
بعد سنواتٍ من العمل الصحفي وصل خلالها محمد هشام عُبيَّه إلى منصب «رئيس تحرير»، انتقل من أروقة «صاحبة الجلالة» إلى عالم أكثر اتساعًا هو الكتابة لـ«التليفزيون والسينما»، لكنه رغم ذلك لم يخرج من «عباءة الصحفي» في التقاط الأفكار، وتقصيّ الحقائق وطرح التساؤلات في أعماله التليفزيونية التي حققت نجاحاتٍ وحصدت جوائز وأثارت الجدل.
وفي الفترة التي انتعشت فيها «الكتابة الساخرة» التي تعد «فاكهة الصحافة»، قدَّم «عُبيَّه» مؤلفاتٍ في هذا المجال مثل كتب: «الإنسان أصله جوافة»، «عزيزي 999»، «الحالة ميم»، فضلًا عن مجموعته القصصية «الشعور بالذنب من السفر جوا».
وفي الدراما التليفزيونية قدَّم: «زودياك»، «60 دقيقة»، «في كل أسبوع يوم جمعة» «بطلوع الروح»، «رسالة الإمام»، «صلة رحم»، «منتهي الصلاحية»، فضلًا عن أعمال شارك في كتابتها ضمن ورش السيناريو المختلفة مثل «زي الشمس»، «شبر ميه»، «رحيم»، «طلعت روحي»، بينما ينتظر الآن عرض فيلمه السينمائي «بنات الباشا» وانطلاق تصوير مسلسله الجديد «عسل أحمر» المأخوذ عن رواية لـ إبراهيم عيسى تحمل اسم «دم على نهد».
في هذا الحوار، وبعيدًا عن الفن قليلًا، يتحدث «عُبيَّه» عن جزءٍ من كواليس علاقته بالصحافة، وكيف استفاد منها في الكتابة لـ«التليفزيون والسينما»؟
عملت «صحفيًا» ووصلت لمنصب «رئيس تحرير» ثم اتجهت لـ«السيناريو» وحققت فيه نجاحاتٍ ملموسةً.. كيف ترى أحوال الصحافة الآن؟
أنا قابلت الراحل محمد حسنين هيكل مرةً واحدةً أعتقد في عام 2013 أو 2014، لا أتذكر بالضبط، ولكن أجريت معه حوارًا وكان رأي «هيكل» وقتها أنَّ «الصحافة مُتعِبة ومُتعَّبة»، وأرى أنَّ هذا الوصف ينطبق على حال المهنة الآن، لأن حديث «الأستاذ» ووصفه هو عنوانٌ عابرٌ للعصور، بل إنَّ أوضاع الصحافة الآن أكثر تعبًا من أيام «هيكل»، والمهنة مكبلة بفكرة غياب الحريات، ثم التحديات الخاصة بسطوة «السوشيال ميديا» وظهور جيلٍ جديدٍ لا يقرأ الصحف ولا يعرف ماذا تعني الجريدة؟
ولكن في رأيي، غياب الحريات هو التحدي الحقيقي أمام المهنة لأنه يجعل الصحفي لا يستطيع ممارسة عمله، أما التحديات الأخرى فهي مقدورٌ عليها، بمعنى: «معاك حرية فإنك تستطيع أن تقدم أفكارًا ومحتوى جادًا يجعل الجيل الذي لا يعرف يعني إيه صحافة يقرأك.. لكن مفيش حريات، إذن مفيش شغل حقيقي».
ابتعدت عن الصحافة ودخلت مجال كتابة «السيناريو» للسينما والتليفزيون.. ما الأسباب وراء ذلك؟
غيابُ «الحريات» كان سببًا في ابتعادي عن العمل الصحفي، لأنني لم أستطع ممارسة الصحافة الحقيقية التي تعودتُ عليها، ووجدت في «السيناريو» منفذًا أستطيعُ التعبير من خلاله عن أفكاري، أو الذي أريده بشكلٍ يصل إلى الجمهور بصورةٍ أوسع من خلال فن الصورة، وحتى الآن أقدم نفسي بصفتي «صحفيًا وكاتب سيناريو»، وهذا الترتيب مقصودٌ لأن كل ما حققته في مجال السيناريو كان الفضل فيه لـ«مهنة الصحافة» لأنني أستفدتُ منها «حاجتين أساسيتين»؛ الأولى: الانتباه إلى أنني أقدم أعمالًا مختلفةً عما يقدمه الأخرون، والقدرة على التقاط ما لا يلتقطه إلا الصحفي من تفاصيل صغيرة ونسج عالم حولها في شكل به تقصيّ والبحث عن الأسباب، والجزء الثاني يتعلق بالسرعة في الكتابة الجيدة إذا جاز القول، وهذه لها علاقة بالصحافة بشكلٍ أساسي؛ فأي زميلٍ يمارس عملًا مهنيًا حقيقيًا من المؤكد أنه تعرض لضغوطٍ تتعلق بالطباعة ومواعيد النشر والكتابة بشكلٍ جيدٍ.
