أخبار عاجلة

من المختبر إلى الحقل.. محصول "الكِينْوا" المقاوم للجفاف يَزيد المردودية

من المختبر إلى الحقل.. محصول "الكِينْوا" المقاوم للجفاف يَزيد المردودية
من المختبر إلى الحقل.. محصول "الكِينْوا" المقاوم للجفاف يَزيد المردودية

من مختبرات البحث إلى الأسواق مرورا بحقول الفلاحين، تستمر جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية في قيادة تحول جوهري للبحث التطبيقي في المحاصيل الزراعية المرنة، جاعلة منها “حلولا عملية” لصالح الفلاحين المغاربة.

النموذج عاينته جريدة هسبريس، اليوم الأربعاء، ضمن موسم حصاد محصول زراعة “الكِينوا” في إحدى المنصات التطبيقية لمبادرة “المثمر” التابعة للجامعة بدعم من مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، التي تم العمل عليها منذ منتصف فبراير 2025 بجماعة “ريصانة الشمالية”، الواقعة بإقليم العرائش المعروف بطابعه الفلاحي.

وتوجت “UM6P” ، بالتعاون مع خبراء ومُهندسي “المثمر”، سبع سنوات من البحث العلمي حول محصول “الكينوا” بإرساء نموذج مواكبة متكامل يُحدث تحولا نوعيا في زراعات يعوّل عليها كثيرا لتشكل “محاصيل المستقبل” بالمغرب.

تنويع للزراعات ومقاومة للجفاف

أمام تفاقم آثار التغير المناخي وتراجع الموارد المائية، يشهد القطاع الفلاحي بالمغرب “مراجعة” لأنماطه الإنتاجية؛ ما دفع المحاصيل الزراعية المقاومة للجفاف أو المتأقلمة معه إلى صدارة “الخيارات الإستراتيجية” والمستدامة لمواجهة هذه التحديات.

الكينوا (quinoa)من أبرز الخيارات الواعدة التي تتيح تنويع النظم الزراعية، وتقليص الاعتماد على المياه، وتعزيز الأمن الغذائي. وتمتاز هذه المحاصيل بقدرتها على النمو في ظروف بيئية ومناخية متنوعة، وبكونها أقل حاجة للمُدخلات الزراعية؛ مما يفتح آفاقا واسعة لتثمين سلاسل القيمة الفلاحية المحلية، حسب شروحات قُدمت لجريدة هسبريس.

ويعد الكينوا من المحاصيل المتميزة التي تجمع، وفق مسؤولي المثمر الذين التقتهم هسبريس، “قدرة عالية على التكيف والصمود في وجه الظروف المناخية القاسية، إلى جانب قيمته الغذائية العالية”، مؤكدين أن “زراعة الكينوا استجابة فعالة للتحديات الزراعية والمناخية المتزايدة، كما تُسهم في تحسين مداخيل الفلاحين وتعزيز السيادة الغذائية”.

مواكبة تُثمر “نتائج واعدة”

قال عبد الدائم الحجام، مهندس زراعي المسؤول الجهوي لمبادرة “المثمر” بمنطقة الشمال والغرب، إن “المنصات التطبيقية لزراعة الكينوا- المبادرة تهدف إلى تنويع الأنظمة الزراعية لمواجهة التغيرات المناخية والجفاف”، مبرزا أن “المبادرة ركزت على زراعات مرنة ومستدامة مثل زراعة الكينوا؛ بوصفها زراعة غنية بالبروتينات وتتكيف مع مختلف أنواع المناخ والتربة”.

وأفاد الحجام، متحدثا لهسبريس على هامش موسم الحصاد بالمنصة التطبيقية لإقليم العرائش، بأنه “تم تنفيذ منصات تطبيقية للكينوا في 12 إقليما و60 موقعا على الصعيد الوطني”، منوها بأنها “تربط بين البحث العلمي والتطبيق العملي للفلاحين ومواكبة تكوينية طيلة مراحل الزراعة وصولا للتسويق”.

وأضاف شارحا “تندرج هذه الجهود ضمن رؤية شاملة لربط البحث العلمي، المنجز في جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية وكذا في الجامعات الوطنية الأخرى، بالواقع الميداني للفلاح، من خلال تجريب نتائج البحوث العلمية وتقريب المسارات التقنية المُعقلَنة إليهم، بما يساهم في تعزيز قدراتهم وتبني ممارسات فلاحية حديثة وفعالة”.

