أخبار عاجلة
من الأفضل في 2025؟ مقارنة شاملة بين MG 5 وBYD F3 -

لوحة "نيروز" تهمس بالشعر والذاكرة

لوحة "نيروز" تهمس بالشعر والذاكرة
لوحة "نيروز" تهمس بالشعر والذاكرة

قراءة بصرية في آخر أعمال الرسام المغربي محمد البقالي؛ قراءة تفاعلية مع اللوحة بِنَفَسٍ أدبي وليس نقدي، قراءة في صيغة حوار صامت بين الفن البصري والفن السردي. ارتأيتُ تسمية اللوحة “نيروز”، وتعني “بداية يوم جديد” أو “الوردة المفتحة”، ووضعتُ للحوار/القراءة عنوان “مرآة مشتعلة”.

“مرآة مُشتعِلة”

ذات مساءٍ منسيٍّ من خريف مرتيل، كان موعدي مع الرسام المُبدع محمد البقالي، أخبرني قبل أيام بمولوده الجديد، رنين صوته عبر الهاتف يوحي بسعادة استثنائية، كان يُلِح أن أحتفي معه بمولوده الجديد.. في مرسمه والشمس تتهيأ للغروب وقف البقالي مُنتصبا بين لوحاته الناطقة بألوانها كأنه شاطو بريان في حانته، استقبلني مُبتسما كعادته، ولم يُشِر علي بأي من اللوحات مولوده الجديد، كأنه ينتظر أن أكشف عنه أو أن يكشف المولود عني. تسمَّرتُ أمام لوحة تفيض بالألوان، وتُوحي بحكايات غابرة في الزمان. بين الألوان والصمت أخدني خيالي مُخترقا اللوحة كأنها مدينة من حكايات شهريار، دخلتُ إلى مدينة لم تكن على الخريطة. مدينة نائمة على كتف التلال، يتناهى من شرفاتها أنين الزمن العتيق. لم أكُن أعلم أني على وشك الدخول في لوحة، لا في مكان.

البوابة عالية، كأنها مجازٌ للهروب من الحاضر. خَشبُها منحوتٌ بنَفَسٍ صوفي، تتوسطه وردةٌ تُشبه الشمس لكنها لا تحترق، بل تُضيء من الداخل. خلفها، انكشفت لي مدينةٌ نصفها زليج ونصفها ذاكرة.

على يميني، رُصِّفت الجدران بفسيفساء من الألوان: الأزرق المائي، الأخضر النقي، البنفسجي العتيق، والذهبي الذي بدا كأنه لم يُصْهر، بل وُلِد كذلك، كاملاً من نور. كل مربع كان نافذة، وكل نافذة حكاية، وكل حكاية نيروز.

شيخٌ عجوز بلحية من غبار الذهب يخاطبني في خيالي:

“هذه مدينة الزخارف التي نُسِيت في كتب التاريخ، وكل حجرٍ فيها يعرف اسمه، وكل بابٍ يحفظ سيرة من عَبَرَ تحته.”

تابعتُ السير في دروب اللوحة/المدينة، وكانت الأرض نفسها مصنوعة من الشِّعر: كل خطوة بيت، وكل نظرة قافية. وفي القلب، رأيتُ ذلك الشكل المقوّس كقمرٍ نائم، مرصّعاً بالورود المتناثرة، يسبح وسط سماء تشتعل بلون الغروب.

“أتراها سفينة؟” سألني الطفل الذي يسكنني.

قلت له: “أراها دعاءً كبيراً يُبحر نحو الله.”

انتبهتُ مذهولا، لا أدري كم استغرقت زيارتي للوحة/المدينة، للنيروز… كان مُبدع اللوحة يُراقبني بصمت، كأنه يعرف أنني سافرتُ في اللوحة بخيالي، ولم أكن أعلم إن كنت داخل لوحةٍ مرسومة، أم إن اللوحة قد دخلتني.

هذه الأقصوصة ليست شرحًا للوحة، بل تجسيدٌ لحوار صامت بين الفن البصري والفن السردي، بين ما يُرى وما يُحسّ، بين ما يُقال وما يُلمح فقط.

في هذه اللوحة الساحرة للفنان محمد البقالي، يتداخل الفن بالتاريخ، ويهمس الماضي في أذن الحاضر بقصائد من ذهبٍ وفيروز وفسيفساء الحنين.

القبّة الذهبية تنحني كقارب أسطوري يمخُرُ عباب بحرٍ من الضوء والظل، تحملها زخارف الأندلس وتوشحها أسرار الحرف العربي المخبوء في الزوايا. في قلبها، تنهض بوابةٌ مهيبة، أشبه بمحرابٍ مفرغ من خشب الأرز العريق، تتوسطها وردةُ شمسٍ تتفتح على العزلة، ويُطرزها صمتُ الأرواح التي مرّت من هنا ذات نشيد.

اللوحة ليست مجرد ألوان، بل هي نصٌ بصري، روايةٌ تنسجها الأرابيسك مع فن الزليج، حيث كل مربعٍ في الأسفل هو فصلٌ من تاريخ مدفون، أو رسالةٌ أرسلها حرفٌ عربيٌّ من غربته الطويلة.

الأزرق الحالم، الذهبي المتوهّج، الأخضر المتوسّطي، كل لون فيها ينطق بلسان المدن التي احترقت ولم تمت.

السماء في الخلفية ليست مجرّد غروب، بل مرآة مشتعلة، كأنها تتذكّر ما لا يُقال: لحظة اندثار، أو وعدًا بعودة. أما ذلك الضوء الأصفر المُنسكب، فهو رجعُ القصائد التي لم تُكتب بعد، والتي ستُقال ذات مساء في حضرة الجمال، مع نيروز.

في هذه اللوحة، يُمكنك أن تسمع الخطوات الخشبية لجداتٍ يمشين على سجادة الزمن، أن ترى المعمار حين كان دعاءً، وأن تشمّ رائحة الحجر حين كان قلبًا نابضًا بالشمس.

هكذا يرسم محمد البقالي، لا بريشته فقط، بل بذاكرة المدن، وبأنفاس الأجداد، وبصوت الألوان حين تتحوّل إلى شعر.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق رئيس الوزراء يستعرض موقف توافر الأسمدة الزراعية ومنظومة حوكمة تداولها
التالى الاتحاد يطلب ضم موهبة الأهلي ضمن صفقة مروان عطية