في إطار الجهود البحثية والعلاجية المتواصلة لتشخيص وعلاج الأمراض الوراثية العصبية، أكدت الدكتورة غادة محمد الحسيني عبد السلام، أستاذ ورئيس قسم الوراثة الإكلينيكية بالمركز القومي للبحوث، أن صغر حجم الرأس والعيوب الخلقية بالمخ يُعدان من أكثر المشكلات شيوعًا في فئة الأمراض الوراثية العصبية، مشيرة إلى أن "صغر حجم الرأس" ليس تشخيصًا نهائيًا بحد ذاته، وإنما مؤشر على قصور في نمو أو تكوين المخ ناتج عن عوامل وراثية أو بيئية متعددة.
واضاف الحسيني، في تصريح خاص، إن قياس محيط الرأس يمثل أداة تشخيصية بالغة الأهمية، ويجب رصده بدقة عند الولادة، ثم عبر 3 قياسات متتالية خلال العام الأول من العمر وقياسين بعد السنة الأولى، موضحة أن بعض الحالات التي تم تشخيصها مبكرًا بصغر الرأس قد تتراجع عن هذا التشخيص لاحقًا بعد نمو طبيعي للدماغ، مما يعكس أهمية القياسات المتسلسلة.
وشددت على أن صغر حجم الرأس قد يظهر كعيب خلقي منفرد أو ضمن متلازمات وراثية متعددة، وتختلف الأسباب بين تغيرات في الكروموسومات، وخلل في الجينات المتنحية أو السائدة أو المرتبطة بالكروموسوم X، أو نتيجة لاضطرابات في الميتوكوندريا، بالإضافة إلى العوامل البيئية مثل نقص الأكسجين أثناء الحمل، أو التعرض للإشعاع، أو العدوى الفيروسية، أو استخدام العقاقير الضارة.
وفيما يتعلق بالتشخيص، أوضحت أن الرنين المغناطيسي للمخ، وفحص قاع العين، ورسم المخ الكهربائي، تُعد أدوات ضرورية لتقييم حالة المريض، كما أن التاريخ الطبي العائلي والجنيني يمثلان خطوة أولى في الوصول إلى السبب الدقيق، خصوصًا في الحالات المنفردة غير المصاحبة لعيوب خلقية أخرى.
وأشارت أ.د. غادة إلى أن عيادة صغر حجم الرأس والعيوب الخلقية بالمخ التابعة للمركز القومي للبحوث، تعمل على تقديم الدعم الطبي والوراثي لمرضى هذه الفئة، حيث تستقبل العيادة الحالات يوم الاثنين من كل أسبوع بمركز التميز الطبي بالمركز، وتقدم خدمات تشخيصية متقدمة تشمل التحاليل الوراثية الدقيقة، وفحوصات الكروموسومات، والتمثيل الغذائي، وتحاليل الإنزيمات والمناعة، بالتنسيق مع الأقسام التكميلية بمعهد الوراثة البشرية بالمركز.
كما توفر العيادة خدمات الاستشارة الوراثية الدقيقة للعائلات، لتفادي تكرار الإصابة في الأحمال المستقبلية، موضحة أن نسبة تكرار المرض تختلف حسب السبب الوراثي، سواء كان متنحيًا أو سائدًا أو مرتبطًا بالكروموسوم X، أو ناجمًا عن خلل في الكروموسومات أو الميتوكوندريا.
وأكدت د. الحسيني أنه لا يوجد علاج مباشر لصغر الرأس، إلا أن التدخل المبكر عبر برامج تنمية المهارات، والعلاج الطبيعي، والدعم النفسي والأسري، إلى جانب العلاجات الدوائية (مثل أدوية التشنجات)، والتغذية العلاجية، قد يسهم بشكل كبير في تحسين جودة حياة الأطفال المصابين.
وأشارت إلى أن بعض الحالات تستفيد من التدخل الجراحي في وجود مضاعفات مثل الاستسقاء الدماغي أو التحام مبكر لعظام الجمجمة، لافتة إلى أن التشخيص الدقيق والتدخل المبكر يمثلان ركيزة أساسية لتقليل الإعاقة وتحقيق أفضل نتيجة علاجية ممكنة.
جدير بالذكر أن أ.د. غادة الحسيني حاصلة على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الطبية المتقدمة لعام 2009، وجائزة Elsevier TWOWS للباحثات الشابات في مجال العلوم الطبية عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2010، إلى جانب جائزة مؤسسة مصر الخير للنشر العلمي، وشهادات تقدير متتالية من المركز القومي للبحوث عن أعلى معدل نشر في مجلات دولية ذات معامل تأثير مرتفع للأعوام 2014، 2015، 2016.
كما ساهمت في تأليف كتاب علمي حول صغر حجم الرأس، وساهمت في تحديث قواعد بيانات عالمية للأمراض الوراثية، فضلًا عن مشاركتها في أكثر من 140 بحثًا علميًا في مجال الوراثة البشرية نُشرت في دوريات دولية مرموقة.