بينما كانت مصر قبل أعوام تتباهى بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، تنقلب المعادلة الآن على وقع تحديات اقتصادية حادة، فمن خطط التوسع في التصدير إلى سباق محموم نحو الاستيراد، تواجه البلاد اليوم واقعًا جديدًا يتطلب إعادة ترتيب الأولويات وإعادة تقييم الطموحات.
التقارير القادمة تكشف عن موجة استيراد جديدة قد ترفع فاتورتها إلى حدود العشرين مليار دولار سنويًا، في مشهد يعكس تحولات كبرى في قطاع الطاقة المصري.
كشفت مصادر عن اعتزام مصر التوسع في استيراد الغاز الطبيعي المسال خلال السنوات القليلة المقبلة، وهو توجّه من شأنه أن يعمّق من الأعباء المالية على الدولة ويعكس تحوّلاً استراتيجياً في سياسة الطاقة.
مفاوضات مع قطر لإبرام اتفاقيات إضافية لتوريد الغاز المسال
وبحسب هذه المصادر، التي فضّلت عدم الإفصاح عن هويتها، فإن الحكومة المصرية أبرمت عقودًا طويلة الأجل تمتد لعشر سنوات لضمان استمرارية البنية التحتية لاستيراد الغاز، كما تُجري مفاوضات مع قطر لإبرام اتفاقيات إضافية لتوريد الغاز المسال.
وتسعى القاهرة من خلال هذه الخطوات إلى سد الفجوة المتزايدة بين الإنتاج المحلي المتراجع والطلب المتصاعد، خصوصًا في قطاع الكهرباء الذي يواجه ضغوطًا إضافية بفعل تغيرات مناخية متسارعة ونمو سكاني مرتفع في شمال أفريقيا.
لكن هذه الخطة قد تؤخر عودة مصر إلى خريطة التصدير حتى بعد 2027، ما يعكس تراجعاً في الطموحات التي بُنيت عقب اكتشافات الغاز الكبرى في البحر المتوسط خلال العقد الماضي.
سد الفجوة المتزايدة بين الإنتاج المحلي المتراجع والطلب المتصاعد
التحول إلى استيراد الغاز بكثافة يحمل معه تكلفة اقتصادية ضخمة؛ إذ تُقدّر فاتورة الاستيراد هذا العام بنحو 20 مليار دولار، ارتفاعًا من 12.5 مليار دولار في 2024.
وهذا التزايد في النفقات يأتي في وقت تواجه فيه الدولة المصرية تحديات تمويلية واسعة، خاصة في ظل تراجع إيرادات قناة السويس بسبب توتر الأوضاع في البحر الأحمر، رغم المؤشرات الإيجابية المتوقعة في قطاع السياحة.
وكانت مصر قد حصلت العام الماضي على حزمة دعم مالي بقيمة 57 مليار دولار ضمن خطة لإعادة هيكلة الاقتصاد، لكن تزايد واردات الغاز المسال قد يشكل تهديدًا لاستقرار ميزان المدفوعات ويضغط على السيولة الدولارية.
وفي هذا السياق، وصف ريكاردو فابياني، المدير المؤقت لبرنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، نقص الغاز بأنه "أحد أخطر التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري في المستقبل القريب".
ورغم خطورة الوضع، لم تصدر وزارة البترول حتى الآن أي تعليق رسمي بشأن خطة الاستيراد الموسعة، مما يزيد من الغموض المحيط بمستقبل ملف الطاقة في البلاد.