قال يونس مجاهد، رئيس اللجنة الوطنية لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، إن الجدل بشأن مشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة “مسألة طبيعية، تدخل في إطار حرية التعبير والديمقراطية”، مستدركا أنه “بالنسبة لموضوع التنظيم الذاتي، ينبغي أن يعتمد الموقف على الدراية والخبرة، وعلى الأهلية أيضا، فالموضوع لا يحتمل المزايدة السياسية، بل النظر في مصلحة المهنة”.
وأضاف مجاهد، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن المهنة هي “التي تنظم نفسها، لذلك تسمى مجالس أخلاقيات الصحافة بالتنظيم الذاتي، الذي يتم بشكل تلقائي من طرف الصحافيين، وهو ما قمنا به منذ تسعينيات القرن الماضي، في إطار النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وما تؤكده كذلك التجارب الدولية التي قمنا بدراستها”، كما اعتبر أن ما تقوم به الحكومة في الوقت الحالي “ليس مخالفا للدستور” مثلما يدعي البعض.
وأشار المسؤول المهني إلى أن مسطرة الترشح باللوائح في التجربة السابقة “أثارت مشاكل وشرخا كبيرا داخل النقابة الوطنية للصحافة المغربية، ما زالت تعاني من تداعياته إلى اليوم، حيث ثار قياديون منها ونظموا احتجاجات ومنهم من لجأ إلى القضاء”، وتابع: “اللوائح الأخرى التي تشكلت دخلت في صراعات تميزت بالسب والقذف، مما أحدث جروحا داخل الجسم الصحافي، وشوه صورة المهنة، قبل أن يقوم أصلا التنظيم الذاتي، لذلك لا أعتقد أن الشروط متوفرة اليوم لاعتماد نظام اللائحة، سواء بالنسبة للوضع السائد في هذه النقابة أو في الجسم الصحافي”.
نص الحوار:
سجل بلاغ اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر أن الحكومة تجاوبت في جزء هام مع مقترحاتكم بشأن مشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، ومشروع القانون القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 89.13 المتعلق بالنظام الأساسي للصحافيين المهنيين. لكن ما رأيك في الجدل المهني الكبير المثار حوله؟
الجدل مسألة طبيعية، لأنه يدخل في إطار حرية التعبير والديمقراطية، لكن بالنسبة لموضوع التنظيم الذاتي، ينبغي أن يعتمد الموقف على الدراية والخبرة، وعلى الأهلية أيضا، فالموضوع لا يحتمل المزايدة السياسية، بل النظر في مصلحة المهنة، التي هي تنظم نفسها، لذلك تسمى مجالس أخلاقيات الصحافة بالتنظيم الذاتي، الذي يتم بشكل تلقائي من طرف الصحافيين، وهو ما قمنا به منذ تسعينيات القرن الماضي، في إطار النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وما تؤكده كذلك التجارب الدولية التي قمنا بدراستها.
لذلك، لا دخل للصراع السياسي في هيئة ينبغي أن تحصل فيها توافق بين المنظمات المهنية، أو على الأقل أغلبيتها، فإذا كانت الحكومة قد انطلقت من العمل الذي قامت به اللجنة المؤقتة، التي بدورها تشاورت مع المهنيين، وكلفت خبراء بإنجاز دراسات وأبحاث، واعتمدت كذلك على التقييم الذي أنجزه المجلس الوطني السابق، فإن السؤال المطروح على الآخرين، ما هي مراجعكم وما هي دراساتكم ومشاوراتكم مع كل الأطراف المهنية؟ وهل طلبتم اللقاء مع اللجنة المؤقتة التي تم تكليفها بالقانون لإجراء تشخيص وتقديم اقتراحات؟
قمتم بمراجعة التجارب الدولية في موضوع مجالس الصحافة، ودراسة كيفية تشكيلها وبنياتها وصلاحياتها ووضعها القانوني. هل ما تقترحه الحكومة اليوم سيوفر، وفق قراءتك، “نضج المهنيين وتوافقهم كأفضل سبيل” لإنجاح التنظيم الذاتي مثلما ترى اللجنة؟
نحن بالفعل أنجزنا دراسة حول 38 نموذجا من التجارب الدولية في مجال التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة، وهي في أغلبيتها الساحقة تعتمد على توافق الهيئات المهنية، وليس على الصراع والتناحر، وعندما تتدخل السلطات العمومية، فذلك بتفاهم مع هذه الهيئات، وفي أكثر البلدان ديمقراطية، يتم تشكيل الأعضاء والرئاسة بتوافق مع هذه السلطات، وهناك تجارب يتم فيها تعيين الرئيس وكذا الأعضاء، كما تنفتح هذه التجارب أيضا على ممثلي الجمهور أو منظمات تمثله.
الخلاصة في التجارب المتقدمة أن الأمر يترك للمهنة، لكن مع الوعي بأن الأمر يتعلق أيضا بحق المجتمع، وهو الوعي الذي ينبغي أن يتكرس في المغرب. وما قامت به الحكومة هو الاعتماد على تقرير اللجنة المؤقتة، الذي توصل إلى خلاصات بناء على رأي أغلبية الهيئات السبعة التي تشاورت معها، ومزجت في مقترحها بين الانتداب والانتخاب، ومنه صاغت الحكومة المشروعين، مع أخذ جزء هام منه فيما قدمته.
