أخبار عاجلة

رؤية شاملة في خطاب العرش

رؤية شاملة في خطاب العرش
رؤية شاملة في خطاب العرش

عيد العرش المجيد هو يوم الوفاء والإخلاص لملك البلاد وقائد الأمة، الذي حمل الأمانة بكل ثقة، وسار بالوطن نحو بَرِّ الأمان بخطوات راسخة في عالم مليء بالتحديات والمتغيرات. عيد العرش هو يوم تجديد البيعة المقدسة بين شعب وفيٍّ وملك عظيم، لينفرد هذا الوطن بالرفعة والاحترام والتقدير بين الأوطان والأمم.

حب الشعب المغربي لجلالة الملك محمد السادس يتجسد يوميًا في سلوك وطني، عنوانه الكبير لازمة “عاش الملك” التي تحولت من شعار لمختلف فئات الشعب – مختلطة بالأهازيج والزغاريد – إلى أسلوب حياة للشعب المغربي، “أذكى شعوب العالم”. فالعلاقة الفريدة بين الشعب المغربي وعرشه هي الأساس المتين لقوة المغرب ومرونته. هذه العلاقة التي تتجاوز مفهوم الحكم التقليدي لتصبح رابطًا عاطفيًا وروحيًا عميقًا، تمنح المغرب خصوصيته وتفرده. فعبارة “عاش الملك” التي يرددها المغاربة ليست مجرد شعار، بل هي تعبير عن بيعة متجددة وولاء لا يتزعزع، يجدد في كل مناسبة وطنية – وعلى رأسها عيد العرش – العهدَ على مواصلة مسيرة البناء تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، الذي يظل بعطفه الأبوي رمزًا لوحدة الأمة وعزتها وتقدمها.

الشعب المغربي يدرك – من خلال مسار تاريخي ضارب جذوره في التاريخ الإنساني – أن المؤسسة الملكية في المغرب، بقيادة العرش العلوي المجيد، هي الحصن الأول والأخير له في مواجهة المخاطر والتحديات المحيطة به؛ لأن جلالة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، هو المعبِّر الدائم عن تطلعات وآمال الشعب المغربي، والقائد الأوحد لنضالاته من أجل الحرية والعدالة والعيش الكريم. فهو الحاضر بين شعبه، والقريب من آمالهم وتطلعاتهم، رمزًا للأمن، وصوتًا للعدل، وظلًا وارفًا لهذا الوطن العزيز.

يستلهم الشعب المغربي من احتفالات عيد العرش المجيد إرادة قوية لمواصلة مسيرة البناء والتنمية. فكل إنجاز تحقق على أرض الواقع، وكل مشروع أُطلق، يمثل حجر زاوية في صرح المغرب الحديث الذي يرسم معالمه جلالة الملك محمد السادس من خلال رؤية ملكية متبصرة، تعضدها الاختيارات الصائبة. حيث إن هذا التلاحم بين العرش والشعب ليس مجرد رمز، بل هو محرك حقيقي للتغيير الإيجابي؛ يبعث الأمل في نفوس المواطنين، ويحثهم على العمل والمساهمة الفعّالة في بناء مستقبل زاهر للأجيال القادمة. عيد العرش هو قصة ملك ووطن وشعب يتقدمون بخطى ثابتة نحو تحقيق الطموحات الكبرى، مستمدين القوة من عمق تاريخهم ووعيهم بمسؤولية الحاضر.

وعلى هذا الأساس، أثبتت المملكة المغربية – تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس – قدرتها على مواجهة التحديات بفضل الرؤية الثاقبة والقرارات الحكيمة. ففي ظل المتغيرات العالمية المعقدة، تمكن المغرب من الحفاظ على استقراره وتماسكه الاجتماعي، وتحقيق منجزات اقتصادية وسياسية مهمة جعلته نموذجًا يُحتذى به في المنطقة. هذه الإنجازات لم تكن لتتحقق لولا إيمان الشعب المغربي بقائده، وتشبثه بالثوابت الوطنية، وتجسيد الوحدة الوطنية كقيمة عليا تحصن الأمة من كل المخاطر.

الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربُّع جلالته على عرش الدولة العلوية المجيدة، أكد حرص جلالته على تحقيق كل مقومات العيش الكريم للشعب المغربي، من خلال إصراره على العدالة المجالية في التنمية، وضرورة استفادة مختلف مناطق المغرب من جهود التنمية المستدامة؛ عبر التنزيل السليم لمقتضيات النموذج التنموي الجديد؛ لضمان الصعود الاقتصادي والاجتماعي، وبناء مقومات اقتصاد تنافسي متنوع ومنفتح، في إطار ماكرواقتصادي سليم ومستقر.

ومن هذا المنطلق، وجَّه جلالته في الخطاب الملكي السامي مختلف الفاعلين والمتدخلين إلى ضرورة الانتقال إلى مغرب العدالة المجالية والتنموية، لأنه – كما أكد جلالته في خطابه السامي: “لا يتماشى مع تصورنا لمغرب اليوم، ولا مع جهودنا في سبيل تعزيز التنمية الاجتماعية، وتحقيق العدالة المجالية.” انتهى الاقتباس. من خلال دعوته المباشرة والواضحة: “إلى الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية، إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة.” انتهى الاقتباس. بالارتكاز على: “جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية.” انتهى الاقتباس.

حيث طرح جلالته في خطابه السامي مفهوم “التأهيل الشامل للمجالات الترابية” الذي يشكل محورًا رئيسيًا ضمن الرؤية الملكية؛ لتحقيق تنمية متوازنة ومنصفة لكافة مناطق الوطن. يتجاوز هذا النهج المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية، ليتبنى مقاربة مجالية مندمجة، تسعى لسد الفجوات التنموية الاجتماعية والمجالية، وضمان وصول ثمار التقدم والازدهار لكل المواطنين دون تمييز، مؤكدة على المبدأ الجوهري: “لا مكان اليوم ولا غدًا لمغرب يسير بسرعتين”. يعتمد هذا التأهيل على ركائز أساسية تتجلى في: تثمين القدرات والخصوصيات المحلية لكل منطقة، وتفعيل آليات الجهوية المتقدمة بمنح صلاحيات أوسع للجهات في التخطيط والتنفيذ، فضلًا عن تعزيز مبادئ التكامل والتضامن بين الجهات، وتحفيز الاستثمار المحلي لدعم خلق فرص الشغل، وتحسين جودة الخدمات الاجتماعية الأساسية كالتعليم والصحة، مع تبني استراتيجيات مستدامة لإدارة الموارد المائية؛ لمواجهة تحديات الإجهاد المائي وتغير المناخ.

فالطموح الأكبر وراء هذا التأهيل الشامل هو التحول نحو تنمية مجالية مندمجة، حيث تتضافر جهود جميع الفاعلين المحليين، وتُعبَّأ الموارد المالية والبشرية بفعالية قصوى. لهذا الغرض، كان التوجيه الملكي بتبني جيل جديد من برامج التنمية الترابية التي تركز على إطلاق مشاريع تأهيل متكاملة تنسجم مع الأوراش الوطنية الكبرى، وتعمل على سد النقص الحاصل في البنى التحتية الأساسية وتجهيزات القرب – لا سيما في المناطق النائية والصعبة الوصول. تتضمن هذه البرامج محاور عمل واضحة ومشاريع ذات تأثير ملموس، تهدف إلى بناء مغرب مزدهر وعادل للجميع.

