أخبار عاجلة
مؤشرات تنسيق المعاهد الخاصة 2025 للدبلومات الفنية -
عصابات إسرائيل وعملاؤها يسرقون مساعدات أهل غزة -

إيران دولة مارقة .. ونظرية الولي الفقيه خطر على المسلمين

إيران دولة مارقة .. ونظرية الولي الفقيه خطر على المسلمين
إيران دولة مارقة .. ونظرية الولي الفقيه خطر على المسلمين

ليس في هذا المقال ما يُفهم على أنه تبرئة للعدو الصهيوني أو تنصُّل من مسؤولية مواجهة مشروعه الاستيطاني والاستئصالي. فإسرائيل، التي نشأت على أنقاض شعب عربي وبدعم استعماري، لا تزال تمثل تهديدا وجوديا للمنطقة، ومصدرا دائما لانتهاك القانون الدولي، ومختبرا مفتوحا لأسلحة القتل الجماعي والتطهير العرقي. إنها، كما يصفها أهل القانون، دولة مارقة وخارجة عن الشرعية الأخلاقية قبل السياسية.

لكن مواجهة هذا العدو لا تقتضي التغاضي عن مخاطر أخرى تهدد العالم الإسلامي من داخله، وتفرز حالات لا تقل خطورة في مضمونها السياسي والديني. فالجمهورية الإسلامية في إيران، كما تكرّست بعد عام 1979، لم تكن مجرد تحول داخلي، بل نشأت على قاعدة نظرية ذات طابع كوني تتجاوز حدود الدولة، هي نظرية ولاية الفقيه، التي تمنح رجل الدين سلطة سياسية مطلقة بوصفه نائبا عن الإمام الغائب.

إن توصيف إيران بأنها دولة مارقة لا يصدر عن خصومة أيديولوجية أو مبالغة في الموقف، بل يستند إلى سجل ممتد من الممارسات التي تتناقض جذريا مع مبادئ القانون الدولي وأسس السيادة. فمنذ قيام الجمهورية الإسلامية، تبنّى النظام الإيراني نهجا عدوانيا في سلوكه الخارجي، يقوم على تصدير الثورة والتدخل المنهجي في الشؤون الداخلية للدول، من خلال دعم جماعات مسلّحة مذهبية تعمل على تقويض الدولة الوطنية من الداخل.

وقد طبّق هذا النموذج في العراق ولبنان وسوريا واليمن، حيث أصبحت الميليشيات المرتبطة بطهران أداة لتفكيك المجتمعات وإضعاف المؤسسات. وفي الوقت نفسه، تواصل إيران خرق التزاماتها الدولية المرتبطة بالبرنامج النووي وتطوير الصواريخ الباليستية، متحدية قرارات مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بينما تمارس قمعا داخليا ممنهجا ضد المعارضين والنساء والأقليات، وتحكم البلاد بقبضة دينية مغلقة تحت سلطة الولي الفقيه.

لقد بدأ مشروع تصدير الثورة من المشرق العربي، وتحديدا في الهلال الخصيب، حيث وفرت الأوضاع السياسية الهشة بيئة مناسبة للتغلغل الإيراني. ففي لبنان، حوّلت إيران “حزب الله” إلى قوة عسكرية موازية للدولة، ترتبط استراتيجيا بفيلق القدس. وفي العراق، نسجت شبكة ميليشيات تحت غطاء “الحشد الشعبي”، أما في سوريا، فقد تدخلت عسكريا لدعم نظام الأسد، وأسهمت في تثبيت بنية طائفية بالوكالة. وتم تكرار النموذج ذاته في اليمن من خلال تمكين جماعة الحوثي وربطها عقائديا وتنظيميا بطهران.

وفي تحوّل لافت، لم تعد سياسة تصدير الثورة مقتصرة على المشرق، بل تمددت إلى شمال إفريقيا ومنطقة الساحل. فقد كشفت تقارير موثوقة، منها صحيفة “واشنطن بوست” ذائعة الصيت، أن إيران قامت بتدريب وتسليح عناصر من جبهة البوليساريو الانفصالية، عبر قنوات مباشرة مع فيلق القدس وحزب الله. وتؤكد الوثائق أن مئات من مقاتلي البوليساريو تلقوا تدريبات في جنوب لبنان وسوريا، شملت حرب العصابات والمتفجرات، بدعم من الحرس الثوري.

