسكنه الخيال، لكن في صيف 2025، أعلنت شركة "ماراثون فيوجن" الأمريكية الناشئة عن إنجاز قد يعيد كتابة قواعد اللعبة.
وقد زعمت الشركة أنها طورت تقنية لتحويل الزئبق إلى ذهب باستخدام مفاعل اندماج نووي من نوع "توكا ماك"، والسؤال الآن: هل نحن على أعتاب ثورة علمية تنهي أسطورة الذهب كرمز للندرة والقيمة؟ أم أن هذا الإعلان ليس سوى صدى حديث لأحلام الخيمياء القديمة؟.
وفي هذا التقرير، من سمارت فاينانس، نغوص في تفاصيل هذا الإنجاز المثير للجدل، مستعرضين الحقائق العلمية، والتحديات الاقتصادية، والتأثيرات المحتملة على سوق الذهب العالمي.
من الخيمياء إلى الفيزياء النووية
ولطالما كان تحويل العناصر حلماً يراود العلماء، وفي العصور الوسطى، حاول الخيميائيون، مثل جابر بن حيان، تحقيق هذا الهدف عبر تجارب كيميائية بدائية، لكنها كانت محكومة بالفشل بسبب محدودية المعرفة العلمية.
وفي القرن العشرين، أثبتت الفيزياء النووية إمكانية تحويل العناصر من خلال التفاعلات النووية، لكن التكلفة الباهظة والكميات الضئيلة جعلتها غير مجدية اقتصاديًا.
واليوم تقول "ماراثون فيوجن" إنها تجاوزت هذه العقبات باستخدام تقنية الاندماج النووي، حيث يتم استبدال بطانة المفاعل التقليدية المصنوعة من الليثيوم بسبيكة تحتوي على الزئبق-198، ليتم تحويله إلى ذهب-197 أثناء التفاعل.
وهذا الإنجاز، وفقًا للشركة، ليس الهدف الأساسي، بل نتيجة ثانوية لتفاعلات مصممة أصلًا لتوليد الطاقة النظيفة.
تقنية ثورية أم دعاية مبالغة؟
ووفقًا لتقارير صحفية، تستخدم "ماراثون فيوجن" مفاعل "توكا ماك"، وهو تصميم متقدم للاندماج النووي يعتمد على حصر البلازما عبر مجالات مغناطيسية قوية، حيث أن الشركة تدعي أن هذه العملية تتيح تحويل نظائر الزئبق إلى ذهب بكفاءة غير مسبوقة.
ومع ذلك، أثارت هذه الادعاءات جدلاً واسعًا، فالبعض يراها ثورة علمية قد تغير قواعد إنتاج الطاقة والمواد الثمينة، بينما يعتبرها آخرون مجرد "وهم عصري" مغلف بالتكنولوجيا.
وعلى سبيل المثال، أشارت صحيفة "فاينانشيال تايمز" إلى أن هذا الإنجاز قد يكون خطوة نحو تحقيق حلم قديم، لكنها حذرت من أن التطبيقات التجارية لا تزال بعيدة المنال بسبب التحديات التقنية والاقتصادية.

التأثير على سوق الذهب: هل تنهار الأسطورة؟
ويعد الذهب تاريخيًا رمزًا للثروة والاستقرار، حيث بلغت مشترياته العالمية في الربع الثاني من 2025 حوالي 1249 طنًا، مدفوعة بالطلب الاستثماري والجيوسياسي، وفقًا لمجلس الذهب العالمي، ولكن، إذا نجحت "ماراثون فيوجن" في إنتاج الذهب بكميات تجارية، فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار السوق.
وتوقعات أسعار الذهب لعام 2025 تشير إلى ارتفاع محتمل إلى 3500-4000 دولار للأونصة، مدفوعًا بعوامل مثل التضخم وخفض أسعار الفائدة، ولكن إغراق السوق بالذهب المصنع قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار، مما يهدد مكانة الذهب كملاذ آمن.
ومع ذلك، يرى خبراء أن هذا السيناريو غير مرجح على المدى القريب، فالتكلفة العالية لتشغيل مفاعلات الاندماج النووي، إلى جانب التحديات اللوجستية، تجعل الإنتاج التجاري للذهب غير مجد اقتصاديًا في الوقت الحالي.
كما أن الذهب المنتج نوويًا قد يواجه تحفظات في السوق بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة أو القبول الثقافي.
وإعلان "ماراثون فيوجن" يمثل خطوة جريئة نحو تحقيق حلم قديم، لكنه يثير أسئلة أكثر مما يقدم إجابات، هل ستصبح تقنية تحويل الزئبق إلى ذهب واقعًا تجاريًا، أم ستبقى تجربة مختبرية؟ وهل سيحتفظ الذهب بمكانته كرمز للثروة، أم أننا نشهد بداية نهاية أسطورته؟.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.