صرخةٌ للضمير الإنساني الثقافي المغربي، جمعت مثقفين مغاربة بارزين ضد إبادة إسرائيل فلسطينيّي غزة وتجويع الأحياء منهم أطفالا ونساء وشيوخا، حيث قالوا بصوت واحد: “إن ما نشهده اليوم من فظائع، تهزّ ضمير العالم، سيكون له أثر حاسم في صياغة هوية جديدة للبشرية التي لم يعد أمامها إلا خياران: أن تنهزم أمام التوحش وقانون الغاب، أو تنتصر للقيم الفضلى التي صاغتها الإنسانية عبر قرون من الكفاح والتضامن الإنساني”.
ومن بين الأسماء الثقافية الأكاديمية والفكرية والفنية البارزة الموقعة: أحمد شحلان، عبد اللطيف اللعبي، محمد بنيس، محمد نور الدين أفاية، مليكة العاصمي، عبد الإله بلقزيز، سعيد بنسعيد العلوي، سعيد بنكراد، صلاح الوديع، أحمد بوزفور، محمد الأشعري، محمد علي الرباوي، ياسين عدنان، عز الدين العلام، حسن نجمي، سعيد المغربي، محمد الساسي، مراد القادري، سعد سرحان، محمد المعزوز، محمد عبد الرحمان التازي، لطيفة البوحسيني، نبيل ابن عبد الجليل، إدريس كسيكس، عبد الصمد بنشريف، صلاح بوسريف، فؤاد بوعلي، إبراهيم القادري بوتشيش، فريدة بليزيد، امحمد جبرون، أحمد بوغابة، عبد الصمد بلكبير، طه عدنان، وعبد الجبار خمران.
وتأتي هذه المبادرة استمرارا لمواقف متعددة من الصف الثقافي المغربي، الذي نزلت وجوه بارزة منه في مسيرات ووقفاتٍ بعدد من مدن المملكة، ومن بين أوجه التضامن بيانات جمعت أسماء بارزة منذ أكتوبر من سنة 2023، وإصدارات جماعية في مجلات وكتب حول “ما بعد 7 أكتوبر”، والعديد من العناوين الجديدة حول الإبادة الجماعية والقضية الفلسطينية والتواطؤ الرسمي الأمريكي ومن طرف “الاتحاد الأوروبي” مع تجويع الفلسطينيّين في غزة خاصة، والإعدام الجماعي لأطفالهم ونسائهم ورجالهم، في حرب إبادة سجّلت “مراسلون بلا حدود”، في تقرير سنة 2025 الراهنة، اغتيال إسرائيل فيها أزيد من مائتي صحافي، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الإنسان.
جرائم ضد الإنسانية
أدان المثقفون المغاربة الموقعون بشدّة “سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجُها كبرى دول العالم، وتجاهلها الفاضح للشرعية الدولية في معالجة القضية الفلسطينية، وصمتها المخزي أمام جرائم بالجملة ترتكب يوميا، لا تصفها المعاجم الإنسانية إلا بأنها جرائم حرب وجرائم إبادة”.
وتابع المثقفون والمثقفات المغاربة: “نحيّي كل أحرار العالم في كل الساحات، ونثمن نضالهم الدؤوب لشجب ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من تقتيل وإحراق وتجويع وإذلال، ونعلن مرة أخرى، مع كل الشرفاء عبر العالم، في هذه الفترة العصيبة، وقوفنا الثابت إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله العادل من أجل الحرية، وفي حقه غير القابل للتقادم في العودة، وفي إقامة دولته المستقلة طبقا لقرارات الأمم المتحدة. كما نطالب بالشروع الفوري في تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية القاضي بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967”.
المثقفون المغاربة، الذين من بينهم أعضاء مؤسسات رسمية ومسؤولون سابقون وزاريون وإداريون، توجّهوا إلى “السلطات المغربية بطلب إعادة النظر، وباستعجال، في اتفاق التطبيع الذي يجمع بلادنا بدولة الاحتلال. فالمغاربة لا يشرفهم ولا يليق بهم أن تواصل حكومة بلدهم تعاملها مع كيان مارق متورط في جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي”.
وتابع بيان المثقفين: “يجب على الدولة المغربية أن تحترم التزاماتها في جامعة الدول العربية لجهة مقاطعة الاحتلال، ونصرة حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، والعودة، وبناء الدولة المستقلة. ويهمنا، اليوم، أن ننبه حكومتنا إلى ضرورة احترام التزامات المغرب التاريخية تجاه الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني في أرضه والتمسك الصارم بها”.
صرخة ضد الإبادة
في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، قال المفكر والأكاديمي محمد نور الدين أفاية إن “هذا البيان ليس أول بيان أصدره المثقفون المغاربة حول الهمجية الصهيونية الغربية التي تمارس على الفلسطينيين من أجل محو الشعب الفلسطيني، فقد سبق أن أصدروا بيانات في بدايات الهجوم على غزة، وككل أصحاب ضمائر من مثقفين وغير مثقفين يتابعون هذه الإبادة وارتأوا إطلاق صرخة”.
وأضاف أفاية: “هذا ليس مجرد بيان، بل هو صرخة عالية موجهة إلى الضمير الإنساني، وإلى المسؤولين السياسيين للمساهمة الفعلية لا اللفظية فقط، لإيقاف ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من تقتيل وتجويع وإبادة. لم يعد من الممكن الاستمرار في التفرج على ما يجري، وكل إنسان يملك ضميرا يعيش معاناة وألما داخليا تجاه كل الهمجية التي تزداد من أجل محو الشعب الفلسطيني”.