إن دخول إيران على خط نزاع الصحراء المغربية، ومحاولة تحويل البوليساريو إلى ذراع عسكرية لها، يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي المغربي، ويفضح أن المشروع الإيراني لم يعد مذهبيا فحسب، بل أصبح مشروعا تفكيكيا عابرا للأقاليم. فقد تمدد من المشرق إلى غرب إفريقيا، عبر أربع جبهات: دعم خلايا مذهبية في المشرق، تحويل العراق ولبنان وسوريا إلى مناطق نفوذ، تمكين الحوثيين في اليمن، وتوظيف البوليساريو لاختراق منطقة الساحل والصحراء.

في جوهرها، ليست سياسة تصدير الثورة مجرد تعبير دعائي، بل هي استراتيجية راسخة في العقيدة الرسمية للنظام الإيراني، عبّر عنها الخميني مرارا، وكرّسها تمهيد الدستور، الذي ربط الثورة بمهمة “نصرة المستضعفين” داخليا وخارجيا. وقد نصّ صراحة على “مواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المضطهدة”، مستندا إلى تأويل قرآني يشرعن هذا التوجه العابر للحدود. وبهذا، يصبح تصدير الثورة مبدأ دستوريا وأداة للنفوذ، لا مجرد طموح نظري أو ظرفي.

والمقصود بهذا التصدير، عمليا، هو زرع جماعات مسلحة تابعة لطهران في المجتمعات العربية والإسلامية، ودفعها إلى الصدام مع الدولة الوطنية. وقد أنتجت هذه السياسة حروبا أهلية، وصراعات طائفية، وتمردات مسلحة، كلها تنطلق من مبدأ عقائدي يرى أن ولاية الفقيه ليست شأنا إيرانيا بل مشروع حكم شامل يتجاوز الجغرافيا والسيادة.

بعيدا عن الشعارات، فإن الخطورة الحقيقية لنظرية الولي الفقيه تكمن في أنها تؤسس لحكم ثيوقراطي لا يتعايش مع التعددية، ولا يعترف بالخلاف، بل تعتبر من يخالفها ــ ولو في الاجتهاد ــ خصما يجب تقويضه، سواء بالسلاح أو بالدعاية أو بتفكيك المجتمعات من الداخل. إنها بنية مغلقة تحتكر الدين والسياسة معا.

هذه النظرية، التي تكتسب شرعيتها داخليا باسم الإسلام، وخارجيا باسم “مقاومة الاستكبار”، تُفرغ فكرة المقاومة من مضمونها التحرّري، وتحوّلها إلى أداة لإعادة إنتاج الهيمنة باسم العقيدة. إنها تساهم في تشويه صورة الإسلام السياسي، وتمنح أعداء الأمة الذرائع للتشكيك في عدالة قضاياها.

ولا يفوتنا، في هذا السياق، أن نُعرب عن الدهشة، وربما الأسف، من تعاطف بعض المثقفين والسياسيين والمعلّقين على مواقع التواصل الاجتماعي مع إيران الرسمية، لا بوصفها دولة وشعبا، بل بوصفها مشروعا أيديولوجيا وسياسيا متكاملا. هذا التعاطف ــ وإن غُلّف برداء الواقعية أو مناهضة الغرب ــ يتغاضى عن طبيعة النظام الإيراني الذي يقمع شعبه، ويصادر الحريات، ويحوّل الدين إلى أداة احتكار سلطوي. فالتضامن الحقيقي يجب أن يكون مع الشعب الإيراني، لا مع سلطته.

إن مواجهة إسرائيل لا تعني التغاضي عن مشروع آخر يتكئ على العصمة السياسية والحق الإلهي، ويعيد إنتاج الاستبداد تحت رايات دينية. كما أن التحذير من خطر ولاية الفقيه لا يعني الاصطفاف مع خصوم إيران الإقليميين، بل هو نابع من قراءة فاحصة لما تنتجه هذه النظرية من عنف سياسي وشرخ مجتمعي وتهديد لفكرة الدولة المدنية.

العالم الإسلامي لا يحتاج إلى سلطة عابرة تحكمه باسم الغيب، بل إلى عدالة تُبنى على التمثيل الحقيقي لإرادة الشعوب، لا على الوصاية، وعلى التعدد لا على الاحتكار، وعلى سيادة الأمة لا على ولاية الفقيه.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق "بحكيلك عن الأيام".. قصة أغنية لرامي صبري تعكس أصعب المراحل في حياة حسام حبيب
التالى جيراسي يتألق ويحصد جائزة الأفضل في فوز دورتموند على مونتيري