شكّك يوسف الصدّيق، الكاتب التونسي الباحث في التاريخ الديني، مرّة أخرى، في متون السيرة النبوية التي اعتبرها “كلّها كذبا”، داعيا إلى “التفكير من جديد في هذا التزييف الهائل الذي جعلنا نعيش 14 قرنا من المغالطات نواصل فيها عبادة الكذب”، ونُمسك بتلك “اللحظة التي فشل فيها إسلام القرآن وانتصر إسلام التفسير، وذلك بالاستناد إلى النص القرآني وحده”.
وأضاف الصدّيق، الذي كان يتحدث مساء أمس السبت في ندوة “حدود إعمال النظر العقلي في فهم وتأويل التراث”، المنعقدة ضمن الدورة التاسعة عشرة لمهرجان “ثويزا” الثقافي: “أبحث عن هذه اللحظة التي أُدخِلت في الخطاب القرآني، وليس في النص”؟.
وواصل الكاتب التونسي المثير للجدل وصاحب كتاب “هل قرأنا القرآن أم على قلوب أقفالها؟” من طنجة: “أقصد هذا الاعتراف الصريح بالفشل المؤقّت، بينما أعتقد أن (القرآن) نصّ عظيم، كان يمكن أن يُحدث حضارة كبيرة جدا”.
وتساءل: “أين هي اللحظة؟ أهي في عدم إيمان الناس بهذا الرجل الذي أُوحي إليه، واسمه محمد؟ أم هي في تركيبة المجتمع الذي لم يكن قادرا في ذلك الوقت على تقبّل هذه الرسالة الكبيرة؟”.
وفي السياق ذاته، أشار، وهو يردّ على مداخلة الفيلسوف المغربي محمد المصباحي، إلى أن “الوحي لا عقلانية فيه، إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار الدقّة التي أهملناها تماما، مع مؤسسة التفسير، خصوصا مع كبار الأسماء كالطبري والقرطبي والجوهري، إلى حدّ الطاهر بن عاشور. كلّهم اكتفَوا بمؤسسة اختلقوها، ولم تكن موجودة أبدا”.
وتابع المشارك في الندوة المشار إليه قائلا: “الوحي مسألة عادية بسيطة في القرآن، ولم يُرِد أحدٌ أن يتبيّن هذا”، وزاد: “العقل له مكانة أخرى، أنه يستخبر التاريخ. (…) وحتى مفهوم الشريعة لم يأتِ أبدا في القرآن بمعنى القانون، وهذا أمرٌ أسأل عنه قرّاء القرآن، وهم كُثُر من الناس القادرين على فهم هذا النصّ، ليُقدّموا لنا أين جاءت الكلمة بهذا المعنى المتداول”.
وذكر الكاتب التونسي أن “المستشرقين أو العلماء المسلمين اتفقوا أن سورة الصف من آخر السور التي نزلت على رسول الله، ويتّجه فيها الخطاب لكلّ الناس، في منطوق الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتا عِندَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)، يعني أن النبي يعترف بأنه فشل مع هؤلاء القوم (…) وأن القرآن يئس من حلّ مشكلة النفاق”، وهي “الخفّة التحليلية” التي انبرى المفكر المصباحي إلى التشابك معها، معتبرا إياها “مبالغة في الاختلاف وجرأة في التقاط كلمات طائشة لمساءلة منظومة بأكملها”.
وقال الصدّيق، قبل أن يتدخّل المسير امحمد جبرون للردّ على هذه “الادعاءات” بقوّة شديدة: “إن أردتَ، في عقلك الآن، أن تتحدّث عن الألوهية، فهي ذات يدٍ طويلة: (يدُ الله فوق أيديهم)، وأنها ذاتُ حولٍ وطَول، وأنها عظيمة، وأنه يستوي على العرش، كما أنا جالس الآن أو غيري أو يجلس جالس، إلى آخره”، وزاد: “إن أردتَ هذا الاعتقاد، فلك ذلك”.
وذكر المتحدث عينه أنه “حين يقرأ الكتاب العاشر “جمهورية أفلاطون”، يجد نفس الجملة التي يعثر عليها في سورة الحاقّة: “وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ)”، وقال: “فماذا أقول؟ أو ماذا عليّ أن أقول؟”.
وزاد الكاتب التونسي الباحث في التاريخ الديني: “أنا أعتبر أن الله ليس كمثله شيء. ولهذا، لا أتخاطب فيه؛ ولكنّنا نحتاج إلى خطاب العقلانية لنفهم هذه السياقات التي دفعت الرسول إلى القول: (إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورا)”.