أكد المبعوث الأمريكي إلى لبنان وسوريا توماس باراك أن الولايات المتحدة لا تفرض على الحكومة اللبنانية ما يجب عليها فعله.
وأضاف في إحاطة حول تعزيز العلاقات الأمريكية - التركية وتطوير العلاقات مع سوريا أن "الحكومة اللبنانية الحالية ليست فاسدة".
وتابع إن الخوف من نزع سلاح "حزب الله" ومنع الحكومة لهذا الأمر قد يؤدي إلى حرب أهلية. ورأى أن الأسلحة التي يراد من "حزب الله" التخلي عنها هي تلك التي تهدد إسرائيل، وفقًا لصحيفة الإندبندنت البريطانية.
سياق التصريحات وأزمة نزع السلاح
تأتي تحذيرات باراك في سياق معقد، حيث يواجه لبنان ضغوطًا دولية متزايدة، بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل، لتفكيك الترسانة العسكرية لحزب الله، وهي قضية مثيرة للجدل منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990).
يُعتبر حزب الله، المدعوم من إيران، القوة العسكرية الأقوى في لبنان، متجاوزًا قدرات الجيش اللبناني، حيث احتفظ بأسلحته بعد الحرب بدعوى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
وقد أشار باراك إلى أن الجماعة المسلحة التابعة لحزب الله تُعد، وفق تعبيره، "المنظمة الإرهابية التي تُحدث المشكلات"، مشددًا على أن الأسلحة التي تهدد إسرائيل هي محور القلق الدولي.
وأضاف أن لبنان كان في السابق "غارقًا في الفساد"، لكنه أشاد بالحكومة الحالية برئاسة نواف سلام، معتبرًا أنها تمثل خطوة إيجابية نحو الإصلاح.
تصريحات باراك حول سوريا والسياق الإقليمي
في حوار أجري مؤخرًا، أثار باراك الجدل بقوله إن لبنان قد يواجه "تهديدًا وجوديًا" بسبب تأثير إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، مع إشارة إلى أن سوريا "تتعافى بسرعة كبيرة".
ودعا إلى معالجة ملف سلاح حزب الله بشكل عاجل، محذرًا من أن عدم التحرك قد يعيد لبنان إلى دائرة نفوذ "بلاد الشام".
لكنه عاد وأوضح في منشور على منصة إكس أن تعليقاته حول سوريا لم تكن تهديدًا، بل كانت تُشيد بالتقدم الذي أحرزته سوريا بعد رفع العقوبات الأمريكية بقرار من الرئيس دونالد ترمب.
وأكد أن قادة سوريا يسعون إلى "التعايش والازدهار المتبادل" مع لبنان، مشددًا على التزام الولايات المتحدة بدعم علاقات متساوية وسلمية بين البلدين.
موقف حزب الله والتوترات الحدودية
تتزامن هذه التطورات مع استمرار التوترات على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، حيث تواصل القوات الإسرائيلية احتلال خمسة مواقع في جنوب لبنان، مما يعزز موقف حزب الله الرافض لنزع السلاح.
وفي خطاب ألقاه زعيم الحزب، نعيم قاسم، بمناسبة إحياء ذكرى عاشوراء، أكد أن الحزب لن يتخلى عن أسلحته ما دامت إسرائيل مستمرة في انتهاكاتها العسكرية، بما في ذلك الغارات الجوية التي أسفرت عن مقتل حوالي 250 شخصًا وإصابة أكثر من 600 آخرين. وشدد قاسم على أن الأسلحة تُعد "العمود الفقري للمقاومة"، مشيرًا إلى استعداد الحزب للحوار فقط بعد انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي اللبنانية.
الأزمات الداخلية في لبنان
يواجه لبنان أزمات اقتصادية وسياسية خانقة، تفاقمت بعد انهيار القطاع المصرفي في 2019 وتفجير مرفأ بيروت في 2020. كما أدت الحرب بين إسرائيل وحزب الله، التي بدأت في أكتوبر 2023 وتصاعدت في سبتمبر 2024، إلى مقتل أكثر من 4000 شخص وتدمير بنى تحتية بقيمة 11 مليار دولار.
وفي هذا السياق، أكد الرئيس اللبناني جوزيف عون في مقابلة مع قناة الجزيرة أن نزع سلاح حزب الله يجب أن يتم عبر الحوار وليس بالقوة، مشيرًا إلى التزام الحكومة بتطبيق قرار مجلس الأمن 1701، الذي يدعو إلى نزع سلاح الجماعات غير الحكومية جنوب نهر الليطاني.
ومع ذلك، يرى عون أن فرض نزع السلاح بالقوة قد يؤدي إلى صراع داخلي، خاصة في ظل الانقسامات الطائفية العميقة.
جهود مكافحة التهريب
في سياق منفصل، أعلن الجيش اللبناني تفكيك أحد أكبر معامل تصنيع حبوب الكبتاغون في بلدة اليمونة بمنطقة بعلبك شرق لبنان، بالقرب من الحدود السورية.
وأفاد بيان الجيش أن دورية من مديرية الاستخبارات، بمساندة وحدة عسكرية، دهمت المعمل وضبطت معدات تزن حوالي 10 أطنان، إضافة إلى كميات كبيرة من حبوب الكبتاغون ومواد مخدرة أخرى مثل الكريستال.
كما تم ردم نفق بطول 300 متر كان يُستخدم لتخزين المعدات والتهريب. وأشار الجيش إلى أن التحقيقات جارية تحت إشراف القضاء لتوقيف المتورطين، في إطار جهود مكافحة تهريب المخدرات الذي كان منتشرًا على نطاق واسع في المنطقة قبل سقوط نظام بشار الأسد.
يواجه لبنان تحديًا معقدًا في الموازنة بين الضغوط الدولية لنزع سلاح حزب الله والحفاظ على الاستقرار الداخلي. ومع استمرار التوترات على الحدود الجنوبية، حيث تحتفظ القوات الإسرائيلية بخمسة مواقع في جنوب لبنان، يبقى الوضع متأزمًا.
ويحذر المراقبون من أن أي محاولة لفرض نزع السلاح بالقوة قد تؤدي إلى تصعيد التوترات الطائفية، مما قد يدفع لبنان نحو صراع داخلي مشابه للحرب الأهلية السابقة.
في هذا السياق، يُعتبر الحوار الوطني الذي دعت إليه الحكومة اللبنانية السبيل الأمثل لتجنب التصعيد، لكن نجاحه يعتمد على التوصل إلى توافق يحفظ السيادة الوطنية ويلبي مطالب المجتمع الدولي.