
علمت هسبريس من مصادر جيدة الاطلاع أن المفتشية العامة للمالية سرعت مهام تدقيق موسعة باشرتها حول حسابات جماعات ترابية، في إطار تفعيل صلاحيات المراقبة الإدارية والمالية للميزانيات الجماعية، بعدما توصلت بإشعارات من آمرين بالصرف حول تزايد مخزون “سندات الطلب” غير المفعلة، فازت بها شركات دون أن تفي بالتزاماتها التعاقدية وتنفيذ أشغال وتوريد تجهيزات، رغم حصولها على “أوامر بالخدمة” (Ordres de service)، موضحة أن السندات المذكورة تسببت قي إرباك ميزانيات جماعات، نتيجة تسجيل نفقات مبرمجة لم تقابلها إنجازات فعلية على أرض الواقع، ما أدى إلى وضع رؤساء جماعات، بصفتهم آمرين بالصرف، في موقف ملتبس، بين احترام الالتزامات التعاقدية وتفادي تبعات صرف اعتمادات بدون مقابل.
وأفادت المصادر ذاتها بأن الإشعارات المتوصل بها من قبل آمرين بالصرف حملت تساؤلات بخصوص إمكانية إلغاء “سندات الطلب” المبرمة مع شركات مخلة بالتزاماتها ورافضة لتنفيذ الأشغال المتفق عليها، والإعلان عن سندات جديدة وفقا لملاحظات الحاجيات المحينة، مبرزة أن مفتشي المالية دققوا في صحة المعطيات الواردة عليهم، خصوصا ما يتعلق بمحاضر تفويت السندات وتتبع الأشغال، ما مكنهم من اكتشاف اختلالات في تقدير قيمة طلبيات عمومية بعد مقارنتها مع التكاليف الحقيقية في السوق، مشددة على أن هذه الاختلالات شكلت سببا مباشرا في دفع شركات حائزة لسندات إلى التنصل من التزاماتها، أو البحث عن شركاء لمساعدتها في إتمام مشاريع موضوع تعاقدات زمنية وغرامات تأخير صارمة.
وأكدت المصادر نفسها رصد المفتشين مؤشرات مشبوهة بخصوص دوافع حيازة “سندات طلب” من قبل مقاولات صغرى وصغيرة جدا، رغم علمها بعدم تحقيقها أرباحا منها، بل تحملها خسائر مالية مهمة في بعض الأحيان، موردة أن مقاولات ادعت تقدمها للمنافسة على سندات بداعي تنفيذ التزامات طويلة الأمد، للترقي والمشاركة في صفقات عمومية أكبر مستقبلا، وذلك من خلال رفع درجة تصنيفها، وتحصيلها “شهادات مرجعية”، مشددة في المقابل على أن مقاولات أخرى بعيدة عن نقط تنفيذ سندات لفائدة جهات أصحاب مشاريع (جماعات ترابية) بمئات الكيلومترات، نفذت التزاماتها وحصلت على التسليم النهائي، رغم ارتفاع كلفة الأشغال بسبب متغيرات طارئة مرتبطة بالتضخم، حيث لم تقدم شكايات أو ملاحظات في الموضوع، ما عزز شكوك مصالح التفتيش التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية.
يشار إلى أن المادة 158 من المرسوم رقم 2.12.349 الصادر في 20 مارس 2013 المتعلق بالصفقات العمومية كما تم تغييره وتتميمه، تخول إمكانية تطبيق جزاء الإقصاء المؤقت أو النهائي من الطلبيات العمومية في حق الشركات التي أخلّت بالتزاماتها التعاقدية، شريطة احترام المساطر القانونية المعمول بها، فيما يعد امتناع الشركات عن تنفيذ “سندات الطلب” المبرمة معها سببا كافيا لصاحب المشروع لإلغاء هذه السندات، مع إمكانية الإعلان عن أخرى جديدة تتماشى مع الحاجيات المستجدة، علما أن الفقرة الأخيرة من المادة نفسها تفيد بأن الشركات التي تم فسخ عقودها بسبب خطأ من جانبها تمنع من المشاركة في العروض الجديدة المتعلقة بالطلبات نفسها. ويشكل هذا الإجراء آلية قانونية لضمان احترام الالتزامات التعاقدية، وحماية المال العام.
وكشفت مصادر هسبريس توقف المفتشين خلال مهام التدقيق الجارية عند “إفراط” من قبل جماعات ترابية في استعمال “سندات الطلب” لتسوية حسابات ميزانياتها خلال خمس سنوات الماضية، في خرق واضح لمقتضيات المادة 88 من مرسوم الصفقات العمومية، الذي ينص على وجوب خضوع الأعمال المنجزة بسندات الطلب لمنافسة مسبقة، مع تحديد مواصفات ومحتويات الأعمال المطلوب تنفيذها مسبقا، موضحة أن التدقيق في سجلات آمرين بالصرف أظهر احتكار شركات معينة سندات طلب بعض الجماعات على مدى سنوات، وذلك عبر اعتماد منافسات صورية دون استشارات كتابية من قبل متنافسين، إضافة إلى تقديم بيانات أثمان غير مرقمة أو غير مؤرخة.