ما لا تعرفه عن «حب عمر» زياد الرحباني.. في لحظة تختلط فيها مشاعر الحب بالفقد، حرصت الفنانة اللبنانية كارمن لبس على حضور مراسم وداع الموسيقار الراحل زياد الرحباني في كنيسة رقاد السيدة بمنطقة بكفيا، شمال شرق بيروت.
رحل زياد صباح السبت عن عمر ناهز 69 عامًا، تاركًا خلفه تاريخًا فنيًا وعاطفيًا طويلًا.

ما لا تعرفه عن «حب عمر» زياد الرحباني
كانت كارمن من أوائل من وصلوا إلى الكنيسة، وما إن أبصرت نعشه حتى انهمرت دموعها بعفوية جارحة، واحتضنته كما لو كانت تحاول استعادة لحظة أخيرة من دفء الذكرى، وقد غلبها البكاء ورفضت الابتعاد، عبّر عن حب لم يُمحَ رغم مرور السنين.
حب عمر زياد الرحباني
سيطر الصمت الثقيل والذهول على أجواء الكنيسة، بينما تجسدت في ملامح كارمن كل تفاصيل الانهيار. لم تكن تودّع فنانًا وحسب، بل رجلًا كانت تربطها به علاقة استثنائية جمعت الفن والحياة والروح.
قصة بدأت على خشبة المسرح وأثمرت حبًا غير تقليدي
تعود بداية العلاقة بين زياد وكارمن إلى عام 1980، عندما شاركت وهي في عمر الـ17 في مسرحيته الشهيرة "فيلم أمريكي طويل". وقتها، كان زياد في الـ24 من عمره، وشدّته جرأتها الفطرية وموهبتها اللافتة رغم حداثة سنّها.
من شراكة مسرحية إلى علاقة قلبية
ما بدأ كمجرد تعاون فني تطوّر إلى علاقة إنسانية عميقة. جمعت بينهما كيمياء لا تخطئها العين، وتقاطعت أرواحهما على خشبة المسرح قبل أن تتلاقى في الحياة، وقد تحول هذا التقاطع بمرور الوقت إلى علاقة حب امتدت قرابة 15 عامًا.
ورغم عدم وجود زواج قانوني، جمعتهما علاقة التزام ووفاء نادرة، وثّقها زياد بخط يده على ورقة تعهّد، حملت معنى أعمق من العقود الرسمية.
وأكدت كارمن في لقاءاتها أن الحب الصادق كان كافيًا لتشعر بأنها زوجته، رغم غياب الاعتراف المجتمعي.
أيام في "المركز".. حياة خارج النمط التقليدي
لم يكن منزلهما بيتًا بالمعنى المعروف، بل كان مكانًا يعرف بـ "المركز" – مزيج بين بيت واستوديو، يضم أوراق موسيقية، آلة بيانو، خزانة ملابس، وغرفة نوم، وصفته كارمن بأنه أشبه بمختبر إبداعي، يضج بالحياة والنقاشات والمشاريع المسرحية.
كيمياء فنية لا تُنسى وأعمال خالدة
لم تكن كارمن مجرد شريكة حياة، بل كانت شريكة درب فني أيضًا. تألقت إلى جانب زياد في أعماله المسرحية الأكثر جرأة، مثل "نزل السرور" و"بخصوص الكرامة والشعب العنيد" و"بما إنّو"، وأثبتت حضورًا قويًا بفضل أدائها الواقعي والعميق.
ومن أبرز تجليات حب زياد لكارمن، أغنية "عندي ثقة فيك" التي كتبها ولحنها وغناها خصيصًا لها في عيد ميلادها، وكانت هذه الأغنية بمثابة إعلان غير مباشر عن علاقة تجاوزت حدود المسرح إلى عمق المشاعر.
ومع منتصف التسعينيات، بدأت الضغوط تتسلل إلى علاقتهما، خاصة بسبب الأعباء المالية، حيث لم تحقق الأعمال المسرحية العوائد المتوقعة، كارمن تحدثت لاحقًا عن هذه الفترة، وأشارت إلى تأثير الناس المحيطين، الذين ساهموا في تأزيم الوضع.
كارمن تحكي عن قصتها مع زياد الرحباني
في حديث صريح، أقرت كارمن بأنها لم تكن ناضجة كفاية لتُعبّر عن مشاعرها أو تطلب ما تحتاجه بوضوح، كانت تظن أن زياد سيفهم دون شرح، مما ساهم في اتساع الفجوة بينهما.
ومن جانبه، وصف زياد الرحباني، العلاقة بأنها كانت دائمًا مؤقتة في الظاهر، لكنها استمرت لأكثر من عشر سنوات.
وقال في إحدى المرات: "كم سنة بيحق للمؤقت يكون؟" في إشارة إلى التناقض بين النية والنهاية.
ورغم الانفصال، حافظ الطرفان على علاقة يسودها الاحترام، دون تراشق أو تصفية حسابات، وظلت الذكريات حاضرة بينهما، حتى بعد محاولتهما الفاشلة لإحياء العلاقة مجددًا في 2004 و2005، حين اكتشفا أن الزمن قد غيّرهما من الداخل.
وعن تلك المحاولة الأخيرة، قالت كارمن: "كنا اتغيّرنا فعلًا، وكل واحد بقى شايف الدنيا من زاوية مختلفة"، لتغلق بذلك فصلًا طويلًا من الحب، لم ينتهِ في القلب، وإن انتهى في الحياة.