عندما باشر ريال مدريد تجديد ملعبه سانتياغو برنابيو، كان يهدف إلى جعله القبلة المفضلة للحفلات الموسيقية الكبرى في العاصمة الإسبانية، لكن نزاعا قضائيا مع السكان المجاورين الغاضبين أعاق هذا المشروع، وهو ما استفاد منه بشكل كبير جاره وغريمه أتلتيكو.
بهدف تحويل ملعبه التاريخي إلى مكان متعدد الاستخدامات على مدار العام، نفّذ ريال مدريد بين عامي 2019 و2024 أعمال تجديد ضخمة شملت واجهة عصرية، مدرجات جديدة وسقفا قابلا للطي بمساحة 8 آلاف متر مربع، وهو مشروع موّله بقروض بلغت قيمتها 1.1 مليار يورو.
لكن هذا الطموح قوبل بغضب السكان المقيمين بالقرب من ملعب سانتياغو برنابيو، كون موقعه في وسط العاصمة جعله محاطا بمبان سكنية. وبعد سلسلة أولى من الحفلات في صيف 2024، كثرت الشكاوى المتعلقة بالضجيج.
في مواجهة هذه الإجراءات القانونية، أعلن ريال مدريد قبل نحو عام تعليق جميع الحفلات بملعبه، في انتظار إيجاد حلّ، وهو خيار استفاد منه ملعب “ميتروبوليتانو” الخاص بأتلتيكو مدريد الواقع بعيدا عن وسط المدينة والمناطق السكنية.
في هذا الصيف، قدّم ثلاثة من نجوم الموسيقى الإسبانية عروضهم في ملعب ميتروبوليتانو، بدلا من ملعب سانتياغو برنابيو حيث كان من المقرر في الأصل إحياء حفلاتهم. كما شكّل اختيار نجم الريغيتون الشهير البورتوريكي باد باني ملعب الغريم أتلتيكو مكانا لإقامة 10 حفلات العام المقبل، صفعة قوية إضافية للنادي “الملكي”.
ويتناقض قرار النجم البورتوريكي مع قناعة عمدة العاصمة الإسبانية، خوسيه لويس مارتينيس-ألميدا، الذي أكّد في أبريل أن ملعب برنابيو هو الوحيد القادر على جذب أشهر الفنانين وأكثرهم عراقة، على غرار النجمة الأميركية تايلور سويفت التي أحيت حفلا هناك في ماي 2024.
ضربة موجعة
يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة أوفييدو (شمال إسبانيا)، بلاسيدو رودريغيس غيريرو، في تصريح لوكالة فرانس برس، أن هذا الوضع ألحق “ضررا بالغا بسمعة” ريال مدريد، مضيفا: “هذا يُظهر أن ريال مدريد لا يبلي البلاء الحسن”.
وفي نهاية 2024، طمأن رئيس ريال مدريد، فلورنتينو بيريس، المشجعين بشأن الأثر المالي لهذا الفشل، موضحا أن الحفلات الموسيقية لا تمثّل سوى 1% من ميزانية النادي التي تجاوزت إيراداتها 1.1 مليار يورو خلال موسم 2024-2025.
لكن بالنسبة للمدير التنفيذي لشركة الاستشارات “442 ديزاين” ومقرها في إدنبره الاسكتلندية، ديفيد دان،والذي عمل على مشاريع تجارية أطلقتها أندية مثل أرسنال الإنجليزي وميلان الإيطالي، فإن هذا الوضع يمثل “ضربة قوية وموجعة” للعملاق المدريدي.
وشرح في تصريح لوكالة فرانس برس أنه على الرغم من كون إيرادات المباريات، زيارات الملعب ومبيعات المتاجر “ممتازة”، إلا أن النادي كان يُعوّل على “تنظيم العديد من الفعاليات الكبرى والحفلات الموسيقية”.
ووفقا لموقع “بزنس إنسايدر”، كان ريال مدريد يأمل بالحصول على 100 مليون يورو سنويا من الفعاليات الموسيقية.
ويُقدّر الأستاذ رودريغيس غيريرو أن النادي خسر “عشرات الملايين من اليوروهات” هذا الصيف لصالح غريمه أتلتيكو، كما يؤكد أنه في حال رغب باستئناف إقامة الحفلات على ملعبه، فإن ذلك “سيكلّفه الكثير” من الاستثمارات.
حلّ “غير بسيط”
أشار الخبير في الهندسة المعمارية بجامعة بوليتكنيك في كاتالونيا، فرانسيسك دومال، إلى أن نقطة الضعف الرئيسية في ملعب سانتياغو برنابيو في ما يخص الحفلات الموسيقية تكمن في سقفه القابل للطي، معتبرا أن الملعب “يشبه الخيمة”، لأنه مغطى بهيكل “خفيف” مع “فتحات وألواح خارجية تسمح بدخول الهواء”.
وأضاف أن “حلّ مشكلات عزل الصوت” الناتجة عن الحفلات الموسيقية “ليس أمرا بسيطا” في ظل هذه الظروف، مشيرا إلى أن ملعب أتلتيكو مدريد، على العكس، صُمم منذ البداية مع إيلاء اهتمام خاص للصوتيات.
وأكد عشاق الموسيقى الذين توافدوا بأعداد كبيرة إلى ملعب ميتروبوليتانو في الأسابيع الأخيرة ميزة هذا الملعب.
وقالت سارة، وهي مختصة في مجال التواصل تبلغ من العمر 34 عاما، وحضرت حفلة تايلور سويفت في ملعب سانتياغو برنابيو، ثم حفلة المغني البريطاني إيد شيران في نهاية ماي في ملعب ميتروبوليتانو، إنه “من ناحية الصوت، برنابيو هو أسوأ مكان شهدناه”، على عكس ميتروبوليتانو الذي اعتبرته “أفضل”.
ويفتخر مشجعو أتلتيكو مدريد بهذا التشخيص، إذ قال دافيد غيريرو (27 عاما) مرتديا قميصا لفريقه المفضل يحمل اسم إيد شيران عليه: “نحن سعداء لأن الحفلات تُقام في ميتروبوليتانو، بينما يواجه سانتياغو برنابيو المتاعب”.