أخبار عاجلة

المتوسط يسجل أعلى درجة حرارة منذ 1982.. والعلماء يحذرون من عواصف

المتوسط يسجل أعلى درجة حرارة منذ 1982.. والعلماء يحذرون من عواصف
المتوسط يسجل أعلى درجة حرارة منذ 1982.. والعلماء يحذرون من عواصف

في الأيام الأخيرة ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بفيديوهات ومقاطع تتحدث عن حركة غير طبيعية لمياه البحر الأبيض المتوسط، وتزعم أن المنطقة مقبلة على تسونامي وشيك سيضرب السواحل الشمالية لمصر، وصولًا إلى لبنان واليونان، وبينما انتشرت هذه الفيديوهات كالنار في الهشيم، رافقتها حالة من القلق الشعبي والارتباك في بعض وسائل الإعلام، دفعت المواطنين إلى طرح تساؤلات حول مدى مصداقية هذه المزاعم، وما إذا كانت بالفعل مؤشرات أولية لكارثة بحرية قادمة.

لكن الحقيقة العلمية تبدو أكثر تعقيدًا، وأقل رعبًا، فالمشهد لا يخلو من مخاوف مشروعة، لكنه في الوقت ذاته لا يحتمل التسليم الأعمى بفرضيات غير مدعومة بأدلة، وبين تحذيرات مراكز بحثية عالمية، ونفي رسمي صارم من مؤسسات بحثية مصرية، يبقى البحر الأبيض المتوسط في قلب الجدل العلمي والمناخي، وسط مؤشرات بيئية أكثر صمتًا، لكنها أكثر واقعية، وهو الاحترار المتسارع لمياهه، وتحوله إلى خزان حراري يُنذر بعواصف وأعاصير متزايدة في السنوات القادمة.

يعتبر البحر الأبيض المتوسط مرآة عاكسة لتغيرات مناخية عالمية، وربما ساحة أولى لظهور تداعياتها الفعلية في العقود القادمة، والخطر الحقيقي ليس في لحظة زلزال غير متوقعة، بل في تراكم يومي لمؤشرات علمية تؤكد أن شيئًا ما يتغير في قلب هذا البحر، وأن القادم قد لا يكون كما اعتدنا عليه في الماضي.

المعهد القومي لعلوم البحار والمحيطات بالإسكندرية، وهو الجهة العلمية الرسمية المسؤولة عن مراقبة حالة البحر في مصر، أصدر بيانًا فند فيه تمامًا المزاعم المتداولة حول وجود نشاط زلزالي في قاع البحر المتوسط وأكد البيان، أن أجهزة الرصد لم تسجل أي تغيرات غير طبيعية في حركة الأرض أو في منسوب سطح البحر، موضحًا أن البحر المتوسط يخضع لمراقبة مستمرة على مدار الساعة، من خلال شبكات محلية ودولية لرصد الزلازل والتسونامي.

الدكتور " طه رابح "، رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية، قال "ما يُتداول حول اقتراب حدوث تسونامي بسبب ما ظهر في الفيديو من حركة مياه غير مألوفة، لا يستند لأي أساس علمي، فالأمواج الظاهرة في الفيديو ناتجة عن تغيرات الضغط الجوي، وهي تيارات سطحية بحرية طبيعية تحدث بشكل دوري، ولا علاقة لها بالنشاط الزلزالي".

وبحسب ما أكدته الدكتورة " عبير منير "، رئيسة المعهد القومي لعلوم البحار، فإن البيانات اللحظية التي تسجلها أجهزة الرصد المثبتة على امتداد الساحل الشمالي لمصر لم تُظهر أي سلوك غير اعتيادي في درجات حرارة المياه، أو في كثافة حركة الأمواج، أو حتى في مستوى سطح البحر.

وأضافت الدكتورة " عبير منير " "دعوتنا للمواطنين واضحة وصريحة  لا تنساقوا خلف ما يُتداول على السوشيال ميديا دون الرجوع للمصادر الرسمية، فمثل هذه الشائعات تثير الذعر دون مبرر".

الرد الأكثر تفصيلًا جاء من الدكتور "عمرو زكريا حمودة"، رئيس مركز الحد من المخاطر البحرية ورئيس لجنة الخبراء الدولية للحد من مخاطر التسونامي، والذي فند في بيان تفصيلي مزاعم الفيديوهات المنتشرة.

وأوضح الدكتور " عمرو زكريا " أن الأجهزة التي ظهرت في أحد المقاطع، والتي زُعم أنها سجلت تغيرات مقلقة في حركة البحر، كانت متوقفة عن العمل لحظة التصوير، ولم تُسجل أي إشارات إنذار وأشار إلى أن التسونامي لا يمكن أن يحدث بسبب تغيرات الطقس أو الضغط الجوي، بل يتطلب نشاطًا جيولوجيًا كبيرًا مثل زلازل عنيفة أو انهيارات أرضية تحت قاع البحر، وهو ما لم ترصده الشبكات الدولية المتخصصة، بما في ذلك شبكة البحر المتوسط.

لكن هل يعني ذلك أن كل المخاطر قد زالت؟ الإجابة تأتي هذه المرة من علم المناخ، لا من علم الزلازل، فخطر التسونامي قد يكون غير مرجح علميًا في الوقت الحالي، لكن ثمة تهديدًا بيئيًا آخر يتصاعد بهدوء في خلفية المشهد ارتفاع حرارة مياه البحر الأبيض المتوسط بمعدلات غير مسبوقة، تنذر باضطرابات جوية شديدة.

وبحسب تقرير علمي نُشر في يوليو 2025، فإن المتوسط سجل متوسط حرارة سطح بلغ 26.36 درجة مئوية، أي بزيادة قدرها +3.14 درجة مئوية عن المتوسط المرجعي للفترة من 1982 إلى 2015، هذه القفزة الحرارية، التي تُعد الأعلى منذ بدء عمليات الرصد الحديثة، لا يمكن النظر إليها كرقم في جداول المناخ فقط، بل كعامل رئيسي في تشكيل العواصف والأعاصير المتوسطية.

ويؤكد المركز العربي للمناخ، في نشرته الأخيرة، أن استمرار هذا الاحترار يُزيد من احتمالية نشوء اضطرابات جوية خلال الأشهر المقبلة، لا سيما مع دخول الخريف، حين تبدأ الكتل الهوائية الباردة بزيارة المنطقة، وتُصبح الفروقات الحرارية بين الهواء البارد والماء الدافئ محفزًا قويًا لتكون عواصف شديدة، قد تصل إلى حد الكارثة كما حدث في عاصفة "دانيال" التي ضربت ليبيا عام 2023.

ويعيد المركز التذكير بتحذيراته السابقة، حين أصدر بيانًا في أغسطس 2023، حذر فيه من اقتراب " حالة جوية عالية الخطورة " نتيجة ارتفاع حرارة مياه المتوسط، وتوقع حينها أن تشهد المنطقة عاصفة استثنائية، وبعد أسابيع قليلة، تحققت التوقعات، وضربت العاصفة مدينة درنة الليبية، مخلفة آلاف الضحايا ومشهدًا كارثيًا لا يُمحى.

في هذا السياق، يرى المركز أن تجاهل التحذيرات الحالية، أو الاكتفاء بنفي وجود نشاط زلزالي، ليس كافيًا، بل يجب على الدول المطلة على المتوسط تعزيز قدراتها في مجال الرصد الجوي، وتطوير نظم إنذار مبكر تتعامل مع العواصف والأمطار الغزيرة، تمامًا كما يتم التعامل مع مخاطر الزلازل والتسونامي.

وإذا ما ربطنا بين الظاهرتين، نجد أن الحديث عن تسونامي لم يكن سوى قمة جبل الجليد، بينما تكمن المشكلة الحقيقية في أعماق التغير المناخي العالمي، والذي يجعل من البحر الأبيض المتوسط خزانًا حراريًا متقلبًا، يملك القدرة على تشكيل حالة جوية خارجة عن المألوف في أي لحظة.

ويقول خبراء الأرصاد إن البحر المتوسط يُعد أحد أكثر المسطحات المائية استجابة لتغير المناخ، نظرًا لصغر حجمه نسبيًا مقارنة بالمحيطات، وانغلاقه الجغرافي، وقربه من اليابسة، هذه العوامل تجعله حساسًا لأي تغير في درجات الحرارة، ما ينعكس بشكل مباشر على الرطوبة، والغيوم، والضغط الجوي، وتوزيع الأمطار في المنطقة.

وهكذا فإن المعركة الحقيقية ليست مع زلزال خفي تحت البحر، بل مع موجات حر تسخن مياهه تدريجيًا، وتحضره لحالات جوية شديدة قد تهدد مدنًا ومجتمعات ساحلية من الإسكندرية إلى برشلونة، ومن بيروت إلى بنغازي.

الوعي المجتمعي والتعامل الإعلامي مع هذه القضايا لا يقل أهمية عن البيانات العلمية نفسها، فبينما تنشغل بعض المنصات بتضخيم شائعات التسونامي، يغيب الحديث الجاد حول كيفية استعداد المدن الساحلية لتغير مناخي قادم لا محالة، فمدن مثل الإسكندرية، طرابلس، بيروت، الجزائر، نيس، وأثينا، كلها بحاجة إلى مراجعة استراتيجياتها البيئية، وإعادة تصميم خطط الطوارئ، وتحسين البنية التحتية القادرة على مواجهة سيناريوهات السيول، وارتفاع منسوب المياه، والعواصف المفاجئة.

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق إصابة عشرات الفلسطينيين في هجوم للمستوطنين وقوات الاحتلال على قرية المغير
التالى الاتحاد يطلب ضم موهبة الأهلي ضمن صفقة مروان عطية