تعدّ سياسات الهيدروجين الأوروبية عاملًا رئيسًا لدفع عجلة تطور الصناعة قدمًا؛ إذ هي الإطار المنظم للقوانين والقواعد والاتفاقيات والدعم، وغيرها من أسس التطوير.
ومع زخم إلغاء المشروعات وتعليقها، بات البحث عن السياسات أمرًا ضروريًا للوقوف على إمكان إنقاذ سوق الوقود النظيف وحمايتها من حالة التدهور المتواصلة منذ العام الماضي 2024.
ودعم الاتحاد الأوروبي إنتاج الهيدروجين واستيراده بغطاء من السياسات والبرامج، التي تخضع للتحديث وإعادة النظر بين الحين والآخر.
وأثّرت السياسات التي أقرّها الاتحاد في مصير عدد من المشروعات، حسب تفاصيل أوردها تقرير شهري حديث تابعته منصة الطاقة المتخصصة (الصادرة من واشنطن).
سياسات الهيدروجين الأوروبية
كانت سياسات الهيدروجين الأوروبية قاسمًا مشتركًا ضمن أسباب انتكاسة بعض المشروعات مؤخرًا، حسب تفاصيل أوردها تقرير ويستوود غلوبال إنرجي لشهر يونيو/حزيران الماضي.
وخلال الأشهر الأخيرة، فقدت الصناعة في القارة العجوز 3 مشروعات تنوَّعَ مصيرها بين الإلغاء والتأجيل والتعليق.

وواجهت هذه المشروعات تحديات شائعة، مثل: التكلفة والجدوى الاقتصادية، وحالة عدم اليقين، والدعم الحكومي الضعيف.
وتبدو السياسات الأوروبية مرتبكة إلى حدّ كبير، في إطار محاولة حماية صناعة الهيدروجين من الإغراق الصيني من جهة، ومواجهة التحديات الإقليمية لدول الاتحاد من جهة أخرى.
وتظل (التكلفة، والبنية التحتية، وتأمين عقود البيع طويلة الأجل) أبرز مهددات الصناعة، التي أدت فعليًا إلى تحويل طموحات الحكومات والشركات إلى واقع مرير برز بقوة العام الماضي، واستمر خلال العام الجاري.
وبجانب التحديات العامة المشتركة للصناعة، يأتي ارتباك القواعد الأوروبية المنظمة ليعمّق مشكلات الصناعة.
نماذج لقيود السياسات
هناك نماذج عدّة لقيود سياسات الهيدروجين الأوروبية، وظهرت بشكل واضح مع استعراض الشركات أسباب إلغاء أو تأجيل مشروعاتها، ونذكر من هذه القيود:
1) شروط الوقود المتجدد:
يركّز الوقود المتجدد من مصادر غير حيوية (آر إف إن بي أو RFNBO) على طرح بدائل لأنواع الوقود الأحفوري والكتلة الحيوية، ويعدّ الهيدروجين الأخضر مثالًا واقعيًا على هذا الوقود.
وتسببت القواعد التنظيمية واللوائح في الاتحاد الأوروبي بإلغاء مشروع شركة "إي دبليو إي EWE" بقدرة 50 ميغاواط في ألمانيا، رغم تأمينه دعمًا بقيمة 1.5 مليار دولار.
وتتلخص أبرز هذه القيود في عجز قدرة الشركة الألمانية على تلبية اشتراطات ومعايير إنتاج الوقود المتجدد غير الحيوي، وهي لوائح صارمة يتعين التزام الشركات بها حتى تحصل مشروعاتها على التصنيف الأوروبي اللازم.
ويتطلب الوقود المتجدد غير الحيوي مراعاة:
- تحديد مصدر الطاقة المتجددة المستعمل في الإنتاج من خارج الشبكة، مع الالتزام بصفته مصدرًا "جديدًا" لا يؤثّر سلبًا في حصة المستهلكين الآخرين.
- توليد الكهرباء المتجددة بشكل متزامن مع التحليل الكهربائي بدءًا من 2030، ومنع استعمال الكهرباء المخزنة بدءًا من 2030.
