يحتفل المغرب في الأيام القادمة بحلول الذكرى 26 لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده عرش أسلافه المنعمين، وهي مناسبة وطنية مهمة نستحضر فيها أهم الإنجازات التي بصمت عهدا جديدا بقيادة ملك حكيم.
بفضل الرؤية الملكية المتبصرة، استطاع المغرب تعزيز مكانته كفاعل رئيسي واستراتيجي في الساحة الدولية في جميع الميادين.
مسيرة التحديث والتنمية
تم تبني نموذج تنموي مغربي خالص، تمكن فيه المغرب من تحديث بنياته التحتية سواء تعلق الأمر بالمطارات، بالطرق السيارة، إطلاق “TGV” وكذا “LGV، إحداث الموانئ التي بوأت المغرب مكانة جد “متميزة على الصعيد القاري والدولي، نذكر منها ميناء طنجة المتوسطي، بالإضافة إلى ميناء الناظور والداخلة الأطلسي اللذين سيلعبان دورا هاما في تعزيز مكانة متقدمة في الجانب اللوجستي.
الأمر لم يتوقف هنا فحسب، بل شمل أيضا تبني نموذج صناعي جعل من المغرب قوة صاعدة، وتجلى ذلك في قطاع صناعة السيارات والطيران، صناعة اللقاحات والأدوية، الصناعة الغذائية، الصناعة الكهربائية والمواد الإلكترونية…. إلخ.
كما انخرط المغرب في مجال الطاقة النظيفة والتي تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، كالطاقة الشمسية، والطاقة الريحية، بالإضافة إلى تبني مشروع “عرض المغرب” الذي شمل الهيدروجين الأخضر، كل هذا منح مكانة متقدمة للمغرب في مجال الطاقات المتجددة.
في المجال الفلاحي، أطلق المغرب مشاريع مهمة همت مخطط المغرب الأخضر واستراتيجية الجيل الأخضر كل هذا ساهم في تطوير وتحديث القطاع الفلاحي وتحقيق الأمن الغذائي.
في ميدان الاستثمار، استطاع المغرب خلق مناخ محفز مكن من جلب العديد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة كان لها انعكاس إيجابي على معدل النمو الاقتصادي وخلق القيمة المضافة من خلال كسب ثقة شركات كبيرة وعملاقة وجعلها تستقر في المغرب سواء من ناحية مناخ الأعمال المتميز في المغرب وكذا بفضل الأمن والاستقرار.
ملكية مواطنة في خدمة العدالة الاجتماعية والمجالية
تمثلت الرؤية الملكية السديدة في البرامج الاجتماعية التي أطلقها المغرب منذ حوالي 26 سنة همت محاربة الفقر والهشاشة وخلق فرص الشغل، وتسريع الإدماج الاقتصادي للشباب، ودعم القدرة الشرائية والنهوض بالرأسمال البشري عبر برامج تعليمية وتكوينية مهمة، ومن بين هذه البرامج نجد المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، برنامج فرصة، برنامج انطلاقة، برنامج أوراش، تعميم ورش الحماية الاجتماعية، دعم السكن استكمالا لورش مدن بدون صفيح، برنامج مدن المهن والكفاءات من خلال تطوير التكوين المهني وجعله يتناسب مع متطلبات سوق الشغل.
كما أن الميدان الاجتماعي شمل أيضا تعديل مدونة الأسرة على اعتبار أن الأسرة هي الخلية الأولى في المجتمع تنفيذا للتعليمات الملكية السامية (خطاب العرش 2022 وخطاب افتتاح البرلمان 2023).
أدت الإصلاحات المؤسساتية إلى إنجاح مختلف البرامج الاجتماعية من خلال اعتماد الجهوية المتقدمة وتنزيل ميثاق اللاتمركز الإداري قصد التنفيذ الأمثل للسياسة العامة للدولة على الصعيد الترابي وتنسيق مختلف السياسات العمومية الترابية، دون أن ننسى تبسيط المساطر وتجويد الخدمات ورقمنتها.
تتويج رياضي مستحق
استطاع المغرب أن يفرض نفسه في الساحة الرياضية الدولية كأول بلد عربي وإفريقي يصل إلى نصف نهائي كأس العالم 2022، وبفضل الدبلوماسية الملكية تمكن المغرب من الفوز بتنظيم كأس العالم 2030، إذ يتوفر على بنيات تحتية رياضية تستجيب للمعايير الدولية.
دينامية جديدة في مجال السياسة الخارجية
على اعتبار أن مجال السياسية الخارجية محفوظ بيد المؤسسة الملكية وهذا ما أكدت عليه جل الدساتير المغربية منذ سنة 1962 إلى غاية 2011، فقد تمكن المغرب من تحديث سياسته الخارجية.
على مستوى الدفاع عن الوحدة الترابية، أصبحت جل دول العالم تدعم مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 كحل سياسي واقعي لحل النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، بل انتقل المغرب إلى تبني دبلوماسية الحزم في مواجهة خصوم الوحدة الترابية، وقد أعطت أُكلها من خلال اعتراف القوى العالمية بمغربية الصحراء، والتي لها عضوية في مجلس الأمن الدولي، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، والمملكة المتحدة، كما اعترفت دول لها وزن دولي كإسبانيا، ألمانيا، وهولندا…إلخ.
انتقل المهندس الأول للسياسة الخارجية جلالة الملك حفظه الله ورعاه بملف الصحراء المغربية من مرحلة مواجهة الفكر الانفصالي عبر التعريف بالقضية الوطنية في المحافل الدولية إلى مرحلة دبلوماسية القنصليات التي انطلقت منذ سنة 2019 والتي تُوجت بفتح العديد من القنصليات بمدينتي العيون والداخلة.
إن السياسة الخارجية في العهد الجديد تميزت بالانفتاح على شركاء جدد، وعودة المغرب لبيته الإفريقي سنة 2017 بعد انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1984، حيث قام بإبرام العديد من الاتفاقيات مع مختلف الدول الإفريقية همت الأمن الغذائي، أضف إلى ذلك أنبوب الغاز مع دولة نيجيريا، وتقديم مساعدات للعديد من الدول الإفريقية إبان فترة جائحة كورونا، وها نحن اليوم أمام المبادرة الملكية الأطلسية، وهي مبادرة استراتيجية تهدف إلى تحقيق التعاون مع 23 دولة إفريقية مطلة على المحيط الأطلسي بالإضافة إلى السماح لدول الساحل بالولوج لهذه المبادرة.
إن السياسة الخارجية للمملكة دائما ما تدعو إلى حل النزاعات الدولية بطرق سلمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، بالإضافة إلى تبني أسلوب الدبلوماسية الإنسانية من خلال تقديم المساعدات للدول.
كما تجدر الإشارة إلى أن جلالة الملك أسماه الله وأعز أمره في العهد الجديد دافع بكل حكمة عن القضية الفلسطينية بصفته رئيسا للجنة القدس الشريف وقام بتمويل العديد من المشاريع بفلسطين عبر وكالة بيت مال القدس الشريف.
خلاصة القول، إن المغرب تحت القيادة الرشيدة والمتبصرة لجلالة الملك حفظه الله ورعاه أصبح قوة إقليمية رائدة، فقد حقق العديد من النجاحات، إذ ما يميز المؤسسة الملكية أنها حولت التحديات إلى فرص، وهذا ما تجلى في جائحة كورونا ومواجهة الجفاف وتدبير زلزال الحوز، إن ما يميز المؤسسة الملكية أنها تضع مصالح المغرب والمغاربة فوق كل شيء، ونختم بمقتطف من الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد سنة 2017، حيث قال جلالة الملك حفظه الله ورعاه: “… شعبي العزيز، إني أعتز بخدمتك حتى آخر رمق، لأنني تربيت على حب الوطن، وعلى خدمة أبنائه. وأعاهدك الله، على مواصلة العمل الصادق، وعلى التجاوب مع مطالبك، ولتحقيق تطلعاتك…”.