بدوره، قال المؤرخ امحمد جبرون، في تصريح لهسبريس، إن “ما يحصل لا نستطيع حتى مشاهدته، ويفوق كل وصف أو قدرة للغة، ولم يسبق للإنسانية عيش فظاعات أقسى مما تعيشه اليوم. ما يحصل يدين الإنسانية بجميع ألوانها ومعتقداتها، ويديننا نحن الذين عاصرنا هذا الواقع”.
وأضاف جبرون: “للأسف الشديد، هذا ينسف حتى الأديان مثل الديانة اليهودية.. وأنا متأكد أنه في جوهرها لا يمكن إلا أن تكون ضد الأفعال هذه والفظاعات؛ لكن ما يحدث باسمها ونراه الآن ينسف حتى كونها ديانة سماوية”.
وزاد المؤرخ: “ما يحصل صادم، ونحن غرقى وعاجزون عن أي تصرف، ولا نملك أي شيء؛ وما وقّعنا عليه، كلمات شهادة ضدنا وليست لنا. أنا محبط من هذه الأشياء ولا غالب إلا الله”.
الشاعر صلاح بوسريف ذكر، بدوره، أنه “منذ بداية الحرب على غزة ومواقفي كما مواقف عدد من المثقفين المغاربة واضحة في هذا الاتجاه؛ هناك احتلال وهناك مقاومة، والمقاومة دائما مشروعة في تاريخ الاحتلالات في أمريكا وألمانيا… وأي بلد من البلدان”.
وأضاف بوسريف في تصريح لهسبريس: “القضية الفلسطينية عندي كمغربي وعربي، تشكل عارا كبيرا على السياسات الدولية المختلفة، في مختلف البلدان غربا وعربا، وينبغي أن تُحلّ وننتهي من هذا الاحتلال”.
ثم استرسل قائلا: “هذا البيان رغم تأخره مهم جدا؛ لأنه بيان عدد من المثقفين المغاربة بما يحملونه من ثقل وحضور في الساحة المغربية والعربية والدولية أيضا، ولأن الكثيرين تساءلوا عن المثقف أين هو؟ وما موقفه؟”؛ فبالتالي هذا الموقف “توكيد للموقف الشعبي العام المعبر عنه في شوارع العاصمة الرباط ومختلف مدن المغرب، والمعبر عنه عالميا حتى في شوارع دول تدافع عن الكيان الصهيوني”.
ثم ختم بوسريف تصريحه بقول: “المثقفون المغاربة دائما مع القضايا العادلة، ومن بين القضايا الأكثر عدالة في عالمنا اليوم القضية الفلسطينية”.
موقف ضد الهمجية
عبد الصمد بن الشريف، الكاتب والإعلامي الذي أدار “القناة الثقافية” الرسمية، شدّد على أن “ما يحدث في غزة من حرب إبادة وتجويع وتهجير قسري وممارسة كل أشكال التوحش والهمجية والتجريف والدمار، والصور الموغلة في الألم والوجع، التي يتابعها العالم، وللأسف طبع معها، لا يمكن إلا أن تحرك المشاعر الإنسانية وتنتفض في ضمير أي أحد.
واسترسل بن الشريف في تصريحه لهسبريس: “من غير الطبيعي وغير المنطقي القبول بتجويع مئات آلاف الأطفال، والنساء والرجال المتضورين جوعا، الذين يفرض عليهم الانتقال من منطقة إلى أخرى، بلا ماء وبلا دواء، بل حتى البحر الذي زرته ووقفت عليه في غزة يمنع الفلسطينيون من الاستحمام فيه، وتقتل إسرائيل الصيادين الذين يحاولون صيد الأسماك لسدّ الرمق! وتوزيع الإعانات تحول إلى فخ يقتلون فيه! إسرائيل حتى المساعدات حولتها إلى وجبة قتل يومية في قصف عشوائي مقصود يسقط عشرات الشهداء كل يوم”.
وواصل محاوِر محمود درويش الذي نشر حوارات الشاعر الفلسطيني: “جرائم الحرب المرتكبة ضد الإنسان، تحرك كل إنسان، ودور المثقفين والمبدعين والكتاب والإعلاميين في مثل هذه المآسي وكل العالم هو التحرك، والتنديد والإدانة وتعرية هذه الممارسات، لأن عدم القيام بهذا ستفهم منه إسرائيل تفويضا لتمعن وتتمادى في ممارساتها الهمجية وتستمر في التعذيب والإبادة والتطهير العرقي والتجويع”.
وزاد عبد الصمد بن الشريف: “هذه المبادرات، بصرف النظر عن قوتها وتأثيرها وقدرتها على تغيير الأوضاع، هي موقف. فإذا صمت الكل ولم ندد ولم نتظاهر، فهذا يعني أننا نتواطأ. والانسحابُ والاستسلام والاستقالة ورقة إضافية لقوات الاحتلال لتعيث فسادا وتدمر وتمدد الحرب لا في غزة فقط، بل في المسجد الأقصى بالقدس، وبالضفة الغربية، وبلبنان، وسوريا… وليمتد هذا المشروع الكبير لإعادة التحويل الجيواستراتيجي للمنطقة، بدعم من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي الرافض لفرض عقوبات على إسرائيل، برغم فضح مقرّرة الأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيزي إسهام شركاته في اقتصاد الإبادة وحرب الإبادة”.
إذن، أجمل المثقف والإعلامي المغربي: “كل موقف وتنديد بالجريمة، يساهم في الحفاظ على الحد الأدنى من القيم التي ينبغي أن تبقى حية في وجه التوحش والهمجية”.