هل تتابع الصحف الورقية أم تعتمد على المنصات الإليكترونيةِ؟
المتابعة موجودة، وحتى فترةٍ قريبةٍ كنت أشتري جرائد، ولكن قلَّت الآن تلك العملية، وهذا له علاقة بقلة عدد منافذ بيع الصحف فلا أستطيع الوصول إليها بسهولةٍ، وهنا أتذكر واقعةً كنت أريدُ الكتابة عنها ولكن ضيق الوقت منعني؛ فقد كنت في المغرب، ورغم قلة عدد السكان، وجدتُ منافذ بيع الصحف الورقية «كثيرة»، والجرائد المطبوعة ما زالت منتشرةً وقويةً وجريئةً و«بتتباع»، الآن كل يومٍ أدخل على المواقع الإليكترونية للقراءة، ولكن الاختيارات قليلة، لضعف المحتوى بسبب غياب الحريات، وبالطبع مستمر في الكتابة الصحفية في شكل مقال: «كل شوية أخبط على الصحافة.. أقول إنني هنا».
بعد انخراطك في الكتابة للتليفزيون وأخيرًا السينما.. هل من الممكن أن تعود لـ«ممارسة الصحافة» كما كنت قبل مرحلة «السيناريو»؟
أعتقدُ أنه من الصعب العودة إلى ممارسة الصحافة بشكلٍ يوميٍّ على طريقتي القديمة؛ هذا له علاقة بتغير الآليات، ولكن عمومًا أن أعودُ على فتراتٍ لكتابة مقال أو غيره، لأنني في العموم أنا من هواة ما يمكن وصفه بـ«الصحافة البطيئة»؛ المقال، الحوار، التحقيق.. أيضًا أجد أنَّ هناك بدائل لممارستي الصحافة مثل «البودكاست» الذي هو في النهاية «حوارٌ صحفي بين محاور وضيف».. أنا منفتحٌ على الكتابة في الصحف والمواقع الإليكترونية.. ولكن ما يهمني «الآلية» و«الحرية».
في ظل سيطرة السرعة على الحياة وانتشار المنصات الإليكترونيةِ.. هل ترى أنَّ «صحافة العمق» قد تكون «وسيلة إنقاذ» تُعيد للصحافة بريقها وقوتها؟
نعم؛ ولكن شق الصحافة الخبرية لا يمكن الاستغناء عنه، ومهم أيضًا خاصةً في ظل تراجع الحريات لأن «الخبر» نفسه ليس موجودًا الآن، مثلًا أنا تابعت حادث الطريق الإقليمي عن طريق الإذاعة لأنني أقود السيارة لمسافاتٍ طويلةٍ، ووجدت أنَّ «خبر الحادث» لم يُذكر في النشرات الإخبارية المحلية، هناك خوف من نشره، وهذا الحادث به ألف سؤال لم يتم الإجابة عنه حتى الآن، وهذا دور «الصحافة البطيئة» أو «المُعمَّقة»؛ التحقيق والحوار والمقال والتحليل، أيضًا «صحافة ما بعد الخبر طول عمرها بتجيب زبون.. وهي الأبقى في رأيي».. وقد تكون «وسيلة إنقاذ» بالفعل كما تقول.
مِنْ أين تتابع أخبار الوسط الصحفي والشأن النقابي؟
أنا بعيد عن «جروبات النقابة»، ولكن أتابع أخبارها من الأصدقاء المشتركين مثلك، وأعرف أنَّ هناك مشكلاتٍ تتعلق بـ«البدل»، وأنا مرتبطٌ بالنقابة بشكل أو بآخر، وشاركت بالطبع في الانتخابات الماضية.. لكن أنا متابع ولست مشتبكًا في القضايا المهنية.
في حياتك المهنية هل تعاملت مع النقيب خالد البلشي.. وكيف ترى أداءه في هذا المنصب؟
كان بيننا تعاملٌ بسيطٌ في صحيفة «الدستور» عام 2005؛ وأنا أُقدِّره وكنت داعمًا له في انتخابات 2023 و2025 لأسباب تتعلق بشخصه، وأسباب تتعلق بالنقابة بحيث تظل صوتًا مستقلًا وليست تابعةً للسلطة، و«البلشي» قدَّم أداءً مدهشًا في الدورة الأولى وكان مفاجئًا لي، وعلى الرغم من شدة المنافسة، فقد كنت متأكدًا أنه سينجح في الانتخابات الماضية لأنه قدَّم نفسه في الدورة الأولى بصفته «نقابيًا حقيقيًا».
ولكن يبدو أنَّ الدورة الثانية له بها تحديات وعوائق غير متوقعة، وأرى أنَّ هناك حملاتٍ ممنهجةً ضده، ولكن من المبكر الحكم على أدائه في الدورة النقابية الثانية له، ومن حقك أيضًا أن تنتقد الذي انتخبته.