- العمل على "التقريب الجغرافي" بين مواقع إنتاج الطاقة المتجددة والتحليل الكهربائي.
وتعدّ هذه الاشتراطات صعبة التطبيق في آن وموقع واحد إلى حدّ كبير، وتقيّد رغبة الشركات في ضخ استثمارات بقطاع الهيدروجين.
وتفاقمَ الأمر مع قرار البرلمان الأوروبي، الذي طالبَ المفوضية الشهر الماضي بمراجعة اشتراطات الوقود المتجدد غير العضوي، بناءً على طلب 12 دولة.
2) توجيه ريد 3 للطاقة المتجددة:
يمثّل ريد 3 (RED III) الحزمة الثالثة من توجيه الطاقة المتجددة، وأقرّه الاتحاد الأوروبي رسميًا في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ودخل حيز التنفيذ في نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته.
ويهدف التوجيه الثالث إلى استحواذ الطاقة المتجددة على 42.5% من المزيج الأوروبي بحلول 2030، والعمل لزيادة السقف إلى 45%، وألزم الدول الأعضاء بدمجه في قوانينها ومساهمتها الوطنية في غضون عام ونصف من سريانه.
وتضمّنت مسارات التوجيه تحديد أهداف واضحة لدمج الهيدروجين في النقل والقطاع الصناعي.
ويُعدّ كل ما سبق ذكره جانبًا متفائلًا حول التوجيه، لكن على أرض الواقع جاء التنفيذ مخيبًا للآمال، إذ انطلقت الدول الأوروبية في تفعيل أهداف التوجيه بقطاع النقل، في حين اقتصرت تطبيقات الهيدروجين الصناعية على دولتي: رومانيا والتشيك فقط حتى الآن.
وفي يونيو/حزيران الماضي، طالبت مجموعات داعمة للهيدروجين الاتحاد الأوروبي بإعلان آليات تنفيذ واضحة لاستعمالات الهيدروجين بموجب التوجيه.
ودعت المجموعات إلى إقرار الاتحاد آليات تنفيذ قد تصل إلى "المعاقبة"؛ لضمان معدل امتثال يعكس فعالية التوجيه.
ورغم المضي قدمًا في دمج آليات التوجيه ضمن سياسات الهيدروجين الأوروبية، فإن اشتراطات "الوقود المتجدد غير العضوي RFNBO" تعرقل انتشار المشروعات.

3) قانون سلامة محطات الكهرباء الألماني:
استهدفت ألمانيا تعزيز خططها لتحول الطاقة بمشروع قانون يُطلَق عليه (سلامة أو أمن محطات الكهرباء)، ويخصص تمويلًا لقدرة تصل إلى 12.5 غيغاواط، يستحوذ الهيدروجين على 500 ميغاواط منها.
وطرح مشروع القانون نهاية العام الماضي، وترقَّب المطورون إقراره رسميًا وبدء سريانه، إلّا أنه رغم مضي 6 أشهر من العام الجاري لم يبدأ التفعيل بعد، لأسباب سياسية تتعلق بالانتخابات الألمانية إلى جانب أبعاد اقتصادية.
وعزت شركة "ليج LEAG" إلغاء مشروع "إتش تو يو بي H2UB"، في بوكسبرغ بألمانيا، إلى عدم تفعيل القانون الموفر للدعم حتى الآن.
4) قيود أخرى
خلال إعلان شركة "إي دبليو إي" إلغاء مشروع هيدروجين في ألمانيا، أكدت أنها ستواصل العمل على تطوير مشروعات أخرى.
وطالبت الشركة بتطبيق إصلاحات على سياسات الهيدروجين الأوروبية، تشمل: ضبط أسعار الكهرباء، وتوضيح الأطر التنظيمية، وتسهيل إجراءات التمويل، ودعم البنية التحتية.
وتكرر الأمر مع توضيح أسباب تعليق مشروع إمينغام في المملكة المتحدة، التابع لشركة إير برودكتس، إذ أرجعت الشركة قرارها لافتقار المشروع إلى دعم السياسات من البرنامج البريطاني والاستثمار الحكومي، وهي أسباب قام المشروع على أساسها، إلّا أنها لم تتحقق.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر: