أخبار عاجلة
طرح مسلسل إلا الطلاق على هذه المنصة -
الموت يفجع الفنانة هند صبري -

"الحماية الطائفية".. هل تلعب إسرائيل "الورقة الدرزية" لابتزاز سوريا؟

"الحماية الطائفية".. هل تلعب إسرائيل "الورقة الدرزية" لابتزاز سوريا؟
"الحماية الطائفية".. هل تلعب إسرائيل "الورقة الدرزية" لابتزاز سوريا؟

لا يُعدّ التدخل الإسرائيلي في الجنوب السوري، وتحديدًا في السويداء، محاولةً إنسانية لحماية أقلية درزية تربطها علاقات تاريخية بدروز الدولة العبرية، بل يُعتبر مشروعًا مدروسًا يستثمر في تشققات الداخل السوري، ويعيد تعريف خرائط النفوذ والسيادة من بوابة “الاستجابة الطائفية”.

تحت عنوان “حماية الدروز”، شنّت إسرائيل غارات جوية على مواقع سيادية في العاصمة دمشق ومحيطها، استهدفت مقر هيئة الأركان ووزارة الدفاع، ولم يسلم من القصف حتى محيط القصر الرئاسي، في وقتٍ كانت فيه السويداء تشهد اشتباكات بين ميليشيات درزية ومسلحين من البدو، على خلفية نزاع محليٍّ تضخّم بفعل هشاشة المشهد الأمني والسياسي في سوريا.

لكن هذا التصعيد الإسرائيلي لم يأتِ من فراغ، بل تزامن مع تحرّكات دبلوماسية وتسريبات سياسية عن رغبة أمريكية ـ إسرائيلية في دفع سوريا الجديدة نحو مسار تطبيع غير معلن، لا يستند إلى اتفاق سلام تقليدي، بل إلى معادلات ميدانية تُفرَض بالقوة، وتعيد ترتيب ميزان النفوذ في الجنوب السوري.

ما يحدث اليوم يُعيد إحياء نموذج “الحماية الطائفية”، حيث تُستخدم الأقليات الدينية والإثنية كأدوات في لعبة النفوذ الإقليمي، والدروز في هذا السياق ليسوا استثناءً، بل يجدون أنفسهم في قلب الصراع، بين حكومة سورية ناشئة تحاول بسط سيطرتها، وإسرائيل التي تسعى إلى ترسيخ وجودها العسكري والسياسي جنوب البلاد، تحت ذريعة الحماية، بينما تُعدّل في الوقت نفسه شروط التفاوض حول ملف الجولان ومستقبل الأمن على الحدود الشمالية.

الخطاب الرسمي في تل أبيب بات يربط علنًا بين مصير الدروز السوريين و”التحالف الأخوي” مع دروز إسرائيل، في سابقة سياسية خطيرة تفتح الباب أمام منطق مرفوض دوليًا: ربط الانتماء الديني أو الطائفي بشرعية التدخل في شؤون دول ذات سيادة. وهو منطق يتجاوز الحالة السورية، لأنه يمنح إسرائيل، ضمنيًا، حق الوصاية على أقليات المنطقة متى ارتأت أن في ذلك مصلحةً استراتيجية.

اللافت أن هذا التدخل تزامن مع تصعيد نادر لبعض القيادات الدينية الدرزية في الداخل الإسرائيلي، التي وصلت إلى حد التلويح بإرسال “مقاتلين دروز” للدفاع عن إخوانهم في سوريا. ورغم أن هذه المواقف لا تعبّر عن إجماع الطائفة، فإنها تضعها أمام اختبارٍ حادٍّ بين الهوية الوطنية والانتماء الاجتماعي، وتُستخدم بمهارة إسرائيلية كأداة ضغط إضافية على دمشق والمجتمع الدولي.

في المقابل، صدرت مواقف واضحة من قيادات درزية وطنية، سواء في الجولان المحتل أو داخل سوريا، تُحذّر من الانجرار وراء ما وصفته بـ”الوهم الحامي”، وتدعو إلى رفض أي تدخل خارجي مهما كانت ذرائعه. فالدروز السوريون، كما أكّدت مرجعياتهم، لم يطلبوا حماية أحد، بل طالبوا بسلطة وطنية عادلة توقف نزيف الدم، وتُعيد للدولة سيادتها ومؤسساتها.

وثمّة مؤشرات متزايدة على أن ما يجري في الجنوب السوري ليس مجرد توظيف للورقة الدرزية، بل جزء من محاولة أوسع لإعادة تفكيك الخارطة السورية من بوابة الأقليات. فإسرائيل، كما تشير تقارير ومواقف متواترة، تراهن على إقامة “كيان درزي” في جنوب سوريا، يتيح لها إدارة شريط حدودي يخدم مصالحها الأمنية، ويُمهّد لصفقة تطبيع لا تتقيد بالشكل التقليدي، بل تُفرض هندسيًا عبر ترتيبات الأمر الواقع.

ولا يمكن فصل هذه التحركات عن الضغوط الأمريكية المتصاعدة على دمشق للانضمام إلى اتفاقيات إقليمية جديدة تُوسّع من نطاق “اتفاقيات إبراهيم”. إذ تسعى واشنطن لإدراج سوريا ضمن هذا المسار، بينما تحاول تل أبيب ضمان ألا يكون هذا الانضمام مشروطًا بانسحابها من الجولان، أو بمراجعة وجودها العسكري جنوب سوريا. وهنا، تتحوّل الورقة الدرزية إلى أداة تفاوض مزدوجة: إنسانية في الظاهر، سياسية في الجوهر.

في هذا المشهد، تبدو الطائفة الدرزية، بكل حساسياتها وتعدّد تياراتها، وكأنها تُدفع إلى موقع ارتكاز في معادلة إقليمية تتجاوزها. وهو وضع يهدّد ليس فقط وحدة سوريا، بل النسيج الاجتماعي في عموم المنطقة، إذ إن تحويل الأقليات إلى أدوات في صراعات كبرى يُعيد إنتاج منطق التفتيت، بدلًا من تعزيز منطق المصالحة والمواطنة.

الرهان اليوم، كما تراه دمشق وحلفاؤها، يجب أن يكون على استعادة السيادة من دون الاستجابة للابتزاز الطائفي، وعلى بناء عقد اجتماعي لا يُقصي أحدًا، لكنه لا يسمح لأي طرف بأن يتحوّل إلى قناة تدخل خارجي. أما إسرائيل، فمأزقها يكمن في تناقضها البنيوي: فهي تسعى إلى تحالف مع الداخل السوري، بينما تنتهك سيادته بعمليات القصف الجوي. وهذا التناقض يُضعف منطقها السياسي، مهما زخرفته بلغة “الحماية” و”نصرة الدروز”.

المعادلة معقّدة، لكن الخطر واضح: أن تُستخدم الورقة الدرزية لتقويض وحدة سوريا وابتزازها سياسيًا، في مسار تطبيع قسري لا يقوم على المصالح المتبادلة، بل على حساب فرضيات أمنية توسّعية تُعيد رسم الخرائط من خلال التمدّد في بؤر التوتر، واستثمار النزاعات المحلية والإقليمية.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق السكرتير المساعد يقود حملة مكبرة لرفع الإشغالات وضبط مركبات التوك توك بكازالوفا
التالى الاتحاد يطلب ضم موهبة الأهلي ضمن صفقة مروان عطية