في وقت تترنح فيه حركة التجارة العالمية تحت وطأة الاضطرابات الجيوسياسية، وارتفاع مستويات المخاطر في سلاسل الإمداد، نجحت الصادرات المصرية في تسجيل أداء استثنائي خلال النصف الأول من عام 2025، لتفرض نفسها كأحد أبرز قصص النجاح الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
فبينما تشهد الاقتصادات تباطؤا واضحا في قدرتها على النفاذ إلى الأسواق، تسير الصادرات المصرية عكس التيار، محققة نموا ملحوظا في الحجم والقيمة، ومقدمة تحولا نوعيا في هيكل القطاعات التصديرية، وسط استراتيجيات حكومية تهدف إلى توسيع القاعدة الإنتاجية، ورفع كفاءة الصناعات المحلية، وتعزيز قدرة المنتج المصري على التواجد بثقة في الأسواق الدولية.
طفرة كبيرة.. 23% نموا في إجمالي الصادرات
حققت الصادرات المصرية إجمالا خلال الفترة من يناير وحتى نهاية مايو 2025، ما قيمته 21.7 مليار دولار، مقارنة بنحو 17.6 مليار دولار في الفترة نفسها من عام 2024، بنسبة نمو بلغت 23%.
هذا النمو القوي جاء مدفوعا بعدة عوامل، في مقدمتها السياسات الحكومية لتحفيز الإنتاج الصناعي والتوسع في برامج دعم الصادرات، فضلا عن تنويع الشركاء التجاريين والانفتاح على أسواق غير تقليدية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
كما يعكس هذا الأداء قدرة الاقتصاد المصري على الحفاظ على مساره التصديري في ظل بيئة دولية مضطربة، وهو ما يفتح المجال لمزيد من الطموحات المتعلقة بزيادة مساهمة الصادرات السلعية في الناتج المحلي الإجمالي، وخفض الاعتماد على الواردات في بعض القطاعات.

الذهب يزيح الحديد.. ومواد البناء في الصدارة
شهدت خريطة القطاعات التصديرية المصرية تغيرا محوريا خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، حيث تقدم قطاع مواد البناء إلى قمة قائمة الصادرات، بإجمالي بلغ 6.5 مليار دولار، محققا نموا قياسيا بنسبة 61% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
ويقف خلف هذه القفزة الاستثنائية الارتفاع الكبير في صادرات الحلي والذهب، التي تجاوزت وحدها 3.6 مليار دولار، بنسبة نمو غير مسبوقة وصلت إلى 244%، ما يجعل الذهب المحرك الأبرز لهذا التحول في هيكل الصادرات، ومؤشرا واضحا على نجاح مصر في اقتحام أسواق جديدة بمنتجات عالية القيمة ومطلوبة عالميا.
1.34 مليار دولار صادرات الملابس الجاهزة
في قطاع الصناعات النسيجية، حققت الملابس الجاهزة أداء إيجابيا لافتا، بعدما تجاوزت صادراتها 1.34 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025، محققة نموا قويا بنسبة 24% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.
ويرتبط هذا النمو بعدة عوامل محورية، أبرزها تحسن جودة التصنيع المحلي، والاستفادة القصوى من اتفاقيات التجارة الحرة التي تربط مصر بعدد من التكتلات الاقتصادية، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي ودول الخليج والدول الأفريقية.
كما ساهم التوسع في استهداف أسواق جديدة بالمنطقة العربية وأوروبا الشرقية، فضلًا عن الاعتماد المتزايد على خطوط إنتاج تواكب متطلبات الأذواق العالمية، في تعزيز موقع مصر كمصدر رئيسي للملابس الجاهزة.

أداء مستقر للصناعات الغذائية والحاصلات الزراعية
حافظت الصناعات الغذائية على مكانتها التصديرية الجيدة، بصادرات إجمالية بلغت 2.9 مليار دولار، بنمو سنوي بلغ 5.7%، وهو نمو يعكس استمرار الطلب على المنتجات المصرية ذات الجودة العالية والسعر المناسب في أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا.
أما الحاصلات الزراعية فقد سجلت أداء معتدلا، بإجمالي صادرات قيمته 2.5 مليار دولار، وبنسبة نمو بلغت 5%، ما يدل على مرونة هذا القطاع، رغم ما يواجهه من تحديات في النقل والتسويق والتخزين، والتي لا تزال تحد من قدرته على تحقيق طفرات أكبر.
وتشير المؤشرات إلى وجود فرص كبيرة لمضاعفة صادرات المنتجات الزراعية والغذائية إذا ما تم الاستثمار بشكل أوسع في منظومات التعبئة والتغليف والتبريد اللوجستي، وتحديث البنية التحتية الزراعية.
محدودية نمو صادرات الكيماويات والأسمدة
سجل قطاع الحديد والصلب تراجعا واضحا، بعدما انخفضت صادراته بنسبة 15% خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام، في دلالة على ضعف الطلب في بعض الأسواق، أو المنافسة السعرية القوية من دول أخرى.
أما قطاع الكيماويات والأسمدة، فقد احتل المركز الثاني في قيمة الصادرات بإجمالي 3.9 مليار دولار، إلا أن معدل النمو ظل محدودا عند 12.3%، ما يشير إلى حالة من الاستقرار في الأداء دون تسجيل قفزات جديدة.
ماذا تحتاج الصادرات المصرية لتحقيق مزيد من النمو؟

تظهر قراءة شاملة لمؤشرات النصف الأول من 2025 أن الصادرات المصرية بدأت تدخل مرحلة جديدة من التحول الهيكلي، حيث صعدت بعض القطاعات بقوة إلى قمة المشهد، مثل الذهب ومواد البناء، فيما حافظت قطاعات أخرى على أداء ثابت، بينما شهدت بعض الصناعات التقليدية تراجعا يحتاج إلى مراجعة وتقييم.
هذا التنوع في الأداء يفرض على صانع القرار الاقتصادي مواصلة دعم القطاعات عالية النمو، مع وضع خطط تحفيزية للقطاعات المتراجعة، وتعزيز الابتكار الصناعي، وتوسيع آفاق التصنيع التكنولوجي، بما يضمن استدامة النمو التصديري في ظل بيئة عالمية لا تزال محاطة بالتقلبات والتحديات.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.