أخبار عاجلة
منخرطون بالوداد يتناقشون "عن بعد" -

العالم يكتب بالأرقام المغربية الغُبَارِيَّة .. والمشرق يتمسّك بالهندية!

العالم يكتب بالأرقام المغربية الغُبَارِيَّة .. والمشرق يتمسّك بالهندية!
العالم يكتب بالأرقام المغربية الغُبَارِيَّة .. والمشرق يتمسّك بالهندية!

في عالم تُقاس فيه الأمم بمدى توحيد نُظُمها التعليمية والتقنية، لا تزال الدول العربية منقسمة حول أبسط أدوات التعبير: الأرقام.

ففي حين تعتمد بلدان المغرب العربي الأرقام المغربية الغُبَارِيَّة، المعروفة عالميًا بـ”الأرقام العربية” (0 1 2 3 4 5 6 7 8 9)، تواصل دول المشرق استخدام أرقام ذات أصل هندي (٠ ١ ٢ ٣ ٤ ٥ ٦ ٧ ٨ ٩)، تُدرَّس في المدارس، وتُكتب في الصحف، وتُطبع في الوثائق الرسمية.

اللافت أن الأرقام المغربية الغبارية ليست مجرد بديل تقني، بل تمثّل امتدادًا علميًا لما أبدعه العلماء في الأندلس والمغرب خلال القرون الوسطى. لقد طوّر هؤلاء رموزًا عددية بسيطة وفعّالة، تنسجم مع الخط العربي، وتُبنى على النظام العشري، وتُميز بوضوح بين القيم والمواقع، وأدخلوا مفهوم الصفر بطريقة ثورية غيّرت وجه الرياضيات.

هذه الأرقام هي التي انتقلت إلى أوروبا عبر الترجمات اللاتينية في طليطلة وصقلية، لتُصبح الأساس في كل منظومات العدّ الحديثة، من الآلة الحاسبة إلى الإنترنت.

فلماذا، إذن، ترفض دول المشرق اعتماد هذا النظام الرقمي؟

الجواب ليس علميًا ولا تربويًا، بل في الغالب تاريخي وبيروقراطي. فمع ظهور الطباعة في المشرق العثماني، جرى اعتماد الأرقام الهندية المشرقية في المطابع الرسمية، ثم تعمّق استعمالها في الإدارة والمدرسة، وأصبح تغييرها لاحقًا أشبه بمواجهة التراكم الإداري والعقلي معًا. ثم جاءت الأنظمة التعليمية الحديثة، فتبنّت الموروث كما هو، دون مراجعة جديّة.

لكن هذا الجمود يقابله في الغرب والعالم المتقدّم تبنٍّ شامل لما يُسمى بـ”Arabic numerals”، أي الأرقام الغبارية. إذ تُستعمل اليوم في كل العلوم الدقيقة، وفي البرمجة، والاقتصاد، والهواتف الذكية، بل وتُعدّ اللغة الرقمية العالمية. أما الأرقام المشرقية فمحصورة في الاستعمالات المحلية، ما يجعلها عبئًا لا أداة، ويجعل المتعلم العربي المشرقي بحاجة إلى ترجمة داخل لغته.

وقبل اثنتي عشرة سنة، طرح المؤرخ والدبلوماسي المغربي الراحل الدكتور عبد الهادي التازي، في إحدى ندوات المؤتمر الـ79 لمجمع اللغة العربية في القاهرة، نفس السؤال من موقع علمي موثوق.

فقد دعا التازي بوضوح إلى اعتماد الأرقام المغربية الغُبَارِيَّة المتداولة عالميًا في بلدان المشرق العربي، بدل الأرقام “الهندية” المستخدمة في عدد محدود من دول المنطقة.

واستند التازي، في محاضرته حول “المصطلح بين المغرب والمشرق ثقافيًا وعلميًا ولغويًا”، إلى مخطوطة مغربية تعود إلى القرن الثاني عشر الميلادي، من تأليف ابن الياسمين المراكشي، تضمّنت الأرقام المغربية الغبارية بصيغتها العالمية الحالية، مفنّدًا بذلك زعم بعض المشارقة بأنها وافدة على المغرب بعد الاستعمار، أو أنها مجرد أرقام “إفرنجية”.

بعض الدول العربية بدأت تطرح السؤال علنًا. دولة قطر، مثلًا، قررت قبل سنتين اعتماد الأرقام المغربية الغبارية في التعليم والإدارة، وهو توجّه ينسجم مع توصيات سابقة من جامعة الدول العربية، و”الألكسو”، ومجامع اللغة العربية، التي طالبت بتوحيد النظام العددي العربي على أساس الأرقام الغبارية، المعتمدة مغاربيًا والمتداولة عالميًا.

اعتماد الأرقام المغربية الغبارية في المشرق ليس مجرد تعديل شكلي، بل هو استعادة لرصيد حضاري عربي، ومصالحة مع الذات العلمية، وتوحيد لبنية التعليم العربي في زمن تتعاظم فيه الحاجة إلى التكامل المعرفي.

إن السؤال لا ينبغي أن يكون: لماذا لا تستخدم دول المشرق الأرقام المغربية؟

بل: لماذا تتردّد في ذلك، رغم كل ما يفرضه المنطق، والتاريخ، والتكنولوجيا؟

وحين نملك شجاعة الإجابة، نكون قد خطونا أول خطوة في اتجاه التصحيح.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق مصدر رسمي بوزارة التربية والتعليم ينفي اعتماد نتيجة الثانوية العامة 2025 حتى الآن
التالى بقاء أم رحيل؟.. الأهلي يكشف موقفه النهائي تجاه أحمد عبدالقادر