مع حلول فصل الصيف، عادت الانتقادات لتطفو على سطح النقاش العمومي في المغرب، بسبب الارتفاع المتزايد في أسعار عدد من المنتجات والخدمات، سواء في قطاع الاستهلاك اليومي أم في الأنشطة المرتبطة بالسياحة والمطاعم. وتجد هذه الانتقادات صدى واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث كثرت التدوينات التي تُقارن بين الأسعار وجودة الخدمات المقدمة في المغرب وتلك التي تُعرض في بلدان مجاورة كإسبانيا والبرتغال.
وفي خضم هذا النقاش، وجّه أحمد العبادي، عضو فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، سؤالا كتابيا إلى وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، استفسر فيه عن “الإجراءات المزمع اتخاذها لتقوية أدوات الزجر في حق المخالفين لقواعد السلامة الصحية والجودة، وكذا المتلاعبين بالأسعار، خاصة في المطاعم، بما فيها التابعة للفنادق، ومحلات بيع وتوزيع وتقديم المأكولات والمشروبات”.
واعتبر النائب البرلماني أن موسم السياحة الصيفية يُسجّل ارتفاعا ملحوظا في حركة السفر الداخلي، ومعه يزداد الإقبال على المطاعم والوجبات السريعة؛ “مما يعرض المستهلكين أحيانا لمخاطر التسمم الغذائي الفردي أو الجماعي”.
ودعا العبادي إلى “تكثيف حملات التفتيش والمراقبة وتفعيل إجراءات الزجر الفعلي في حق المخالفين من أجل حماية سلامة المواطنين ووقف فوضى الأسعار، خاصة في المناطق السياحية”.
من جهته، قال بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، إن الحديث عن مراقبة الأسعار في المغرب يُعد نوعا من التضليل؛ لأن الأسعار محررة قانونا منذ سنة 1986 بموجب القانون رقم 104.12، باستثناء ثلاث مواد فقط: السكر، غاز البوتان، والدقيق المدعم.
وأوضح الخراطي، ضمن تصريح لهسبريس، أن دور أجهزة المراقبة يجب أن يركز على الإشهار بالأسعار وليس على التسعير، حتى يُتاح للمستهلك أن يختار وفق قدرته الشرائية.
وأكد الخراطي أن الحل يكمن في تعزيز وعي المستهلك، الذي يُمكنه رفض شراء المنتجات التي لا تناسبه سعرا أو جودة، داعيا إلى إحداث مؤسسة مستقلة لحماية المستهلك تكون جهة مرجعية واضحة وموحدة، بدل الوضع الحالي الذي يجعل كل شكاية تدور بين مؤسسات متفرقة تتنصل من المسؤولية.
من جانبه، اعتبر بوجمعة موجي، نائب رئيس جمعية حماية المستهلك بالدار البيضاء، أن أسباب الغلاء متعددة؛ من ضمنها الجفاف، وتداعيات الحرب في أوكرانيا، وارتفاع أسعار المواد الطاقية، لكنها لا تُبرر الوضع الحالي الذي يعرف فوضى كبيرة في الأسعار وتعدد المتدخلين في سلاسل التوزيع.
وأوضح موجي، ضمن تصريح لهسبريس، أن المنتَج الواحد قد يمر عبر خمس أو ست وساطات قبل أن يصل إلى المستهلك، وكل طرف يُضيف هامش ربحه؛ ما يفاقم التكلفة النهائية.
وأشار الفاعل المدني عينه إلى أن بعض المواد مثل فاكهة التين تُعرض بأسعار تصل إلى 50 درهما للكيلوغرام الواحد، في مشهد لا يتوافق مع المنطق أو الواقع الاقتصادي للمواطن البسيط.
وختم موجي بالتحذير من أن غياب التنسيق بين المؤسسات المعنية بالمراقب واستمرار التساهل مع ظاهرة تعدد الوسطاء يهددان بتكريس مناخ من الفوضى الاقتصادية التي تضر بالمستهلك وبالثقة العامة في الأسواق، داعيا إلى مراجعة الآليات الحالية وتعزيز الرقابة الفعلية والنزيهة حماية لجيوب المواطنين وضمانا لحسن سير السوق، في ظل نظام اقتصادي يُفترض أنه حر؛ لكنه يحتاج إلى حُسن تدبير وانضباط صارم.