هناك الكثير من التعليقات لحكماء في مجال الصحافة والنشر ومهنيين وخبراء تقول إن هذه التعديلات تخالف في جزء منها ما ينص عليه الفصل 28 من الوثيقة الدستورية المعتمدة منذ 2011، فما رأيك في هذا السجال الدستوري؟
ماذا يقول الفصل 28 من الدستور؟ “تشجع السلطات العمومية على تنظيم قطاع الصحافة، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية، وعلى وضع القواعد القانونية والأخلاقية المتعلقة به”، فالسلطات تشجع، أي تنتظر من المهنيين أن يتوافقوا، لكنها هي التي تضع القانون، وهو ما يتم حاليا، لأن المهنيين لا يشرعون، بل هناك مشاريع قد تأتي من الحكومة أو مقترحات من الفرق البرلمانية، والسلطة التشريعية هي التي تشرع. المهنيون هم الذين يضعون القواعد الأخلاقية، وهو ما تم أيضا، حيث إن المجلس الوطني للصحافة اعتمد ميثاقا للأخلاقيات.
النقابة الوطنية للصحافة المغربية ترى أن “المشروع اختار، في صيغته الحالية، اعتماد نمط الاقتراع الاسمي الفردي، ضاربا بذلك عرض الحائط ما كرسته التجربة السابقة من اعتماد اللائحة المهنية”، ما رأيك في هذه النقطة مع العلم أن وصولك للرئاسة كان بناء على التصويت على لائحة “حرية، نزاهة، مهنية”؟
ما قمنا به سابقا في إطار النقابة الوطنية للصحافة المغربية ينبغي ألا يختزل في نقاش بين الانتخاب الفردي أو باللائحة؛ فقد نشرنا إعلانا لعموم الصحافيين الحاصلين على بطاقة الصحافة الذين تتوفر فيهم شروط الأقدمية التي ينص عليها القانون لتقديم ترشيحهم إلى لجنة حكماء، تتشكل من شخصيات وازنة في المغرب، من خارج هذه النقابة، وتوصلنا بعشرات الترشيحات، عرضت على هذه اللجنة، مرفقة بالسيرة الذاتية لكل مرشحة ومرشح.
هذه اللجنة هي التي اختارت الأسماء، التي رأت أنها تتوفر على الشروط الأكاديمية والخبرة المهنية والكفاءة والنزاهة. لذلك، فاللائحة كانت وطنية، وليست لائحة هذه النقابة؛ لأنه كان من غير المقبول أن تجتمع القيادة وتفصل لائحة على مقاسها، وتصفي حساباتها الشخصية، فهذا سلوك غير ديمقراطي ولا أخلاقي.
ومع ذلك، فإن هذه المسطرة أثارت مشاكل وشرخا كبيرا داخل النقابة الوطنية للصحافة المغربية، ما زالت تعاني من تداعياته إلى اليوم، حيث ثار قياديون منها ونظموا احتجاجات، ومنهم من لجأ إلى القضاء. كما أن اللوائح الأخرى التي تشكلت دخلت في صراعات تميزت بالسب والقذف، مما أحدث جروحا داخل الجسم الصحافي، وشوه صورة المهنة، قبل أن يقوم أصلا التنظيم الذاتي، لذلك لا أعتقد أن الشروط متوفرة اليوم لاعتماد نظام اللائحة، سواء بالنسبة للوضع السائد في هذه النقابة أو في الجسم الصحافي.
ذكرتم أن الهدف الرئيسي هو “الحرص على احترام أخلاقيات الصحافة كمطلب يتوافق حوله المهنيون ويتطلع إليه المجتمع الذي ينتظر من القطاع تقديم عمل صحافي يحترم كرامة الناس، لكن من جهة أخرى، أليس القطاع بحاجة إلى جهد جديد يتطلب “المصالحة مع المجتمع” الذي بات يشكّك في معظم ما هو صحافة وطنية؟
ليست لدينا دراسات حول مستوى ثقة المجتمع في الصحافة الوطنية، وهو عمل كبير ينبغي أن ينجز، لكن ما نتوفر عليه هو أن هناك خصاصا في موضوع احترام أخلاقيات الصحافة، وإذا كانت البنية الحالية لمقاولات الصحافة، في أغلبيتها، لا تسمح بتنظيمات داخلية قوية، فعلى الأقل ينبغي على المقاولات المتوسطة والكبرى أن تنظم نفسها، كما يحصل في التجارب الديمقراطية، حيث تحدث مجالس للتحرير، في إطار الديمقراطية التحريرية، تسهر هي نفسها على أخلاقيات المهنة وعلى استقلالية العمل الصحافي.
في ظل ما وصفتموه بـ”غياب الضمانات المالية والبرامج الاستثمارية وآفاق التطور والنمو، مما ينعكس على هياكل المقاولات الإعلامية التحريرية والإدارية”، ألا تتصوّر أن توفير هذه الضمانات يتطلب مرافقة مبدئية جديدة عبر وضع ميثاق أخلاقي يتجاوب مع خصوصية المرحلة وحساسيتها؟
أتصور أن مواثيق الأخلاقيات ليست قرآنا منزلا؛ فمن الطبيعي أن تتغير طبقا للحاجيات المهنية والمجتمعية، وأعتقد أنه في ظل الثورة التكنولوجية في التواصل، ودخول معطى الذكاء الاصطناعي، من الضروري على المجلس الوطني المقبل أن يراجع ميثاق الأخلاقيات الحالي، ليس لأن المقاولات تعاني من مشاكل، لكن لأن معطيات المهنة ومحيطها تتغير وتتحول.