شهد الموقف السياسي في جنوب إفريقيا تحولا لافتا تجاه قضية الصحراء المغربية، بعد أن أعلن جاكوب زوما، الرئيس السابق للبلاد وزعيم حزب “أومكونتو ويسيزوي”، دعمه الصريح لمبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها الرباط، معتبرا إياها مقاربة واقعية لحل النزاع الإقليمي المفتعل تحت السيادة المغربية.
وحسب خبراء ومحللين، فإن تصريحات زوما، المدعومة بوثيقة رسمية صادرة عن حزبه، تُمثل استدارة جوهرية داخل النخبة السياسية الجنوب إفريقية، وتؤشر على ميلاد رؤية جديدة تقطع مع عقود من الانحياز لأطروحة الانفصال، وتنخرط في دعم الشرعية الدولية ومبادئ الاتحاد الإفريقي، في سياق يرشّح لتقارب استراتيجي متقدم بين الرباط وبريتوريا.
وفي هذا الإطار، قال الموساوي العجلاوي، الخبير في العلاقات الدولية والأستاذ الباحث بمركز إفريقيا والشرق الأوسط، إن “الموقف الصادر في التصريح الصحافي أول أمس الثلاثاء، الذي يعود إلى جاكوب زوما بصفته زعيم الحزب الذي يعد ممثلا للقوة الثالثة في الانتخابات الأخيرة، يأتي في أعقاب إصدار وثيقة مكتوبة من قبل هذا الحزب قبل شهرين ونيف، تتعلق بموقفه من قضايا متعددة على مستوى عدد من القضايا الإفريقية، إذ أكد التصريح الصحافي هذه المرجعية”.
وأكد العجلاوي، ضمن تصريح لهسبريس، أن “الأمر يعني أن موقف الحزب بخصوص دعمه لمبادرة الحكم الذاتي يأتي في سياق ورقة تحدد منطلقات هذا الحزب”، مشيرا إلى أنه “يمكن التوقف عند كلمات محورية في ما صرّح به زوما الثلاثاء، لما لها من دلالة؛ مما يظهر أن هذا الموقف مبني على مرجعية مبدئية وعلى تطورات سياسية ودولية وهو قائم على عدالة القضية المغربية في ما يخص الوحدة الترابية والوطنية”.
النقطة الثانية، حسب الخبير في العلاقات الدولية، “تتعلق بكون القوة الثالثة في المشهد السياسي بجنوب إفريقيا، أي الحزب الذي يمثله زوما، تنضم إلى القوة الثانية، وهي التحالف الديمقراطي، في دعمها لمبادرة الحكم الذاتي والقضية الوطنية؛ وهو ما يعني أن غالبية المشهد السياسي بجنوب إفريقيا حاليا تنتصر للمبادرة المغربية”.
أما النقطة الثالثة التي ذكرها الأستاذ الباحث، “فتتمثل في أن هذا الموقف يُعد رسالة واضحة إلى الأطراف الإقليمية والدولية، مفادها أن جاكوب زوما، بما له من قوة سياسية ومرجعية تاريخية، يتخذ موقفا واضحا من نزاع إقليمي، موقف يُعد مناقضا للموقف الرسمي الذي ما فتئ يوظف الصراع المغربي الجزائري ضمن محاولة تلميع صورة الحزب الحاكم، أي الحزب الوطني الإفريقي”.
وخلص العجلاوي إلى أن “موقف زوما مؤسس على مرجعيات واضحة. كما أن هذا التطور يُظهر أيضا جانبا آخر من الصورة؛ وهو أنه نتيجة للسياسة الحكيمة التي يقودها جلالة الملك، وهي سياسة رصينة ومبدئية قائمة على العمل بالنفس الطويل. وقد أشار زوما صراحة إلى لقائه بجلالة الملك سنة 2017، خلال القمة الإفريقية التي انعقدت في كوت ديفوار”.
من جانبه، قال لحسن أقرطيط، الباحث المغربي في العلاقات الدولية، إن موقف جاكوب زوما، الرئيس السابق لجنوب إفريقيا والذي يشغل حاليا منصب زعيم ثالث أكبر قوة سياسية في المشهد السياسي الجنوب إفريقي، “يُعدّ تحولا كبيرا على مستوى النخب السياسية؛ بل وعلى مستوى الطبقة السياسية في جنوب إفريقيا ككل”.