من المقرر أن تُجري النقابة تعديلاتٍ على «لائحة القيد» وفق توصية للجمعية العمومية.. هل لديك تصور لما يمكن إضافته في تلك التعديلات؟
نقطة الصحافة الإليكترونية يجب النظر إليها بعين الاعتبار؛ الصحفي الإليكتروني الذي لم ينشر في «جرائد ورقية» أعتقد أنَّ من حقه القيد بالنقابة؛ وهذا قد يُغلق الباب الخلفي للالتحاق بالنقابة، لأنه توجد مواقع إليكترونية تعمل بشكل مؤسسي وينظمها القانون.
هناك اعتراضات على جزئية «قيد» المحررين من المواقع الإليكترونية التي لا تمتلك صحفًا ورقيةً خاصة أنَّ القانون الحالي يمنع ذلك.. ما رأيك؟
نقابة الصحفيين يجب أن تضع «ضوابط صارمة» لدخول هؤلاء، لأن هذا باب شرعي، توجد مؤسسات أدخلت «آلاف» ممن لا يستحقون لأسبابٍ تتعلق بالانتخابات، مثل أن يكون هؤلاء «قوةً حاشدةً» لاسمٍ تابعٍ للمؤسسة في الانتخابات.. والقيد بالنقابة «حق مشروع» لأي زميل يمارس المهنة بأي وسيلةٍ «إليكتروني أو مطبوع»، ولكن بضوابط يتم وضعها مثل أن يكون الزميل معينًا ومؤمَّنًا عليه، وأن يكون الموقع الإليكتروني الذي يعمل به منتظمًا في العمل الجيد لسنواتٍ، فضلًا عن «شكل أرشيف الزميل إيه؟»، بغير ذلك إلى متى ستظل مخاصم تلك الطبقة؟؛ هناك صحف تأخذ مواد «كوبي بيست» من المواقع الإليكترونية وتنشرها، والعكس.. الحقيقة أنَّ مسألة الالتحاق بالنقابة تحتاجُ إلى النظر الجاد في التشريعات والقوانين من قبل «المختصين» ومِنْ الذين يهمهم الشأن النقابي.
في رأيك.. ما الصفات التي يجب أن تتوفر في الصحفي.. أو مَنْ هو الصحفي الحقيقي؟
«الصحفي» بالتأكيد ليس هو الذي يُصور الجنازات أو الذي يحضر العزاءات للحصول على كلماتٍ من الضيوف: «شعوركم إيه بعد وفاة فلان؟»، الصحفي يجب أن يكون قادرًا على كتابة تحقيقٍ جيدٍ، إجراء حوار شامل، ومقالٍ مقروء.. فكرة إلحاق المحرر بالنقابة لمجرد أنه «بيجيب» أخبار قد تكون إهانةً للمهنة، لأنَّ حتى هذه الأخبار قد تكون «مضروبةً».
الصحفي الحقيقي ليس مجرد «ناقل للأخبار»، ولكن يجب أن يمتلك الأدوات المهنية، «أرشيفه» يجب أن يكون مشتملًا على جميع الفنون التحريرية من الحوار الصحفي والتحقيق والتقرير والمقال والتحليل، وأن تُجرى له اختبارات حقيقية في تلك الفنون.
عند تناول «مهنة الصحافة» في الأعمال الدرامية، نجد العديد من «الأخطاء الساذجة» مثل عبارات: «أنا بعت المقال للمطبعة»، «مين شال اسمي من على الترويسة؟».. ما أسباب تلك «السقطات» في الكتابة أو نقل عالم المهنة؟
هذه الأخطاء تفسيرها أنَّ الذين يكتبون السيناريو أو يخرجون تلك الأعمال لا يعرفون «يعني إيه صحافة؟»، ولم يعرفوا «أسرار المهنة» من الداخل، ولم يجتهدوا حتى ليعرفوها قبل الكتابة، فضلًا عن أنَّ هناك «استسهالًا» والنقل عن أعمال سابقةٍ من المسلسلات والأفلام القديمة التي تناولت المهنة بطريقةٍ بها أخطاء.
وأرى أنَّ هناك تطورًا الآن في تناول المهنة تليفزيونيًا؛ هذا يرجع إلى دخول «صحفيين» في كتابة «السيناريو»، فضلًا عن أنَّ الصناعة تطورت بسبب المنافسة القوية.
مسلسلك الجديد الذي يحمل اسم «عسل أحمر» مأخوذ عن رواية «دم على نهد» لـ إبراهيم عيسى.. كيف ستظهر مهنة الصحافة في هذا العمل؟
تدورُ الرواية في زمن ليس معاصرًا، والمسلسل سيكون زمنه أوائل الثمانينات، الرواية بها جزء صحفي جاذب لأن الذي كتبها هو إبراهيم عيسى، والبطلة صحفية، المسلسل سيكون به جزء من الحنين للصحافة الحقيقية التي نحبها يعني؛ بشكلها الأصيل بعيدًا عن سطوة «السوشيال ميديا»، أو الاستسهال في لقب «صحفي» الذي لم يكن يطلق قديمًا على أي أحد، أجواء المهنة متواجدةٌ في المسلسل بقوة ونتمنى أن تخرج بالشكل الذي نتوقعه.
إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"