وحسب المهندس الزراعي عينه، فــ”المنصات تستند إلى مسار تقني معقلن يشمل تحليل التربة والتسميد وصولا للحصاد والتسويق”؛ ما يشمل “مواكبة على طول السلسلة”، مفيدا بنتائج واعدة حققتها المنصة التطبيقية للكينوا في ريصانة الشمالية بـ”مردودية وإنتاجية مرتفعة تصل إلى 25 قنطارا في الهكتار الواحد، مقابل 14 قنطارا في الحقول التقليدية؛ بزيادة تفوق 87 في المائة، إلى جانب تحسن ملحوظ في جودة الإنتاج”.

وختم قائلا: “تضطلع هذه المنصات بدور محوري في ترسيخ الممارسات التقنية الحديثة لدى الفلاحين، واعتمادها كمدارس حَقلية تُنظم بها دورات تكوينية ميدانية في كل مرحلة من مراحل الإنتاج. ويُعد الهدف الأسمى من هذا البرنامج هو الرفع من مردودية الفلاحين، وتحسين جودة منتجاتهم، وتعزيز قدرتهم على التأقلم مع التغيرات المناخية، مع الحفاظ في الآن ذاته على الموارد الطبيعية”.

حصادُ 7 سنوات من البحث العلمي

من جانبها، تحدثت منال المهادى، أستاذة باحثة بكلية الزراعة وعلوم البيئة بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية بن جرير، بفخرٍ عن خلاصة سبع سنوات مرت على “إطلاق مشروع زراعة الكينوا” قادها البحث العلمي المستمر.

وقالت المهادى: “تُوجت، هذا العام، بتنزيل فعلي على أرض الواقع من خلال العمل مع الفلاحين في الميدان. خلال هذه الفترة، أجرينا دراسات معمقة شملت مجموعة من الأصناف، وركزنا خلال السنوات الثلاث الأخيرة على تتبع مدى تأقلمها مع مختلف أنواع المناخ في عدد من المناطق المغربية”.

وحسب الأستاذة الباحثة، في حديثها لهسبريس، “تم اختيار منطقة “ريصانة” بالعرائش كنموذج تطبيقي؛ بالنظر إلى طابعها المناخي شبه الجاف، لإثبات قدرة الكينوا على مقاومة الجفاف. فنحن في جامعة محمد السادس نؤمن بأهمية السبق العلمي في مواجهة التغيرات المناخية، ونسعى إلى تقديم حلول استباقية تُسهم في تعزيز الأمن الغذائي”.

وشددت على “توعية الفلاحين بواقع التغير المناخي، وضرورة الاستعداد له من خلال إدماج زراعات بديلة كالكينوا، أو العودة إلى زراعات تقليدية مَرنة مناخيا مثل الشعير، عبر إدماجه مجددا ضمن الدورة الزراعية”.

وأفادت بـ”اشتغال جارٍ على تطوير أصناف جديدة من الكينوا بالبحث العلمي، ونعمل بالتوازي على إدماجها في النظام الغذائي المغربي. وقد انخرط معنا في هذا التوجه مهنيون من مدرسة الفندقة بالجامعة، لاكتشاف سبل دمج ‘الكينوا’ في المأكولات المغربية التقليدية”.

أشادت المهادى، وهي أستاذة باحثة متخصصة في تنويع الزراعات، بـ”التعاون المثمر مع الفلاحين عبر المنصات التطبيقية بشكل أتاح التأكد من أهمية التوقيت في تطبيق التقنيات المناسبة؛ ما ينعكس إيجابا على المردودية وجودة المحصول”، مردفة بالاستدلال: “سَجلنا هذا العام فرقا واضحا بين منصة تطبيقية لم تتبع المسار التقني إلا جزئيا، وأخرى تم فيها تطبيق التوجيهات التقنية الكاملة التي اختارها المهندسون؛ فكانت النتيجة 14 قنطارا لكل هكتار في الأولى مقابل 24 قنطارا في الثانية”.

ومن أهم الخلاصات المثبتة، حسبها، أن “هناك أصنافا من الكينوا أظهرت قدرة كبيرة على التأقلم مع بيئات ومناطق متنوعة، دون أن يطرأ تغيير كبير على قيمتها الغذائية من منطقة إلى أخرى؛ ما يعزز من جدواها كزراعة استراتيجية مستقبلية قابلة للتعميم بالمغرب”.

