يعتزم مهاجرون مغاربة مقيمون في تركيا، إلى جانب شباب من دول عربية أخرى، توجيه مراسلة رسمية إلى الحكومة التركية، يدعون فيها إلى فتح مسار إنساني لتسوية أوضاع اللاجئين العرب المحتجزين في مخيمات شمال العراق وشمال شرق سوريا.
ويستند هذا التحرك إلى ما أفرزته التفاهمات الأخيرة بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني من بوادر تهدئة، إلى جانب مضامين الاتفاقية الموقعة بين تركيا والعراق في أواخر 2024، والتي تضمنت بنودا تتعلق بإعادة اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية وفق شروط قانونية واضحة.
ويأمل أصحاب هذه المبادرة أن تشكل المراسلة خطوة أولى في اتجاه تفعيل مسطرة إنسانية مشتركة، تُراعي الكرامة وتحفظ الحق في العودة، خاصة بالنسبة لمئات اللاجئين المنحدرين من دول المغرب العربي وسوريا واليمن.
وحسب المعطيات التي توصلت بها جريدة هسبريس الإلكترونية، يتولى شابان مغربيان دورا محوريا داخل اللجنة التنسيقية لهذه المبادرة، إلى جانب مغاربة آخرين من الموقعين على المراسلة الموجّهة إلى الحكومة التركية. ويواكب هذا المسار تنسيق فعّال مع أفراد من الجالية العربية المقيمة في أوروبا، في خطوة ترمي إلى توسيع قاعدة الدعم وتوحيد الجهود حول هدف إنساني مشترك.
وفي ظل غياب مبادرات رسمية تُعنى بهذا الملف الإنساني الشائك، عبّر شباب مشاركون في هذا التحرك، في تصريحات لموقع تركي، عن قناعتهم بأن الوقت الراهن يتيح نافذة نادرة لإحياء النقاش حول مصير اللاجئين العالقين في مخيمات الشمال.
وأكد هؤلاء الشباب أن مبادرتهم لا تسعى إلى خلق توتر أو ممارسة ضغط؛ بل تستند إلى رؤية تُغلّب البُعد الإنساني، وتنشد تواصلا بنّاء مع السلطات التركية في إطار يحترم السيادة الوطنية ويُراعي تعقيدات المشهد الإقليمي، بعيدا عن أي توظيف سياسي أو استغلال أيديولوجي.
وتتعدّد الأسباب التي قادت الآلاف من اللاجئين العرب إلى الارتهان في مخيمات شمال العراق وشمال شرق سوريا، حيث تتقاطع المصائر الفردية مع المسارات العنيفة لتاريخ دموي حديث شهدته المنطقة. بالنسبة للسوريين، كانت الحرب الأهلية الطويلة وما رافقها من انهيار لمؤسسات الدولة وتحوّل بعض المناطق إلى ساحات نفوذ متصارعة عاملا حاسما في تهجير جماعي دفع بالكثيرين إلى هذه المخيمات، بحثا عن أمان مؤقت لا يتوفّر في وطن تتنازعه قوى متعدّدة. أما اليمنيون، فقد قادتهم سنوات من الحرب العبثية وانهيار الاقتصاد واتساع رقعة المجاعة إلى الهروب من جحيم الداخل نحو منافذ لم تكن دائما مأمونة، فكان الشمال الكردي وجهة اضطرارية لا رغبة فيها، تفتقر إلى أبسط شروط الحياة الكريمة.
من جهة أخرى، يختلف وضع اللاجئين المنحدرين من دول المغرب العربي، إذ يرتبط وجودهم في هذه المخيمات غالبا بخلفيات معقدة، بعضها له علاقة بالتنقّل نحو بؤر التوتر في فترات سابقة، ثم السقوط في فخ العزلة الجيوسياسية بعد انهيار تنظيمات مسلّحة وغياب آليات الاستعادة القانونية.
في هذه المخيمات، لا تقتصر المعاناة على الجوانب المعيشية؛ بل تمتدّ إلى غياب الأفق القانوني، وقلق دائم من النسيان. يقيم اللاجئون في واقع مؤقّت امتدّ سنوات، وسط هشاشة في البنيات التحتية، وغياب منتظم للمساعدات، وقلق مستمر من الترحيل القسري أو الإبقاء القهري.
تكتسي هذه المبادرة طابعا إنسانيا بالغ الأهمية، إذ تعيد إلى الواجهة معاناة مئات اللاجئين العرب العالقين في مناطق التوتر، من خلال تحرك مدني يقوده شباب يؤمنون بأن صون الكرامة ليس رهين الجغرافيا ولا مقيدا بالانتماء.
الحضور المغربي في هذا المسار ليس تفصيلا عارضا؛ بل يعكس وعيا متقدا بقضايا تتجاوز الحدود، خاصة في ظل معطيات غير رسمية تفيد بوجود العشرات من المغاربة في مخيمات الاحتجاز شمال العراق وشمال شرق سوريا، من بينهم مفقودون منذ سنوات. ضمن هذا السياق، تنبع أهمية هذه الخطوة من قدرتها على فتح مسار للترافع الحقوقي الهادئ، في لحظة إقليمية دقيقة تُهيئ لولادة حلول إنسانية قابلة للتحقق.