تستمر الأزمة السياسية في إسرائيل في التصاعد، حيث أعلن حزب يهدوت هتوراه (التوراة اليهودي المتحد)، أحد الأحزاب الدينية المتزمتة في البلاد، انسحابه من الائتلاف الحكومي بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
يأتي هذا القرار على خلفية خلافات مستمرة حول مشروع قانون يهدف إلى إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية الإلزامية.
ويُعتبر هذا الانسحاب تطورًا مهمًا في ظل التوترات المتزايدة بشأن قضية التجنيد، التي أصبحت نقطة خلاف مركزية في المشهد السياسي الإسرائيلي، خاصة بعد قرار المحكمة العليا في العام الماضي الذي أمر بإنهاء إعفاء اليهود المتدينين من الخدمة العسكرية. وفقًا لصحيفة الإندبندنت البريطانية.
خلفية قضية التجنيد
تُعد قضية إعفاء اليهود المتزمتين دينيًا، المعروفين باسم "الحريديم"، من الخدمة العسكرية من القضايا الحساسة في إسرائيل. فقد حظي طلاب المعاهد الدينية (اليشيفات) تقليديًا بإعفاء من الخدمة العسكرية الإلزامية، التي تُفرض على معظم الشباب الإسرائيليين عند بلوغهم سن 18 عامًا.
ومع ذلك، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية في عام 2024 قرارًا تاريخيًا أمرت فيه وزارة الدفاع بإنهاء هذا الإعفاء والبدء في تجنيد طلاب المدارس الدينية.
هذا القرار أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والمجتمعية، حيث يرى البعض أن الإعفاء يمثل تمييزًا غير عادل، بينما يعتبره آخرون جزءًا أساسيًا من الحفاظ على الهوية الدينية للمجتمع الحريدي.
انسحاب حزب يهدوت هتوراه
أعلن حزب يهدوت هتوراه، الذي يضم فصيلي ديجيل هتوراه وأجودات يسرائيل، انسحابه من الائتلاف الحاكم بعد أن قدم ستة من أعضائه السبعة في الكنيست رسائل استقالة رسمية.
وكان رئيس الحزب، إسحاق غولدكنوب، قد قدم استقالته قبل شهر من هذا الإعلان.
هذا الانسحاب يترك حكومة نتنياهو بأغلبية ضئيلة للغاية في الكنيست، حيث تمتلك الآن 61 مقعدًا فقط من أصل 120 مقعدًا.
ولم يتضح بعد ما إذا كان حزب شاس، وهو حزب ديني متزمت آخر ضمن الائتلاف، سيتبع خطوات يهدوت هتوراه وينسحب من الحكومة.
في بيان رسمي أصدره فصيل ديجيل هتوراه، أوضح الحزب أن قرار الانسحاب جاء بعد مشاورات مكثفة مع الحاخامات الرئيسيين الذين يقودون الحركة.
وأشار البيان إلى أن الحكومة فشلت مرارًا في الوفاء بالتزاماتها تجاه ضمان إعفاء طلاب المدارس الدينية من التجنيد.
وجاء في البيان: "بعد الانتهاكات المتكررة من قبل الحكومة لالتزاماتها بضمان وضع طلاب المدارس الدينية اليهودية المقدسة الذين ينتظمون بجد في دراستهم، قرر أعضاء الكنيست الاستقالة من الائتلاف والحكومة".
وأكد الحزب أن دراسة التوراة تُعد جزءًا أساسيًا من الهوية الدينية والثقافية لليهود المتزمتين، وأن أي محاولة لتجنيد طلاب المعاهد الدينية تُعتبر تهديدًا لهذه الهوية.
شروط الائتلاف والتوترات الداخلية
كانت الأحزاب الدينية المتزمتة قد اشترطت، عند انضمامها إلى الائتلاف الحاكم في أواخر عام 2022، تمرير مشروع قانون يضمن استمرار إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية.
ومع ذلك، فإن فشل الحكومة في إقرار هذا القانون، إلى جانب قرار المحكمة العليا، أدى إلى تصعيد التوترات داخل الائتلاف.
وقد هدد أعضاء من الأحزاب الدينية مرارًا بالانسحاب إذا لم يتم الوفاء بهذا الشرط الأساسي.
في الوقت نفسه، يشهد الائتلاف الحكومي انقسامًا داخليًا حول هذه القضية. فبينما تسعى الأحزاب الدينية مثل يهدوت هتوراه وشاس إلى الحفاظ على الإعفاءات، يدعو مشرعون آخرون، خاصة من الأحزاب العلمانية أو القومية ضمن الائتلاف، إلى إلغاء هذه الإعفاءات تمامًا.
يرون أن الإعفاء يشكل تمييزًا غير عادل بين المواطنين الإسرائيليين، خاصة في ظل الضغوط التي يواجهها الجيش الإسرائيلي بسبب استمرار الحرب في قطاع غزة.
تأثير الحرب في غزة
تتزامن هذه الأزمة السياسية مع استمرار الحرب في قطاع غزة، مما يجعل قضية التجنيد أكثر حساسية. فقد أصبح الإعفاء من الخدمة العسكرية، الذي استفاد منه عدد متزايد من اليهود المتزمتين على مر السنين، موضوعًا مثيرًا للجدل في المجتمع الإسرائيلي.
يرى البعض أن هذا الإعفاء يُشكل عبئًا على الشباب الذين يخدمون في الجيش، بينما يعتبره آخرون جزءًا لا يتجزأ من الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية للمجتمع الحريدي. ومع تصاعد الخسائر البشرية والموارد العسكرية في الحرب، تزداد الضغوط على الحكومة لتطبيق التجنيد بشكل عادل بين جميع فئات المجتمع.
تحديات نتنياهو
يواجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الآن تحديًا كبيرًا في الحفاظ على استقرار حكومته، خاصة مع أغلبية هشة للغاية في الكنيست. إذ إن أي انسحاب إضافي من الأحزاب الأخرى في الائتلاف قد يؤدي إلى انهيار الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة.
وقد حاول نتنياهو جاهدًا إيجاد حل وسط يرضي الأحزاب الدينية مع الالتزام بقرار المحكمة العليا، لكن هذه الجهود لم تُثمر حتى الآن.
يُعد انسحاب حزب يهدوت هتوراه من حكومة نتنياهو تطورًا خطيرًا في الأزمة السياسية الإسرائيلية، حيث تبرز قضية تجنيد الحريديم كعامل رئيسي في تعميق الانقسامات داخل الائتلاف الحاكم.
مع استمرار الحرب في غزة وتزايد الضغوط الاجتماعية والسياسية، يبقى المشهد السياسي الإسرائيلي محفوفًا بالتحديات، مما يضع نتنياهو في موقف صعب للحفاظ على تماسك حكومته.