شهادة فلاح

الخلاصات العلمية والمواكبة من مسؤولي المثمر تَدعمُها بقوة شهادةُ رضوان خيرون، فلاح بالمنطقة التي عرفت منصة تطبيقية لزراعة الكينوا (إقليم العرائش)، قائلا لهسبريس: “تعرفتُ على زراعة الكينوا لأول مرة من خلال خبراء برنامج “المثمر”. وبفضل الدكتورة منال التي كان لها دور محوري في إدخال هذه الزراعة وتوجيهنا نحو اعتمادها. واليوم، أشتغل معهم للسنة الثالثة على التوالي ضمن المنصة التطبيقية، التي تُعد تجربة ميدانية ناجحة بكل المقاييس”.

وتابع المتحدث للجريدة خلال معاينتها لمحاصيل حَقله: “حاليا، نشتغل على منصتين تطبيقيتين. وصلنا في مرحلة الحصاد؛ بعض الأنواع تم حصادها بالفعل، بينما لا تزال أنواع أخرى في انتظار الحصاد، نظرا لتعدد الأصناف المزروعة. وقد سجلنا مردودية متميزة؛ إذ بلغ الإنتاج أزيد من كيلوغرامين ونصف الكيلوغرام في الهكتار، أي ما يعادل 25 قنطارا للهكتار، مقارنة بـ14 قنطارا في الأراضي التي لم يتم اعتماد المسار التقني الموصى به فيها”.

حسب إفادة الفلاح ذاته، “ما يُميز زراعة الكينوا هو قدرتها العالية على التكيف مع قلة التساقطات ومقاومتها للجفاف؛ مما يجعلها خيارا مثاليا في ظل الوضعية المناخية الصعبة التي نعيشها حاليا. كما أن ثمنها جيد، ونحن، اليوم، نسوّق المنتوج من خلال تعاونيات تتكلف بجَمعه وترويجه؛ ما يشجع على الاستمرارية، ويوفر مداخيل مهمة للفلاح”.

ولم يُخف الفلاح ذاته شُكره إلى “خبراء المثمر، وكذا إدارة البرنامج، على المرافقة والدعم المستمرين. لقد تعرفت على هذه الزراعة بفضلهم، ولم أكن أعلم عنها شيئا من قبل؛ لكنني اقتنعت بها، من خلال المعطيات العلمية والتقنية التي قدموها. وأؤمن، اليوم، أكثر من أي وقت مضى بأن التقدم في القطاع الفلاحي، كما في سائر القطاعات، لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال العلم والمعرفة، وبالاعتماد على الخبرات التقنية والهندسية المجربة”.

“نموذج قابل للتعميم”

استنادا إلى تجربة ناجحة تمتد لأكثر من 13 سنة في زراعة الكينوا، “تعمل فِرقُ المثمرة -حاليا- مدعومة بخبرات كلية الزراعة في جامعة UM6P على تطوير إطار منهجي متكامل يرتكز على ثلاثة محاور أساسية”، وفق معطيات رسمية توفرت لـ هسبريس.

المحور الأول يهم “التأقلم، من خلال تقييم مدى التوافق الإيكولوجي للزراعات مع الظروف المحلية”. أما “المردودية”، فتعد الثاني عبر “نَمذجة علمية للإنتاجية المحتملة”، دون إغفال “الربحية، من خلال تحليل الجدوى الاقتصادية.

وبعدما أثبتَت هذه المنهجية “فعاليتها في مجال الكينوا”، بدأت اليوم تُعتمد لتشمل زراعات استراتيجية أخرى مقاومة للمناخ، مثل الذرة الرفيعة (السورغو) و” le mil ” في المناطق شبه القاحلة، وبعض أنواع البقوليات؛ مما يدل على “قدرة هذا النهج على التعميم والتكيف لتوسيع نطاق تنويع الأنظمة الزراعية بشكل مستدام، في مواجهة التحديات المناخية المتزايدة”.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق عمرو رمضان مديرا فنيا لفريق كفر البطيخ بالقسم الثالث
التالى بعد رحيل الأمير النائم كم وصلت تكلفة بقاء الوليد بن خالد في غيبوبة 20 سنة