وسجل أقرطيط، ضمن تصريح لهسبريس، أن “هذا التحول يُجسد تبني مقاربة جديدة تقطع مع عقود من الدعم السياسي والدبلوماسي للطرح الانفصالي الذي تمثله جبهة البوليساريو؛ وهو ما يُبرز تحولا عميقا داخل البنية السياسية الجنوب إفريقية، خاصة أن الحزب الذي يتزعمه زوما يُعد قوة سياسية نافذة داخل البلاد”.
وحسب أقرطيط، فإن “أهمية هذا التحول تتجلى في كونه جاء مستندا إلى وثيقة مهمة نُشرت من طرف الحزب خلال الشهر الماضي، حيث أوضحت بشكل جلي السياق التاريخي والقانوني للنزاع المفتعل حول مغربية الصحراء. وقد ركزت الوثيقة، بشكل لافت، على أن الأقاليم الجنوبية للمملكة تنتمي تاريخيا إلى المغرب، وكانت دوما خاضعة لسيادته الفعلية”.
وأكد الباحث المغربي في العلاقات الدولية أن هذا الموقف “يُعبّر عن استدارة حقيقية في الموقف، أولا من حيث انتصاره للشرعية الدولية؛ وهو ما أكدته الوثيقة المشار إليها، حين أشارت بوضوح إلى أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية تمثل اليوم جوهر الشرعية الدولية لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل”.
وأردف المتحدث عينه: “بالتالي، فإن حزب زوما يترجم توجها إقليميا ودوليا متصاعدا نحو دعم مغربية الصحراء، ومبادرة الحكم الذاتي، والرغبة الجادة في إنهاء هذا النزاع. الكلمات التي وردت في الوثيقة، كما نُشرت، كانت واضحة في هذا الاتجاه. كما أن الموقف يُعبّر كذلك عن انتصار للمبادئ المؤسسة للاتحاد الإفريقي؛ وفي مقدمتها مبدأ احترام السيادة والوحدة الترابية للدول، بما يعكس التزاما صريحا بأحد أركان القانون الدولي”.
وأوضح أقرطيط أن “هذا الموقف ينتصر، أيضا، للغايات التي تأسست عليها منظمة الوحدة الإفريقية سابقا، والاتحاد الإفريقي حاليا؛ من خلال حرصه على بناء علاقات استراتيجية بين الدول ذات السيادة، بعيدا عن الكيانات غير المعترف بها”.
وأفاد الباحث بأن هذا الموقف “يعبر عن ميلاد عقيدة سياسية جديدة لدى هذا التنظيم السياسي الجنوب إفريقي، عقيدة قائمة على تأسيس شراكة استراتيجية مع المملكة المغربية، تنبثق من مبادئ القانون الدولي، ومن الرؤية التي قامت عليها المنظمة الإفريقية، قديما وحديثا”.
وتابع: “وعليه، يمكن القول إننا بصدد انعطافة تاريخية كبرى داخل جنوب إفريقيا، تؤشر على قرب تحوّل الموقف الرسمي من النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية”، مفيدا بأن “هذا الموقف يطوي، فعليا، عقودا من الدعم الممنوح لجبهة البوليساريو، ويرسل في الآن ذاته إشارة سياسية قوية بأن ثمة تململا حقيقيا في الداخل الجنوب إفريقي لفكّ الارتباط مع الجبهة الانفصالية. ومن جهة أخرى، رغبة في الخروج من المحور الإقليمي الذي كانت تشكله الجزائر وجنوب إفريقيا وكينيا، والذي ظل مناهضا لمصالح المملكة المغربية داخل القارة الإفريقية”.
وذكر أقرطيط أنه “في الأشهر المقبلة، في أفق الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، قد تشهد عودة محتملة لحزب زوما إلى الحكم. وإن حدث ذلك، فإنه سيعني تلقائيا تبنّي جنوب إفريقيا رسميا لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية”.