الخطاب الملكي السامي أكد على الدور الاستراتيجي للوحدة المغاربية كإطار إقليمي للاستقرار والأمن والازدهار. فهذا الاهتمام الملكي بالوحدة المغاربية ليس وليد اللحظة، بل هو إرث تاريخي للعرش العلوي المجيد، ويترجم حرص العقل الاستراتيجي المغربي على أن تكون الوحدة المغاربية هدفًا استراتيجيًا جيوسياسيًا، يضمن الحقوق التاريخية لشعوب المنطقة في الاستقرار والسلام والأمن، في ظل نظام سياسي قوي وفاعل إقليميًا ودوليًا، في زمن التكتلات الجهوية الكبرى. وهو ما يؤكده المسار الأكاديمي لجلالته؛ ففي 29 أكتوبر 1993، نال الملك محمد السادس شهادة الدكتوراه في الحقوق بميزة “مشرف جدًا” من جامعة نيس صوفيا أنتيبوليس الفرنسية، وذلك إثر مناقشة أطروحة استشرافية حول موضوع: “التعاون بين السوق الأوروبية المشتركة واتحاد المغرب العربي”. هذا البحث الأكاديمي المتعمق يكشف عن فهم مبكر وعميق للأبعاد القانونية والاقتصادية والسياسية للتعاون الإقليمي والدولي لدى جلالته. كما أن اختيار هذا الموضوع تحديدًا يؤكد على قناعة الملك الراسخة بأن مستقبل المغرب لا يمكن فصله عن محيطه الإقليمي المغاربي، وأن الطريق نحو تحقيق تنمية مستدامة يمر عبر شراكة فعالة ومندمجة بين دول المنطقة، تستلهم من التجارب الناجحة مثل تجربة الاتحاد الأوروبي. هذه المعطيات تظهر أن الرؤية الملكية للوحدة المغاربية ليست مجرد خطاب سياسي، بل هي نتاج دراسة أكاديمية رصينة، وتحليل استراتيجي عميق، وخبرة زعيم مغاربي له رؤيته الخاصة والمتفردة للوحدة المغاربية.

تتجسد هذه الرؤية الاستراتيجية في المقاربة الملكية السامية المتمثلة في “اليد الممدودة” تجاه الشعب الجزائري الشقيق. فهي ليست مجرد مبادرة حسن نية، بل هي رؤية دبلوماسية عميقة تدرك حقيقة الإكراهات السياسية والتحديات الجيوسياسية، وطبيعة بعض الأنظمة التي ترفض أي تسوية إقليمية تؤمن بالسلام والاستقرار. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية تؤكد على مبدأ أساسي مفاده أن مصير الشعوب المغاربية هو مصير واحد، وأن تجاوز الخلافات هو السبيل الوحيد نحو تحقيق التكامل الإقليمي المنشود، وتأسيس إطار تعاوني وتشاركي يخدم مصالح الأجيال القادمة.

الخطاب الملكي أشاد بالموقف البريطاني والبرتغالي من الوحدة الترابية للمملكة المغربية، في تأكيد على الحرص الملكي السامي للحسم النهائي لهذا النزاع الإقليمي المفتعل، وفق المبادئ الدبلوماسية والحوار السياسي البناء، في إطار مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كحل متوافق عليه لطي هذا الملف الذي يهدد ميكانيزمات الاستقرار والسلام لشعوب المنطقة. فهذا التأكيد يُجسد الرؤية الثابتة للمغرب تجاه قضيته الوطنية، وسعيه الدؤوب نحو إيجاد حل واقعي وعملي يُؤمن سيادته ووحدته الترابية، ويُعزز مفاعيل الأمن الإقليمي.

على سبيل الختم، خطاب عيد العرش المجيد لهذا العام لم يكن مجرد مناسبة احتفالية، بل كان خارطة طريق واضحة المعالم، تؤسس لمرحلة جديدة من البناء والتنمية الشاملة. حيث أكد جلالة الملك محمد السادس – نصره الله – برؤيته الثاقبة وحكمته المعهودة، على أهمية العدالة المجالية كركيزة أساسية لضمان تنمية متوازنة يستفيد منها جميع المغاربة دون استثناء. كما جدد التأكيد على أن الوحدة الترابية للمملكة خط أحمر لا مساومة عليه، وأن اليد الممدودة للجارة الجزائر وللشعب الجزائري الشقيق تعكس إيمان المغرب العميق بمستقبل مغاربي موحد ومزدهر. هذه الرؤية الملكية، المدعومة بتلاحم شعبي لا يتزعزع، تضع المغرب على مسار صاعد نحو تحقيق طموحاته الكبرى، وتعزز مكانته كفاعل إقليمي ودولي موثوق به، قادر على مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص لتحقيق التقدم والرخاء. فعيد العرش هو محطة متجددة لتأكيد الولاء، وتجديد البيعة والعهد، واستلهام الإرادة لمواصلة مسيرة البناء تحت قيادة ملكية حكيمة، نحو مستقبل أكثر إشراقًا للمغرب وللشعب المغربي العظيم.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق "جولدمان ساكس": المركزي قد يبقى على أسعار الفائدة دون تغيير
التالى عاجل.. واشنطن تفرض عقوبات ضد السلطة الفلسطينية