شددت ستيفنس هيبرارد، منسقة شعبة قانون الأسرة بمحكمة باريس، أمس الثلاثاء بالرباط، على أن تسعير العمل المنزلي بعد الطلاق في الجمهورية الفرنسية يعود إلى تقدير القاضي بغرض تحقيق الإنصاف، موضحة أنه “مع ذلك لا يوجد مقياس شامل يمكن التعاطي به مع كافة القضايا المماثلة؛ وهو ما يطرح صعوبة كبيرة للنساء في السياق الفرنسي وكان محطّ انتقادات لاذعة أحيانا في الجمهورية”.
وقالت هيرارد إن “تقدير المبلغ، كما حدده المشرّع الفرنسي، يأخذ في الحسبان مدة الزواج؛ وبالتالي الفرص المتاحة أمام الطرف المتضرر للتعافي ماديا بعد الطلاق”، موضحة أنه “عندما يستمر الزواج لبضع سنوات، تكون فرص التعويض بالنسبة لطرف ما مختلفة عن وضعية أخرى استمر فيها الزواج لمدة 20 أو 30 سنة ولم تشتغل فيها الزوجة أبدا وكانت تلزم البيت فحسب”.
وأشارت المسؤولة الفرنسية، التي كانت تتحدث خلال ندوة دولية حول “الاعتراف بقيمة العمل المنزلي واحتسابه في حالات الطلاق – تجارب مقارنة”، تنظمها وزارة العدل بشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا في إطار برنامج التعاون الثلاثي MA-JUST، إلى أن “إحدى الصعوبات الموجودة في فرنسا أن إجراءات الطلاق وإجراءات تقسيم الممتلكات ليست متزامنة؛ وهو ما يصعب تصفية التركة أحيانا”.
هذه الصعوبة، وفق المتحدثة الفرنسية، يواجهها القاضي بدوره؛ إذ “يكون مطالبا بتحديد استحقاق تعويضي جزافي في وقت الطلاق، مع أنه لا تكون لديه غالبا ضمانات بشأن النتيجة”، خصوصا أنه “لا توجد طريقة رسمية لاحتساب قيمة أعمال الأسرة أو أي تعويض ذي صلة؛ بمعنى المشرع قد وضع عددا من المعايير في المادة 271 من القانون المدني الفرنسي، ولكنها لا تضمن طريقة حساب رياضية رسمية”.
وتنص المادة المذكورة على أن الاستحقاق التعويضي يحدد وفقا لاحتياجات الزوج الذي يدفع له ولموارد الآخر، مع مراعاة الحالة في وقت الطلاق ونموه في المستقبل؛ إذ يراعي القاضي تحقيقا لهذه الغاية، وبصفة خاصة مدة الزواج وسن الزوجين وصحتهما وكذا مؤهلاتهما وتموقعهما المهني بالإضافة إلى عواقب الاختيارات المهنية التي يتخذها أحد الزوجين أثناء الزواج لتعليم الأطفال والوقت الذي سيظل مكرسا لها”.
هذا بالإضافة إلى مراعاة “الأصول المقدرة أو المتوقعة للزوجين، من حيث رأس المال والدخل، بعد تصفية الممتلكات الزوجية والحقوق القائمة والمتوقعة ووضعية معاشات التقاعد لكل منهما”؛ فيما تشير المادة 272 إلى أنه “عند تحديد استحقاق تعويضي من جانب القاضي أو الأطراف، أو عند تقديم طلب إعادة النظر، يقدم الطرفان إلى القاضي تصريحا بالشرف يشهد بصحة الموارد المصرح بها ودخلهما وثروتهما وظروفهما المعيشية”.
وأوردت ستيفنس هيبرارد في عرضها أيضا المادة 270 من النص نفسه التي تقرّ “نهاية المساعدة بين الزوجين عند الطلاق”، مبرزة أن “أحد الزوجين يمكن أن يدفع للآخر استحقاقا بغرض تعويضه، قدر الإمكان، عن التفاوت الذي قد يخلقه انهيار الزواج في الظروف المعيشية لكل منهما. هذا الاستحقاق هو مبلغ يؤخذ في شكل رأس مال ويحدد القاضي سعره”.
ومع ذلك، يجوز للقاضي، وفق المادة عينها، أن “يرفض منح مثل هذا الاستحقاق إذا اقتضى الإنصاف ذلك؛ إما بالنظر إلى المعايير المنصوص عليها في المادة 271، أو عند إعلان الطلاق بسبب خطأ حصري من الزوج الذي يطالب بالاستحقاق، في ضوء الظروف الخاصة بإنهاء الرابط الأسري”.
وقالت منسقة شعبة قانون الأسرة بمحكمة باريس، الثلاثاء بالرباط، إن “حساب التفاوت في رؤوس الأموال وفي قيمة الدخل يراعي بالضرورة المدة المتوقعة لعمل الشخص الذي يقدم طلب الحصول على تعويض بالإضافة إلى حقوق التقاعد الخاصة به”، موردة أنه “تتم مراعاة النفقات الأخرى؛ بما في ذلك المساهمة في تربية الأطفال، وكذا التضحيات التي يمكن أن تكون المرأة قدمتها للتفرغ لرعاية الأسرة”.
وقد شارك في الندوة ثلة من الخبراء والقضاة والأكاديميين من دول أوروبية متعددة؛ من بينها فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وألمانيا والبرتغال وسويسرا وإيرلندا. واستعرض المشاركون تجارب بلدانهم في مجال احتساب العمل المنزلي ضمن آليات توزيع الثروة الزوجية والتعويضات، سواء من خلال النصوص القانونية أو الاجتهاد القضائي أو الوساطة الأسرية.
وتناولت المداخلات نماذج رائدة؛ مثل نظام التعويض المالي عن العمل المنزلي في القانون الإسباني (المادة 1438)، والمقاربة الفرنسية التي تعتمد مبدأ الإنصاف في منح المستحقات، وكذا النماذج السويسرية والبلجيكية التي تولي أهمية للمجهود المنزلي ضمن منطق تقاسم الأعباء والمكتسبات.