أخبار عاجلة
أسعار اللحوم الحمراء اليوم الإثنين -
أسعار الخضار والفاكهة اليوم الإثنين -

إنتاج التمييز دون وعي .. هل نحن عنصريون بـ"حسن نية"؟

إنتاج التمييز دون وعي .. هل نحن عنصريون بـ"حسن نية"؟
إنتاج التمييز دون وعي .. هل نحن عنصريون بـ"حسن نية"؟

“حنا ماشي عنصريين، ولكن…”، بهذه العبارة تبدأ كثير من التعليقات على مواقع التواصل، وتنتهي غالبًا بجمل لا يمكن وصفها إلا بالعنصرية الصريحة. هذا النمط بات مألوفًا في الفضاء الرقمي المغربي، خصوصًا عند مناقشة قضايا تتعلق بالمهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، أو عند الحديث عن التمييز ضدّ السود.

المفارقة هنا قاسية: المتحدث ينفي العنصرية، ثم يبرّرها، ثم يمارسها دون أن يرى في ذلك أي تناقض. وهي مفارقة تكشف التواءً في الوعي الجمعي، حيث لا يُرى التمييز كمشكلة إذا جاء مغلفًا بالمزاح أو الخوف أو “الواقعية”.

العنصرية لا تحتاج دائمًا إلى صراخ أو شتائم. في مجتمعات كثيرة، ومنها المغرب، تتخذ أشكالًا أكثر نعومة وخفاء. تتسلل عبر النكتة، والمثل الشعبي، والصورة النمطية، وأحيانًا عبر صمت المؤسسات. هي عنصرية ناعمة لكنها راسخة.

الخطير أن من يمارسها لا يعتقد أنه يفعل شيئًا خاطئًا. فالألفاظ تُعد “عادية”، والنكات “بريئة”، والعبارات المتداولة تمرّ دون مساءلة. وهكذا يتحوّل التمييز إلى ممارسة يومية غير واعية، محمية بالعُرف أو اللغة أو الدعابة.

نرفض أن يُقال عنا إننا عنصريون، وندين بشدة عنصرية الغرب تجاهنا، لكننا نقع في التمييز ذاته حين ننظر إلى السود بيننا بريبة أو دونية. نتوجّس من المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء، نُحمّلهم سلوكيات جماعية، نسخر منهم، وأحيانًا نحتقرهم، ليس بدافع الكراهية، بل بسبب تمثّلات موروثة لم نراجعها.

قليلون من يتوقفون ليسأل: هل أستخدم كلمة مهينة؟ هل أعيد إنتاج تاريخ من الاستعباد وأنا أضحك؟ الخطورة ليست في الكلمة وحدها، بل في المعنى الذي تحمله. حين تُختزل البشرة البيضاء في الجمال والمكانة، ويرتبط السواد بالخدمة أو الفقر، فإن التمييز لا يعود استثناءً، بل يصبح القاعدة.

وتبلغ هذه العنصرية ذروتها حين تُمارس باسم النية الطيبة أو بحجة المزاح أو “الصدق”. تُقال الكلمات وكأنها توصيف واقعي، بينما هي في الحقيقة تكرار لتراتبية عنصرية قديمة، تختزل الإنسان في ملامحه أو أصله.

استخدام كلمات مثل “كحلوش”، “حرطاني”، “الزحف”، أو “الاستيطان”، لا يُعبّر عن مجرد رأي فردي، بل يُعيد إنتاج بنية اجتماعية تكرّس التمييز. تراتبية تقرر مسبقًا من يُحترم ومن يُهمّش، من يُرى كإنسان كامل، ومن يُعامل كتهديد محتمل.

الخطاب الديني أو الأخلاقي، حين يُستخدم لتغليف مواقف إقصائية، يزيد من حدّة المشكلة. يُقال: “نحن بلد مسلم”، ثم تُطلق الدعوات لترحيل السود. آخرون يرددون: “لسنا عنصريين، لكن الأفارقة يشكّلون خطرًا”، رغم أن هذه الأقوال لا تستند إلى معرفة، بل إلى صور ذهنية مشوّهة، وأحيانًا إلى حادثة فردية تُعمَّم على جماعة كاملة.

وتبلغ ذروة هذا التمييز حين يُثار موضوع زواج المغربيات من مهاجرين أفارقة. لا يُناقش الأمر كحرية فردية، بل يُصوَّر كتهديد ديمغرافي. تُختزل المرأة في أداة رمزية لحماية “الهوية”، ويُنظر إلى الرجل الأسود كخطر عددي، لا كشريك في علاقة إنسانية قائمة على الحب والمودة والرحمة.

في هذا السياق، يصبح من الضروري التمييز بين الخوف المشروع والتمييز غير المشروع. من حق أي مجتمع أن يناقش قضايا الهجرة والأمن، لكن لا يحق له أن يُجرّم فئة بأكملها بسبب لون بشرتها أو ملامحها. الخوف المشروع يستند إلى معطيات ووقائع، أما التمييز فيبدأ حين تُنتزع الحقوق وتُوزّع الكرامة على أسس عنصرية.

ما تكشفه تعليقات مواقع التواصل لا يُعدّ مجرد انفعال فردي، بل مرآة لبنية ثقافية تُعيد إنتاج التمييز دون وعي. هي مرآة موجعة، لكنها ضرورية. لا لنجلد أنفسنا، بل لنسأل: هل نمارس التمييز ونحن نظن أننا عادلون؟ هل نُقصي الآخر باسم البراءة أو الدفاع عن المجتمع؟

ما نحتاجه ليس شعورًا بالذنب، بل شجاعة في الاعتراف. ليس تبريرًا لسلوك جماعي، بل تحمّلًا للمسؤولية الفردية. كيف نربّي أبناءنا على احترام الاختلاف؟ كيف نُعيد تشكيل وعينا كي لا ننقل لغة مهينة دون تفكير؟ كيف نحرّر أنفسنا من تمثّلات ترسّخ الفوقية دون أن نشعر؟

لأن التمييز، حين يُنكر، لا يختفي… بل يتجذر ويزداد رسوخًا.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق بالبلدي: إسرائيل تعلن إرسال مساعدات للدروز في السويداء بقيمة مليوني شيكل
التالى الاتحاد يطلب ضم موهبة الأهلي ضمن صفقة مروان عطية