يحيى الغليظ
على الرغم من كونها مصدراً لثروة طبيعية هائلة، تحولت مقالع الأحجار والرخام المنتشرة في منطقة وادي أمليل والنواحي المجاورة بإقليم تازة، إلى مصدر قلق متزايد للسكان المحليين والفاعلين البيئيين. فبينما تُستخرج أطنان من المواد الأولية يومياً، يظل السؤال الأبرز مطروحاً حول الأثر الحقيقي لهذه الصناعة على البيئة والتنمية المحلية، والتي تبدو شبه منعدمة.
ندوب في جسد البيئة
بمجرد النظر إلى المنطقة من بعيد، يمكن رؤية حجم الضرر البيئي الذي خلفته عمليات الاستغلال المكثف. فقد تحولت التلال الخضراء إلى حفر عميقة وتجاويف يتجاوز عمقها الحدود القانونية المسموح بها، مما يشكل خطراً داهماً على السكان والماشية. وتتفاقم المشكلة مع تطاير الغبار الكثيف الذي يغطي الأراضي الزراعية المجاورة، ويلوث الهواء الذي يتنفسه السكان، مسبباً أمراضاً تنفسية وحساسية.
كما أن الاستغلال المفرط يهدد الموارد المائية الشحيحة أصلاً في المنطقة، حيث يؤثر على الفرشة المائية السطحية والجوفية، ويلوث الأودية والمنابع الطبيعية. هذا بالإضافة إلى الضجيج المستمر الناتج عن التفجيرات وعمل الآليات الثقيلة، والذي يبدأ من الصباح الباكر حتى المساء، محولاً حياة السكان إلى جحيم لا يطاق.
اقتصاد محلي خارج المعادلة
على الرغم من الأرباح الطائلة التي تحققها شركات المقالع، فإن مساهمتها في الاقتصاد المحلي لجماعات مثل وادي أمليل وغياثة الغربية تبدو هزيلة للغاية. فجل العائدات تذهب لجيوب المستثمرين الذين غالباً ما يكونون من خارج المنطقة، بينما لا تستفيد الساكنة إلا من عدد محدود من فرص الشغل الهشة وفي ظروف تفتقر لأبسط شروط السلامة، مما أدى لوقوع حوادث مميتة في الماضي.
وتشير العديد من المصادر إلى وجود تهرب ضريبي واسع النطاق، حيث لا تصرح أغلب الشركات بالكميات الحقيقية المستخرجة من الأحجار والرخام، مما يفوت على خزينة الجماعات المحلية مبالغ مالية ضخمة كان من الممكن أن تساهم في تمويل مشاريع تنموية وبنية تحتية هي في أمس الحاجة إليها. وقد كشفت تقارير برلمانية عن حجم الخسائر المالية التي تتكبدها الدولة سنوياً بسبب هذه الخروقات، والتي تقدر بمئات الملايين من الدراهم.
غياب الرقابة وتساؤلات حول التراخيص
تطرح الفوضى التي يعرفها قطاع المقالع في وادي أمليل تساؤلات جدية حول نجاعة آليات المراقبة من قبل الجهات المسؤولة. فهناك حديث متزايد عن وجود مقالع تعمل بدون ترخيص أو بتراخيص مشبوهة، وعن تجاوزات خطيرة للقانون المنظم للقطاع دون حسيب أو رقيب. كما أن العديد من المقالع لا تلتزم بدفاتر التحملات، خاصة فيما يتعلق بإعادة تهيئة المواقع بعد انتهاء الاستغلال، تاركة وراءها “ندوباً” غائرة في الطبيعة يصعب شفاؤها.
مؤخراً، تصاعدت التوترات في المنطقة على خلفية اتهامات متبادلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما دفع مهنيي القطاع إلى التلويح بتنظيم مسيرات احتجاجية للمطالبة بفتح تحقيق قضائي.
في ظل هذا الوضع، يطالب السكان والفعاليات الحقوقية والبيئية بتدخل عاجل من السلطات لفرض احترام القانون، وتفعيل آليات المراقبة، وربط استغلال هذه الثروات الطبيعية بتحقيق تنمية حقيقية ومستدامة تعود بالنفع على المنطقة وسكانها أولاً، قبل أن يتم استنزافها بالكامل دون ترك أي أثر إيجابي يذكر.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"
المصدر :" جريدة أحداث الداخلة "